في الحلقة النقاشية لـ "تريندز" حول "العمل الإنساني والتنمية المستدامة"

“خبراء وإعلاميون”: العمل الإنساني أهم مرتكزات التنمية المستدامة وتحقيق الأمن والسلم الدوليين

الإمارات

 

أبوظبي: الوطن

نظم “تريندز للبحوث والاستشارات”، أمس الأول الثلاثاء حلقة نقاشية عن بعد تحت عنوان “العمل الإنساني والتنمية المستدامة: علاقة تكاملية”، شارك فيها نخبة من الخبراء في مجال العمل الخيري والإنساني والإعلام لتسليط الضوء على طبيعة العلاقة بين العمل الإنساني والتنمية المستدامة، وكيف تسهم الأعمال الإنسانية في تعزيز جهود الأمن والتنمية والاستقرار في العالم.
واستهلت الحلقة النقاشية فعالياتها بالكلمة الترحيبية للدكتور محمد عبدالله العلي الرئيس التنفيذي لـ”تريندز للبحوث والاستشارات”، والتي ألقاها بالنيابة عنه الأستاذ سلطان العلي، والتي أعرب خلالها عن ترحيبه بالمشاركين فيها. وأكد العلي أن العمل الإنساني لا ينفصل عن الأهداف الإنمائية العالمية، وخاصة في الدول النامية والمجتمعات الفقيرة، حيث يقوم بدور محوري في مواجهة التحديات الإنسانية ومساعدة هذه الدول على بلوغ أهداف التنمية المستدامة. وأشار العلي إلى أن العالم في حاجة أكثر من أي وقت مضى إلى إعلاء الاعتبارات الإنسانية والأخلاقية في التعامل مع الأزمات والكوارث الطارئة التي تلقي بظلالها السلبية على معظم شعوب العالم، وهذا ما أظهرته جائحة “كوفيد-19″، التي أعادت الاعتبار إلى العمل الإنساني والخيري، باعتباره ضرورة لتعزيز الأمن الوطني الشامل للدول والمجتمعات.
وأدار فعاليات الحلقة النقاشية الأستاذ محمد حمداوي مدير إدارة الدراسات الاقتصادية بـ”تريندز للبحوث والاستشارات”، الذي أكد في تقديمه العام أن العديد من الدول تعتمد على المساعدات الإنسانية في سياساتها الداخلية والخارجية، باعتبارها ركيزة التنمية المستدامة، وأشار إلى أن جائحة “كوفيد-19” أظهرت بوضوح أهمية المساعدات الإنسانية والإغاثية، وخاصة في المجالات الصحية والطبية، في تخفيف الآثار السلبية التي ترتبت على هذه الجائحة.
وبدأت فعاليات الحلقة النقاشية بالكلمة الرئيسية التي ألقاها الأستاذ حميد راشد الشامسي مستشار المساعدات الدولية بهيئة الهلال الأحمر الإماراتي، الذي أشار خلالها إلى أن الهيئة تقوم بدور رائد عالمياً وإقليمياً في تقديم المساعدات الإنسانية والخيرية للمحتاجين في العالم، اعتماداً على مجموعة من المبادئ الرئيسية التي ترتكز على تقديم الدعم والمساعدات بدون أي تحيز أو تمييز على أساس العرق أو الدين أو الجنس. كما تعمل الهيئة على تطوير البنى التحتية وأساسيات الحياة في المجتمعات الهشة في كافة أرجاء العالم، وذلك انطلاقاً من مبادئ سياسة دولة الإمارات الخارجية في تقديم العون لكل محتاج، وتحقيق السلام والاستقرار للدول والشعوب.
