مركز تريندز للبحوث والاستشارات

أزمات كورونا المتوالية ومتطلبات الحل الجماعي الدولي

الرئيسية مقالات
لم يقتصر الأمر على إشكالية عدالة توزيع اللقاح فقد بدأت أزمة تعثر الشركات المنتجة

اتجاهات مستقبلية

أزمات كورونا المتوالية ومتطلبات الحل الجماعي الدولي

أفرزت جائحة كوفيد-19 منذ ظهورها قبل أكثر من عام سلسلة من الأزمات المتوالية التي عانى منها العالم وما يزال. فما أن ظنت البشرية قرب انتهاء هذا الكابوس حتى بدأ فصل جديد من هذه الأزمة التي طرحت تحديات جديدة لمواجهة هذا “العدو الخفي” والقضاء عليه؛ فمع بداية ظهور الفيروس في ديسمبر 2019 وحالة الارتباك حول التعامل معه، أخذ العالم وقتاً ليطور بعض الإجراءات الاحترازية للتقليل من حدة تفشيه بفرض سياسات التباعد الجسدي والإغلاق التام وما ترتب عليها من تداعيات اجتماعية واقتصادية سلبية للغاية تحملتها دول العالم مضطرة للحفاظ على صحة شعوبها وحياة أبنائها.
ومع نجاح الدول والشركات المتخصصة في تطوير بعض اللقاحات لمواجهة الفيروس استبشر العالم خيراً بقرب انتهاء الأزمة، قبل أن يتفاجأ بظهور سلالات جديدة سريعة الانتشار مقارنة بالسلالة الأولى، ظهرت في بريطانيا والولايات المتحدة وجنوب أفريقيا وأماكن أخرى. وقد تسببت هذه السلالات الجديدة في تسريع وتيرة الإصابات والوفيات في العديد من دول العالم، ودفعت الكثير منها للعودة إلى سياسات الإغلاق وفرض حالة الطوارئ من جديد.
وبدورها خلقت عملية إنتاج اللقاحات وتوزيعها إشكاليات وتحديات عديدة، أحدها يتعلق بعدالة التوزيع وحق الدول الفقيرة في الحصول على هذه اللقاحات؛ فمع مبادرة دول غنية إلى تطبيق نهج “أنا أولاً”، وإلى إبرام صفقات ضخمة للحصول على اللقاح، وجدت الدول الفقيرة نفسها محرومة منه ولا تستطيع الحصول عليه إلا متأخراً جداً، وهو ما دفع مدير منظمة الصحة العالمية، تيدروس أدهانوم غيبريسوس، إلى التحذير من أن العالم يقف على شفير “إخفاق أخلاقي كارثي”، مشيراً إلى أنه تم إعطاء 39 مليون جرعة من اللقاح في ما لا يقل عن 49 من الدول الأعلى دخلاً، في حيت تم تقديم 25 جرعة فقط في واحدة من إحدى الدول الفقيرة!
لم يقتصر الأمر على إشكالية عدالة توزيع اللقاح، فقد بدأت أزمة أخرى تلوح في الأفق، نتجت عن تعثر الشركات المنتجة للقاحات ومحدودية قدرتها على توفيرها بكميات مناسبة لدول العالم المختلفة حتى الغنية منها، ولا سيما شركة فايزر الأمريكية التي أعلنت أن تسليم جرعات اللقاح في نهاية يناير وبداية فبراير سيتأخر لإتاحة إدخال تعديلات في عملية الإنتاج وتسريع وتيرتها في الأسابيع اللاحقة، الأمر الذي أثار قلقاً كبيراً بشأن المدى الذي يمكن أن تذهب إليه الدول في الاعتماد على هذه الشركات لتقديم اللقاحات إليها، في المواعيد المتفق عليها، ودفع دول أوروبية إلى انتقاد إجراءات الشركة، في الوقت الذي تتسارع فيه وتيرة تفشي الوباء مرة أخرى.
يؤكد كل ما سبق أننا لسنا أمام أزمة واحدة ولكن أمام مجموعة من الأزمات المتشابكة والمتداخلة التي أفرزها هذا الفيروس وما يزال، والتي تتطلب حلاً جماعياً دولياً لمواجهتها يبتعد عن الفردية والذاتية، فالتجربة أثبتت أن أي حلول تُقدم عليها دولة بمفردها لن تكون كافية للتخلص من هذا الوباء المعولم وتداعيات أزماته المتوالية، وأن التضامن الدولي حتمي إذا أراد العالم أن يوقف انتشار هذا الوباء سريع التحور والانتشار.
وبالنظر إلى حقيقة أن اللقاح يُعد هو الوسيلة الرئيسية الآن التي يعول عليها العالم لمواجهة هذا الفيروس، فقد يكون من المناسب في هذه المرحلة، عقد قمة دولية تحت رعاية الأمم المتحدة، تبحث في وضع استراتيجية متكاملة الأبعاد، تستهدف توفير اللقاح بطريقة عادلة وآمنة لمختلف دول العالم في أسرع وقت ممكن مع مواصلة الجهود العلمية الحثيثة لتطوير مزيد من الأدوية واللقاحات للقضاء على هذا الفيروس والعودة إلى الحياة الطبيعية وبدأ مرحلة التعافي التي قد تطول بالنظر إلى ضخامة الآثار التي خلفها هذا الوباء.


تعليقات الموقع