لم تعد مراكز الفكر والبحوث تركز على توليد المعرفة بقدر تفعيل دورها في إحداث التغيير الإيجابي المنشود

مراكز الفكر . . من استشراف المستقبل إلى المشاركة في صنعه

الرئيسية مقالات
مركز تريندز للبحوث والاستشارات

اتجاهات مستقبلية
مراكز الفكر . . من استشراف المستقبل إلى المشاركة في صنعه

 

 

تؤدي مراكز التفكير دوراً مهماً ومحورياً في عالم اليوم ليس من خلال دراسة الظواهر الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وتحليلها واستشرافها فقط، ولكن من خلال المشاركة في صنع هذا المستقبل أيضاً عَبْر دعم صنّاع القرارات والسياسات بالتوجهات والأفكار والاستراتيجيات الجديدة والمبتكرة التي ترسم ملامح سياساتهم وتوجهاتهم المستقبلية. ووصل الاهتمام بهذه المراكز على المستوى العالمي إلى حد أنها هي نفسها أصبحت مادة للبحث والتحليل من قِبل الباحثين المهتمين بدراسة توجهات ومخرجات تلك المراكز وتحليلها واستشراف مستقبلها وكيفية تفعيل دورها في صنع المستقبل الذي تنشده الشعوب والمجتمعات.
وضمن هذا السياق، نظم المجلس الألماني للعلاقات الخارجية (DGAP) في شهر أبريل الماضي سلسلة من المؤتمرات تحت عنوان “مراكز الفكر والتغيير” ركز معظم المحاضرين فيها على كيفية تحول تلك المؤسسات البحثية من مراكز للفكر إلى مراكز للتغيير، أي تطوير دور مراكز الفكر من استشراف المستقبل إلى المشاركة في صنعه. وأكد مسؤولو المراكز البحثية المشاركة في هذا الاجتماع، أهمية العمل على تطوير دور مراكز البحوث والدراسات والتفكير، خاصة في التنبؤ المسبق بالأزمات والكوارث المحتملة التي يمكن أن تحدث، وإحاطة صانعي القرار والجهات المعنية بها، حتى يمكن الاستعداد الجيد والاستباقي لها.
كما نظم مركز “تريندز للبحوث والاستشارات” في نوفمبر الماضي اجتماعاً افتراضياً تحت مسمى «المائدة المستديرة لمراكز الفكر والبحوث»، شارك فيه ممثلو عشرين مركزاً بحثياً وفكرياً على مستوى العالم. وناقش الاجتماع كيفية تعزيز التعاون بين مراكز الفكر والبحوث ودورها في التعامل مع الأزمات والتحديات المختلفة التي تواجه دول العالم، خاصة بعد أن أظهرت جائحة فيروس كورونا المستجد «كوفيد- 19»، ضرورة الاستعداد المبكر للأزمات لتجنب التداعيات الكارثية التي يمكن أن تنجم عنها على الصُّعد كافة، الاقتصادية والأمنية والاجتماعية.
لم تعد مراكز الفكر والبحوث تركز جهودها على توليد المعرفة فقط كما كان يحدث في الماضي، وإنما أصبحت تهتم بصورة أكبر بكيفية تفعيل دورها في إحداث التغيير الإيجابي المنشود من خلال تخليق الأفكار الإبداعية والمبتكرة، وتوصيل نتائج أبحاثهم لأكبر عدد ممكن من الناس وذلك بتبسيطها لخلق ثقافة مجتمعية داعمة للتغيير الإيجابي من جانب، والعمل على أن يكون هناك المردود الكبير والمؤثر لأبحاثهم على عملية صنع القرار ورسم السياسيات، من جانب آخر.
وفي سبيل تحقيق هذه الأهداف، أصبحت مراكز الفكر تهتم بصورة أكبر بتطوير نفسها لتصبح بالفعل مراكز تغيير، سواء من خلال توسيع نطاق تأثيرها في عملية صناعة القرار ورسم السياسيات، أو في مجال توليد الأفكار الإبداعية، أو من خلال التوسع في عقد الشراكات والتنسيق بين بعضها بشكل أفقي ورأسي، والسعي لتنمية قدرات باحثيها بشكل مستدام واستقطبت المتميزين في المجالات كلها ووضعت آليات التقييم الديناميكي المستدام لنمط إدارتها ولجودة منتجها الفكري والعلمي ومدى تطبيقه على أرض الواقع، إلخ، وهو نهج يعمل مركز “تريندز للبحوث والاستشارات” على ترسيخه ضمن رؤية شاملة تستهدف تغيير فلسفة عمل مراكز الأبحاث والتحول من طريقة العمل التقليدي إلى كونها أدوات للتغيير الإيجابي.
إن العيش في عالم غير مستقر تتزايد فيه التحديات مثل تغير المناخ وفيروس «كوفيد- 19» يجعل من الضروري أكثر من أي وقت مضى التواصل بين مراكز التفكير والمجتمع المدني لسد الفجوة بين العلم والسياسة والحياة اليومية وهذا يستدعي تحولاً آخر وهو التحول من الاستشراف الاستراتيجي إلى ما بات يطلق عليه “الاستشراف الاستراتيجي التشاركي”، وتعزيز التفكير الإبداعي الذي يسهم في تحويل الأبحاث المتعلقة بالسياسات العامة من مجرد أفكار إلى واقع ملموس على الأرض.

 

 


تعليقات الموقع