وأوضح الأستاذ الشامسي أن يوم التاسع عشر من رمضان يمثل لهيئة الهلال الأحمر الإماراتي مناسبة لتقدم المسيرة والدفع بها إلى الأمام والمساهمة بصورة أكبر في حشد التأييد للبرامج الإنسانية، وتعزيز الشراكات مع كافة قطاعات المجتمع، ونشر القيم والمبادئ التي تسعى الهيئة لتحقيقها، وتحقيق المزيد من التوسع والانتشار وإضافة مكتسبات جديدة للمستفيدين من برامج الهيئة الإنسانية بالداخل والخارج، وتعزيز القدرة على الحركة والتأهب لمواجهة الطوارئ والتجاوب السريع لنداءات الواجب الإنساني في كل مكان، وهي أهداف تعمل الهيئة على تحقيقها مستذكرين في ذلك نهج المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان “طيب الله ثراه”.
وأشار الأستاذ حميد راشد الشامسي إلى أن الهيئة عملت خلال الفترة الماضية على تقديم مبادراتها الإنسانية والتنموية ضمن استراتيجية متكاملة تهدف إلى تبني المشاريع التي تحقق الاستدامة في العطاء وتفي بأغراض التنمية البشرية والاجتماعية، وذلك من خلال دعم القطاعات الحيوية خاصة الصحة والتعليم وخدمات المياه والبيئة وغيرها من الجوانب الأكثر احتياجاً للسكان، حيث قامت الهيئة بالإشراف على العديد من المشاريع التنموية في مختلف أنحاء العالم، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، إقامة مخيم مريجب الفهود لخدمة اللاجئين السوريين في الأردن، ومدينة الشيخ خليفة المكونة من 2014 منزلاً بمحافظة حضرموت في اليمن والتي تعمل بالكامل بالطاقة الشمسية، ومشاريع سكنية أخرى في سقطرى تعمل بالطاقة الشمسية أيضاً. وتنفيذاً لمبادرة “سقيا الإمارات”، وهي إحدى مبادرات صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، تم حفر العديد من الآبار في الدول المحتاجة وتشغيلها بالطاقة الشمسية. إلى جانب ذلك تمت متابعة تنفيذ مبادرة “المدرسة الرقمية” التي جاءت لتعزيز جهود التعليم عن بعد؛ وذلك دعماً لأهداف التنمية المستدامة، وسيصل عدد الطلاب المستفيدين منها خلال السنوات الخمس المقبلة نحو مليون طالب وطالبة حول العالم.
العمل الإنساني ومبدأ التسامح: دراسة حالة دولة الإمارات العربية المتحدة
وتطرق سعادة راشد الحميري مدير الشؤون الخارجية بوزارة الشؤون الخارجية والتعاون الدولي في مداخلته أمام الحلقة النقاشية إلى تجربة الإمارات في العمل الإنساني، مشيراً إلى أن المساعدات الخارجية الإماراتية تشمل ثلاث فئات رئيسية هي: المساعدات الإنمائية التي تُعنى بالبرامج التي تساعد في تحسين الرفاهية الاقتصادية والاجتماعية، والمساعدات الإنسانية لدعم الأنشطة المتعلقة بالجهود الرامية إلى إنقاذ الأرواح، بما في ذلك عمليات الطوارئ والإغاثة، والمساعدات الخيرية التي تشمل المشاريع ذات التوجه الديني والثقافي. وأوضح الحميري أن دولة الإمارات تركز بشكل كبير على تقديم المساعدات الإنمائية لما لها من أثر إنمائي طويل الأمد على الجهة المتلقية، مشيراً إلى أن هذه المساعدات تشكل 88.2% من إجمالي المساعدات الخارجية الإماراتية، فيما تشكل المساعدات الإنسانية 9.4%، والمساعدات الخيرية 2.4%.
وذكر سعادة راشد الحميري أن دولة الإمارات العربية المتحدة تعد مساهماً عالمياً في تقديم المساعدات الخارجية، فخلال الفترة من عام 2010 إلى 2021، قدمت مساعدات لعدد من الدول النامية، بما فيها 50 من الدول الأقل نمواً، بلغ إجمالي قيمتها 55.60 مليار دولار. كما حافظت على نسبة عالية من الإنفاق على المساعدة الإنمائية الرسمية قياساً بدخلها القومي الإجمالي، ووضعت نفسها ضمن أكثر عشر دول مانحة للمساعدات الإنمائية الرسمية خلال السنوات الثماني الأخيرة، وصنفتها لجنة المساعدات الإنمائية التابعة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية 4 مرات في المرتبة الأولى بين المانحين العالميين، واحتلت المرتبتين الثانية والرابعة في بعض السنوات.
