اتجاهات مستقبلية

الأمم المتحدة وضرورات الإصلاح

الرئيسية مقالات
مركز تريندز للبحوث والاستشارات

تطالب العديد من الدول الأخرى بضرورة إصلاح المؤسسة الأممية لمواجهة المشكلات التي باتت تهدد وتضرب المجتمع الدولي

 

 

 

تشهد الآن مدينة نيويورك الأمريكية اجتماعات الدورة الـ 77 للجمعية العامة للأمم المتحدة، والتي انطلقت يوم 13 من هذا الشهر الجاري، وسط أجواء دولية معقدة، وتفاعلات بينية مكثفة من قبل الفاعليين الدوليين الرسميين لمحاولة إيجاد حلول لعدد من القضايا الجيواستراتيجية التي فرضت نفسها مؤخراً على الأجندة الدولية، بدءًا من حرب أوكرانيا والصراع المتزايد بين تايوان والصين مروراً بأزمات الاقتصاد والغذاء والطاقة، وتهديدات المناخ، والصراعات التقليدية، والحديث المتزايد حول حرب نووية في الأفق، وارتفاع منحنيات الصراعات الداخلية والدولية المحتملة. وعلى هامش انعقاد هذه الدورة ستُعقد فعاليات في غاية الأهمية؛ منها قمة بشأن “تحويل التعليم”، واجتماع رفيع المستوى لإحياء الذكرى السنوية الـ 30 لاعتماد إعلان بشأن حقوق الأشخاص المنتمين إلى أقليات قومية أو إثنية وإلى أقليات دينية ولغوية، وجلسة عامة رفيعة المستوى للاحتفاء باليوم الدولي للإزالة الكاملة للأسلحة النووية.

لاشك في أن الجمعية العامة، التي أنشئت في عام 1945 بموجب ميثاق الأمم المتحدة، تحتل موقعاً مركزياً بوصفها الهيئة الرئيسية لرسم السياسات والتمثيل في الأمم المتحدة. وهي تضم جميع أعضاء الأمم المتحدة البالغ عددهم 193 عضواً، وتعتبر ملتقى مهماً لإجراء المناقشات المتعددة الأطراف، وتساهم في وضع أجندة التحركات الدولية لحل شفرات الأزمات الدولية أحياناً، خاصة في جوانبها الإنسانية مثل تلك المتعلقة بالمناخ أو قضايا اللاجئين والهجرة الغير نظامية.

ومؤخراً تعالت الأصوات من كل حدب وصوب تطالب بضرورة إصلاح الأمم المتحدة عامة، ومجلس الأمن خاصة، لمواكبة عملية التحول الراهنة التي يشهدها النظام الدولي. ومن اللافت للنظر في دعوات الإصلاح في هذه المرة أنها انطلقت من الدول صاحبة العضوية الدائمة في مجلس الأمن، مثل الولايات المتحدة وروسيا والصين، وذلك بالرغم من اختلاف وجهات نظرهم حول منطلقات وقضايا الإصلاح للمؤسسة الدولية، حيث يرى الغرب بقيادة الولايات المتحدة ضرورة مواجهة روسيا والصين داخل المنظمات الأممية وتحجيم دورهما، خاصة في ظل اعتمادهما على حق النقض (الفيتو) في عرقلة القرارات التي لا تصب في مصلحتهما. وأمام هذه الوضعية يبحث الغرب مسألة تغيير تركيبة مجلس الأمن، وهو خيار لا يتوقع أن يلقى قبولاً من أعضاء المنظمة متعددة الأطراف.

وعلى الجانب الآخر، ترى كل من روسيا والصين أن الغرب يستخدم مجلس الأمن من أجل تحقيق مصالحه فقط دون مصالح كافة أطراف الأسرة الدولية. وقد توافقت الرؤية الروسية والصينية حول إصلاح المنظمات الدولية متعددة الأطراف، أو إيجاد بديل لها بعدما وصل التعاون بينهما إلى إعلان “شراكة من دون حدود” وأحدثها إعلان موسكو عن صفقة جديدة مع بكين يحل فيها خط أنابيب “قوة سيبيريا 2” محل خط أنابيب “نورد ستريم 2″، الذي بُني لنقل الغاز الروسي إلى أوروبا، وتم بالفعل. فقد اتخذوا خطوات جادة في هذا المسار.

وفي ظل اختلاف رؤى الإصلاح بين الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن، تطالب العديد من الدول الأخرى بضرورة إصلاح المؤسسة الأممية لمواجهة المشكلات التي باتت تهدد وتضرب المجتمع الدولي. وهنا، طرحت تلك الدول ضرورة معالجة المعوقات المالية والتنظيمية التي تعاني منها الأمم المتحدة، والتي جعلتها غير قادرة على مواكبة التحولات الكبرى التي يشهدها النظام الدولي؛ وذلك بسبب تضخم الجهاز الإداري وعدم فاعلية الأجهزة المكتبية. ويضاف إلى ذلك ضرورة إصلاح مجلس الأمن، بحيث يكون أداة أكثر فعّالية لحل المنازعات الدولية، وأن يكون أكثر تمثيلاً للمجتمع الدولي.

إن مسألة إصلاح مجلس الأمن تتمحور حول قضيتين متشابكتين، هما: حق النقض، والعضوية‎. واللافت أن هناك المئات من المقترحات المقدمة لحل هذه المعضلة، حيث تحدثت منذ أوائل تسعينيات القرن الماضي عدد من الدول حول فكرة التخلي عن حق النقض، ومضاعفة عدد الدول الأعضاء بمجلس الأمن، وذلك لجعل المجلس أكثر تعبيرًا عن ميزان القوة العالمي المتغير.

الخلاصة، إن إصلاح الأمم المتحدة لن يتم إلا بتضافر جهود الأسرة الدولية وصدق نوايا الفاعلين الدوليين من أجل إيجاد توافق وتحرك دولي لحل الأزمات والقضايا التي باتت تهدد مصير البشرية جمعاء.


تعليقات الموقع