قرار الانسحاب صعباً للغاية وتداعيات خطيرة بعد غياب الفرنسيين

ماذا لو انسحبت فرنسا من مالي؟

الرئيسية مقالات
مركز تريندز للبحوث والاستشارات

اتجاهات مستقبلية
ماذا لو انسحبت فرنسا من مالي؟

 

ينطوي تهديد الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، بسحب قوات بلاده من مالي؛ إذا ما سار هذا البلد الواقع في غرب أفريقيا باتجاه ما سمّاه “الإسلاموية الراديكالية”؛ على أهمية كبيرة؛ حيث تقوم القوات الفرنسية بالدور الرئيسي في مواجهة الجماعات المتطرفة هناك؛ وهي تشارك بنحو 5100 عنصر ضمن قوة برخان؛ التي تتولى مكافحة الإرهاب في منطقة الساحل.
ويأتي تهديد ماكرون في أعقاب الانقلاب العسكري الذي وقع الشهر الماضي في مالي، وهو الثاني خلال تسعة أشهر؛ وهناك خشية من أن تقوم السلطات الجديدة بالتواصل مع الجماعات المسلحة أو عقد صفقة أو تحالفات معها؛ ما قد ينسف الجهود الفرنسية والدولية عموماً، التي أسهمت في كبح جماح الجماعات المتشددة والإرهابية في المنطقة؛ حيث وجهت القوات الفرنسية ضربات قوية للمسلحين؛ كما قتلت عدداً من أبرز قادتهم، مثل: عبدالملك دوركدال، زعيم تنظيم القاعدة في بلاد المغرب، وباه أغ موسى، القيادي البارز في تنظيم نصرة الإسلام والمسلمين، وغيرهما.
والحقيقة أن موضوع سحب القوات الفرنسية أو تخفيض عددها، ليس جديداً؛ فقد سبق وأعلن ماكرون في قمة دول الساحل الخمس “موريتانيا، ومالي، والنيجر، وتشاد، وبوركينا فاسو”، التي عقدت في يناير الماضي بفرنسا أنه “أعد طريق خروج”؛ ثم تراجع بناء على طلب دول المنطقة و”الخشية من أن يتسبب الانسحاب بزعزعة الاستقرار”؛ ولكنه أكد أن بلاده لن “تبقى هناك إلى الأبد”. ومن ثم فإن مسألة الانسحاب لا ترتبط بالانقلاب الأخير فقط؛ ولكن هناك أسباباً أخرى، أهمها: أولاً، إصرار فرنسا على ضرورة مشاركةٍ أكبر للدول الأوروبية الأخرى هناك؛ حيث سبق وعبرت صراحة عن إحباطها من عدم التزام معظم تلك الدول بمحاربة الجماعات المتطرفة في المنطقة؛ وثانياً، خسارة العديد من الجنود الفرنسيين في عمليات المكافحة؛ حيث قتل أكثر من خمسين جندياً منذ عام 2013؛ وثالثاً، وربما الأهم، تراجع التأييد الشعبي في فرنسا للتدخل في المنطقة؛ وهذا يتعلق بالطبع بالرئيس ماكرون نفسه؛ الذي يستعد للانتخابات الرئاسية العام المقبل، ويواجه انتقادات حادة من منافِسته المحتملة، زعيمة اليمين المتطرف، مارين لوبان. ومن ثم فإن قرار الانسحاب في ظل هذه المعطيات، غير مستبعد، ولكنه وبالتأكيد سيكون قراراً صعباً للغاية؛ وستكون له تداعيات خطيرة؛ خاصة إذا لم يتم ملء الفراغ الذي قد يتركه غياب الفرنسيين. فهناك، أولاً، احتمال كبير لعودة القوة لنشاط الجماعات المسلحة؛ التي ما زالت تتمتع بوجود مهم في مناطق عدة من دول الساحل؛ فما يسمى “الدولة الإسلامية” ما زالت تنشط في مالي وخاصة في المناطق المتاخمة للنيجر وبوركينا فاسو، وكذلك حوض بحيرة تشاد. كما ما زالت بوكو حرام، المرتبطة بتنظيم داعش الإرهابي، وأكثر الجماعات عنفاً ودموية، تنشط شمال نيجيريا؛ بينما تتحرك “جماعة نصرة الإسلام والمسلمين،” التي تمثل تنظيم القاعدة، في مناطق عدة من مالي والنيجر وبوركينافاسو؛ ومن ثم فإن انسحاب القوات الفرنسية سيمنح هذه الجماعات فرصة لإعادة بناء نفسها.
كما أن هناك تحدياً آخر مهماً؛ فقد يُمثل الانسحاب غطاءً سياسياً أيضاً للنظم الحاكمة في دول الساحل، التي تعاني هشاشة وتحديات صعبة، للتفاوض مع الجماعات المتشددة؛ وهذا أمر، لو حدث، سيكون كارثياً بالفعل؛ لأنه سينسف النجاحات التي تحققت بفضل الدعم الدولي والفرنسي على وجه الخصوص؛ ولا يُستبعد أن تتمكن هذه الجماعات من الوصول إلى أو المشاركة في السلطة، أو السيطرة على مناطق معينة؛ خاصة في ظل الظروف الصعبة التي تعانيها دول الساحل مع انتشار الفساد وانعدام الحوكمة وغيرها من المشكلات التي تقوض فعلياً جهود تحقيق الاستقرار في المنطقة برمتها.


تعليقات الموقع