وربط سعادة راشد محمد الحميري، بين المساعدات الإماراتية وقيمة التسامح، مستحضراً قول المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان “طيب الله ثراه”: إن “المساعدات الخارجية إحدى الركائز الأساسية لسياستنا الخارجية؛ لأننا نؤمن بأن لا فائدة حقيقية لنا من الثروة التي نمتلكها ما لم تصل أيضاً إلى المحتاجين أينما كانوا وبغض النظر عن جنسيتهم أو معتقدهم”. وأوضح أن دولة الإمارات اعتمدت مجموعة من المبادئ الإنسانية في تقديم مساعداتها؛ من بينها: تقديم المساعدات وفقاً للمبادئ الإنسانية الأساسية المتمثلة في الحياد والاستقلالية وعدم التحيز، ودعم الحكومات والمجتمعات في استجابتها للأزمات، وتنسيق الجهود الإماراتية مع الجهات الإنسانية الفاعلة الأخرى، وضمان المساءلة والمحاسبة فيما يتعلق بما تقدمه من مساعدات.
وضرب سعادة راشد محمد الحميري أمثلة على المساعدات الإماراتية الخارجية، مشيراً إلى أن دولة الإمارات قدمت نحو 4 ملايين دولار لمجتمعات اليزيديين في مدينة سنجار العراقية لدعم كفاحهم من أجل العودة والتعافي، وذلك من خلال “مبادرة نادية مراد”، كما قدمت 60 مليون دولار لدعم استقرار المجتمعات العائدة إلى الموصل بعد هزيمة تنظيم داعش، بالإضافة إلى تقديم 50 مليون دولار لدعم اليونسكو والحكومة العراقية في إعادة بناء مسجد النوري وكنيسة الطاهرة التاريخيين. كما تطرق الحميري إلى الجهود التي بذلتها دولة الإمارات لدعم دول العالم في مواجهة جائحة كوفيد-19، مشيراً إلى أنه تم دعم 135 دولة حول العالم، وتقديم نحو ألفي طن من المساعدات الطبية وأجهزة التنفس والفحص، ومعدات الوقاية الشخصية، وإنشاء مشافٍ ميدانية في الأردن وغينيا-كوناكري، وموريتانيا، والسودان، وجلب مشافٍ متنقلة من أوروبا إلى إثيوبيا وغانا، بالإضافة إلى إنشاء مراكز لوجستية عالمية لتخزين لقاحات كوفيد-19 ونقلها.
الإعلام وثقافة العمل الإنساني
وتناول الأستاذ حمد الكعبي رئيس تحرير صحيفة الاتحاد في مداخلته أمام الحلقة النقاشية دور الإعلام في تعزيز ثقافة العمل الإنساني، حيث أشار إلى أن العلاقة بين الجانبين هي علاقة تكاملية. حيث يقوم الإعلام بدور رئيسي في تعزيز القيم الايجابية النبيلة، وخاصة تلك المرتبطة بالعمل الإنساني، وفي مقدمتها قيمة العطاء التي رسخها المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، باعتبارها قيمة حياتية تمثل أهم سمات المجتمع الإماراتي، والرافد الرئيسي للعمل الإنساني والخيري. ونوه الكعبي إلى أن أهم ما يميز الامارات أنها تمتلك مؤسسات عديدة في العمل الانساني والخيري تصل إلى 40 مؤسسة، وعلى رأسها هيئة الهلال الاحمر التي لها باع طويل في هذا المجال في تقديم المساعدات الإنسانية والخيرية والإغاثية إلى العديد من دول العالم.
وأكد الكعبي أن العمل الإنساني والخيري يمثل ركناً رئيسياً في سياسة الإمارات الداخلية والخارجية، وليس أدل على ذلك من كونها خصصت العام 2017 عاماً للخير، والذي أطلقت حكومة الإمارات من خلاله مئات المبادرات الإنسانية، التي تخدم قضايا خيرية داخل دولة الإمارات العربية المتحدة وخارجها، كما ساهم الأفراد بالتبرعات وساعات العمل التطوعي لخدمة قضايا مجتمعية وإنسانية.
وتطرق الأستاذ حمد الكعبي إلى بعض التجارب التي قام فيها الإعلام بدور حيوي في مجال العمل الإنساني، بداية من قيامه بتسليط الضوء على المبادرات الإنسانية النبيلة التي قدمتها دولة الإمارات والتي استفاد منها العديد من شعوب العالم، وأسهمت في تخفيف معاناة ملايين البشر في مناطق الأزمات والصراعات، ومروراً بدوره التوعوي في تثقيف أفراد المجتمع بأهمية العمل الإنساني وتحفيزهم، وخاصة النشء والشباب، على المشاركة في العمل الإنساني والتطوع في الأعمال الخيرية، ونهاية بترسيخ ثقافة العمل الإنساني ونشر القيم الداعمة لها مثل العطاء والتطوع.
وأوضح الكعبي أن الإعلام المحلي استطاع أن يرسخ ثقافة العمل الإنساني داخل دولة الإمارات وخارجها؛ فخلال السنوات العشر الماضية كان هناك 90 برنامجاً حول العمل الإنساني بأبعاده المختلفة، وأنتجت هذه البرامج محتوى هائلاً يشجع على تبني القيم الإيجابية المرتبطة بالعمل الخيري والإنساني، ومن هذه البرامج يأتي برنامج “قلبي أطمان” الذي يستعرض بعض المشكلات الإنسانية الملحة وإيجاد الحلول المناسبة لها. وأضاف الكعبي أن الإعلام المحلي استطاع أن يسلط الضوء على مبادرات الإمارات الإنسانية الخارجية منذ بداية جائحة كوفيد-19، والتي كان لها عظيم الأثر في تخفيف معاناة العديد من الدول التي تضررت من هذه الجائحة.
وأشار الكعبي إلى أن الدور الذي يقوم به الإعلام في ترسيخ القيم الإيجابية التي تعزز من ثقافة العمل الانساني ينطلق من عدة فرضيات أساسية: أولها، أن ترسيخ العمل الإنساني والمجهود الخيري يمكن اعتباره الرافعة لنشر قيم إيجابية كبرى في المجتمعات مثل التعايش الإيجابي، والتسامح، فلا يستطيع فرد أو مؤسسة تقديم يد العون داخل المجتمع أو خارجه إلا في ظل وجود قناعات بأهمية التلاقي والتعاون والحوار بين بني البشر، وبأهمية التعايش الإيجابي والتفاعل البناء مع معاناة الآخرين ومساعدتهم قدر المستطاع. ثانيها، أن العمل الإنساني هو أيضاً وسيلة فعالة في تخفيف حدة التوتر وطريقة سريعة لإطفاء نيران الصراعات. وثالثها، أن العمل الإنساني في الداخل والخارج يغذي فكرة أننا عالم واحد بهموم إنسانية مشتركة، واهتمام الإعلام بهذا التوجه يسهل استيعاب الجمهور للتحديات الإنسانية المشتركة. ورابعها، أن دعم الأعمال الإنسانية وتشجيعها عبر وسائل الإعلام يضمن تنشئة أجيال منفتحة على الآخرين، وتتعايش مع هموم المجتمعات، وبهذه الطريقة يكافح الإعلام أي نزعات للعنصرية والتطرف والأنانية والجشع.
وخلص الكعبي في مداخلته إلى إن الاستثمار في جيل مؤمن بالعمل الإنساني من شانه تحصين مجتمعاتنا من التطرف والتعصب، ولهذا من الضروري العمل على تعزيز ثقافة العمل الإنساني لتصبح ثقافة مجتمعية مهمة.
المساعدات الدولية: الإمارات نموذجاً
وتطرق ابراهيم الزيدي مدير إدارة البرامج بمؤسسة زايد للأعمال الخيرية والإنسانية بدولة الإمارات العربية المتحدة في كلمته إلى دور الإمارات في تعزيز العمل الإنساني الدولي، مشيراً إلى أن اسم المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، سيظل مرتبطًا بالعمل الخيري والإنساني عربياً وعالمياً؛ لأنه رسخ ثقافة العمل الإنساني المستدام.
وأوضح الزيدي أن نموذج الإمارات في المساعدات الإنسانية يقوم على منظومة المبادئ والقيم التي أرساها القائد المؤسس؛ مثل إحلال السلام، ونصرة الضعيف، وإغاثة المنكوب. كما أنه جعل الحاجة هي معيار المساعدات دون اعتبار للدين أو العرق أو الجغرافيا، ولهذا أصبحت الإمارات رمزاً للعمل الإنساني والخيري لدى شعوب العالم. وأشار الزيدي إلى أن الشيخ زايد، رحمه الله، حينما كان يسافر إلى الخارج كان يستطلع احتياجات الناس ثم يخصص لهم مساعدات تنمية من حسابه الخاص، ولما كثرت مشاريع المساعدات، أمر بتأسيس مؤسسة زايد للأعمال الخيرية سنة 1992 وأوقف لها وقفاً، ومنذ ذلك الحين أخذت المساعدات طابعاً مؤسساتياً. والآن أصبحت مساعدات المؤسسة تصل إلى 182 دولة، وتقدر بقيمة مليار وخمسمئة ألف دولار.
تداعيات الأوبئة على الأعمال الإنسانية
وتناول البروفيسور موكيش كابيلا أستاذ فخري في الصحة العالمية والشؤون الإنسانية بجامعة مانشستر بالمملكة المتحدة في مداخلته أمام الحلقة النقاشية تداعيات الأوبئة على الأعمال الإنسانية، حيث أشار إلى أن الأوبئة الناجمة عن الأمراض المعدية تتسبب في أزمات إنسانية إذا تجاوزت قدرات المجتمع على التكيُّف، ويحدث هذا عندما يظهر فيروس جديد لا نملك دفاعاً بيولوجياً لمكافحته، ولا تكون أنظمتنا الصحية والاجتماعية مهيأة له، وتُحدِث الاستجابات المختلة تأثيرات ثانوية. ومن المرجح أن يحدث هذا أكثر فأكثر في المستقبل؛ لأن العوامل البيئية والديموغرافية تزيد من انتشار النواقل المسببة للأمراض.
وأوضح البروفيسور موكيش كابيلا أن استجابات الطوارئ والصحة العامة المعتادة الموجَّهة لإدارة مخاطر الأمراض المعدية تقوم على فرض ضوابط اجتماعية وتقييد حقوق الإنسان الأساسية، الأمر الذي تترتب عليه حتماً عواقب أشد وطأة على المجموعات التي تعيش في وضع غير مستقر على هامش المجتمع، مثل اللاجئين والنازحين. وبالإضافة إلى هذا، فإن الوصول إلى التقنيات الحديثة المستخدمة في الاستجابة للأمراض، بما فيها الاتصالات الرقمية، هو الأقل سهولة بالنسبة إلى الفقراء وغيرهم من كبار السن الذين من غير المحتمل أن يكونوا على معرفة بهذه التقنيات.
وأكد البروفيسور كابيلا أن “الصحة الإنسانية” تعد مجالاً ضعيف التطوُّر؛ لأن الأساليب الإنسانية التقليدية كانت دائماً غير كافية للتعامل مع الأزمات الناجمة عن تفشي الأمراض، والسبب في ذلك هو أن الأساليب الإنسانية التقليدية عادةً ما تقتصر على تخفيف العواقب فقط، ولا تفعل شيئاً يُذكَر للحد من المخاطر ومَواطن الضعف، أو لمعالجة تداعيات الاستراتيجيات الصحية السائدة المختلة التي تعمِّق عدم المساواة.
وخلص البروفيسور موكيش كابيلا إلى أن تجربة “كوفيد-19” الحالية توفر فرصة لإعادة التفكير في الاستعداد والاستجابة الإنسانية في العصر الحديث الذي يُحتمل أن تصبح فيه حالات الطوارئ المرضية شائعة للغاية. وتكتسب هذه الخطوة أهمية خاصة عندما يحدث تفشي مثل هذه الأمراض في سياقات الكوارث والنزاعات المسلحة، وتتفاقم الآثار السلبية الواقعة جميعها على السكان كافة الذين يعيشون في وضع إنساني مثير للقلق.
أجندة 2030 التنمية المستدامة والأجندة الإنسانية: علاقة تكاملية
وتطرق الأستاذ جاكوب كيرتزر مدير البرنامج الإنساني بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بالولايات المتحدة الأمريكية في كلمته أمام الحلقة النقاشية إلى العلاقة بين التنمية المستدامة والعمل الإنساني، مشيراً إلى أن تقديم المساعدات الإنسانية في المناطق التي تواجه حالات طوارئ إنسانية يعد الخطوة الأولى في اتجاه تأمين الاستقرار اللازم لتحقيق تنمية هادفة ومستدامة، غير أن انتشار النزاعات المسلحة، مصحوباً بتأثيرات الصدمات المناخية ووباء كوفيد-19، يستنزف الموارد الإنسانية الموجودة.
وأشار كيرتزر إلى أن الأزمات الإنسانية المعقدة تتميز باتساع أعمال العنف والخسائر في الأرواح، وانتشار النزوح على نطاق واسع، والاقتصادات المتضررة، ما يجعلها تشكِّل تحديات عملياتية فريدة من نوعها أمام النظام الإنساني، الأمر الذي يعوق تحقيق أهداف التنمية المستدامة. ويشكِّل عائق وصول المساعدات الإنسانية أحد أكثر التحديات صعوبةً، حيث تقوم الجهات الفاعلة الحكومية وغير الحكومية على حد سواء برفض المساعدات أو تأخيرها أو تحويل وجهتها إلى غير الشرائح الضعيفة من السكان المحتاجين. وكثيراً ما تقوم الجهات الفاعلة في النزاعات بتسييس المساعدات المنقذة للحياة وتحويلها إلى ورقة مساومة، كما أن العقوبات والإجراءات التقييدية الأخرى التي تفرضها الدول المانحة توجِد، في الوقت نفسه، قيوداً كبيرة على إيصال المساعدات الإنسانية.
وأوضح كيرتزر أن وباء كوفيد-19 أوجد حواجز إضافية جديدة أمام المساعدات الإنسانية، بما فيها القيود المفروضة على الحركة، وتكديس الإمدادات الأساسية، ومناطق اضطرابات جديدة للنزاع. مع ذلك، وفرت الاستجابة المحلية خلال وباء كوفيد-19 فرصاً للتعلُّم ودراسة نماذج بديلة للعمل الإنساني، حيث اضطلع المسعفون الوطنيون والمحليون (أوائل المستجيبين) بمسؤولية إضافية في إدارة الاستجابة للأزمة.

وفي نهاية فعاليات هذه الحلقة النقاشية أكد المشاركون فيها أهمية العمل على تعظيم المساعدات الإنسانية باعتبارها حجر الأساس في تحقيق التنمية المستدامة على الصعيد العالمي، فضلاً عن دورها في مواجهة التحديات والمشكلات الإنسانية في مختلف المناطق حول العالم، كما أشادوا بتجربة الإمارات الرائدة في العمل الإنساني والخيري، وبمبادراتها المتعددة التي تستهدف تخفيف معاناة البشر في كل مكان، ومساعدة الدول النامية والمجتمعات الفقيرة على بلوغ الأهداف الإنمائية للأمم المتحدة.


تعليقات الموقع