تساعد العملات المشفرة في القضاء على المخاطر الائتمانية

بين اليوان الصيني الرقمي ودولار هونغ كونغ

الرئيسية مقالات
آندي موخرجي:محلل اقتصادي وكاتب في «بلومبرغ»

بين اليوان الصيني الرقمي ودولار هونغ كونغ

 

 

طرح مارك ويليامز، كبير خبراء الاقتصاد لدى مؤسسة «كابيتال إيكونوميكس» البحثية الاستشارية، سؤالاً مثيراً للاهتمام: «ماذا لو لم يكن اليوان الرقمي الجديد – وهو المسمى الذي شرع البعض في إطلاقه على العملة الإلكترونية الصينية الجديدة – عملة رقمية تابعة للبنك المركزي الصيني على الإطلاق؟»، استناداً إلى حقيقة مفادها أنه كلما ارتفع الاهتمام العام بالعملة الرقمية القادمة في الصين، تراجع حجم المعلومات المعروفة فعلاً عنها في المجال العام، وذلك من واقع استعراض تعليقات المسؤولين الذين يُعتقد أنهم العقل المدبر وراء المشروع الرقمي الصيني الجديد.
صار الكثيرون منا على دراية جيدة الآن بما تعنيه عبارة العملات الرقمية المشفرة. غير أنه من المعروف أيضاً أن تطبيقات المدفوعات الرقمية الشهيرة من شاكلة «باي بال» أو «علي باي» مرتبطة بالأساس بالحسابات المصرفية للعديد من العملاء. ومن شأن العملة الرقمية الحقيقية الصادرة عن أحد البنوك المركزية، أن تتجاوز المقرضين الاعتياديين وتحيل التعاملات المصرفية للعملاء تحت السلطات النقدية الرسمية بصورة مباشرة. ومن ثم، سوف نستعين بالمسؤولية المصرفية للبنك المركزي في سداد ثمن ما نحتسيه من القهوة أو نبتاعه من الكتب وغيرها!
يكمن الاهتمام الراهن باليوان الرقمي الصيني الجديد – أو عملة «فيد كوين» أو «بريت كوين» – في سبب واحد ومحدد: من المفترض بالعملات الرقمية المشفرة أن تحمل صفة السند المالي لدى البنك المركزي المصدّر لتلك العملة، تماماً كما هي الأموال النقدية العادية. وبإمكان العملاء استخدام ماكينات الصراف الآلي في السحب النقدي من حساباتهم. ولكن بمجرد أن نقوم بذلك، يكون البنك المركزي مديناً لنا بدرجة أقل، ولكن الدولة مدينة لنا بدرجة أكبر. وينسحب نفس التصور على العملات الرقمية الجديدة سواء بسواء.
عندما نقوم بتحويل الأموال من حساب التوفير الخاص بنا إلى المحافظ الرقمية خاصتنا، فإن البنك التجاري يغادر الصورة المصرفية بالكلية، ويحل محله البنك المركزي في تلك التعاملات. تساعد العملات المشفرة في القضاء على المخاطر الائتمانية. أيضاً يمكن للتعاملات المالية أن تبقى قيد السرية والخفاء ما لم ترغب السلطات النقدية المعنية في كشف الغطاء عنها بغية التحقق من وجود عمليات لغسل الأموال من عدمه.
ومع ذلك، وعلى اعتبار صحة الطرح الذي قدمه ويليامز، ربما لا تكون عملة اليوان الرقمي الجديدة، التي من المعتقد أن يتوازى إطلاقها في المجال العام بالتزامن مع بدء دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في بكين لعام 2022، تابعة للبنك المركزي الصيني في المقام الأول. ومن ثم، وكما يقول ويليامز عنها: «ربما لا تكون تلك العملة الجديدة من العملات الرقمية التابعة للبنك المركزي على الإطلاق. بل إنها، في حقيقة الأمر، على صلة قرابة بدرجة من الدرجات مع دولار هونغ كونغ».
منذ عام 1846، كانت أوراق البنكنوت النقدية في مدينة هونغ كونغ من مسؤوليات جهات الإصدار التجارية للعملات. وكانت المصارف الثلاثة الرئيسية، التي تطرح العملات النقدية بصفة يومية في الأسواق، هي التي تسيطر بصورة كاملة على الاحتياطي النقدي وعلى السلطات النقدية في مدينة هونغ كونغ. وكان ذلك هو السبب في انعدام القلق أو التوتر لدى أي مواطن في المدينة، ممن يملكون كميات هائلة من دولار هونغ كونغ، بشأن مستوى الجدارة الائتمانية لدى مصرف «إتش إس بي سي»، أو مصرف «ستاندرد تشارترد»، أو مصرف «بنك أوف تشاينا» – فرع هونغ كونغ.
من المتوقع أن يحمل اليوان الرقمي الصيني تصميماً مماثلاً، وفقاً لقراءة ويليامز لتصريحات تشو شياو تشوان، وهو المحافظ الأسبق لبنك الشعب الصيني “البنك المركزي الصيني”. فمن شأن اليوان الرقمي الجديد أن يكون ضمن المسؤوليات المالية لأحد المصارف التجارية أو تحت رعاية إحدى المؤسسات المالية التقنية المصدّرة للمحافظ الرقمية في البلاد. ومن شأن تلك الجهات المصرفية أن تعمل على إصدار العملات المشفرة الجديدة، كل منها بقيمة تبلغ يوان واحداً فقط، كما سوف تملك حق السيطرة على الأصول الاحتياطية في حساباتها الخاصة لدى البنك المركزي الصيني بمعدل يساوي “1:1”.
يغفل العملاء بسهولة عن متابعة بعض المجريات رغم وجود تكلفة لازمة للوسطاء. فعلى افتراض أن أحد المدخرين لديه 100 يوان في أحد المصارف الصينية، فهذا يعني أن المؤسسة الرئيسية التي تحتفظ بالأموال لا بد أن تكون لديها نسبة 12.5 في المائة من الاحتياطيات المطلوبة لدى البنك المركزي الصيني. والبقية الباقية متروكة بالكامل لجهة الإقراض كي تقرر الحصول على أفضل عائد ممكن من عدمه. فإذا ما شرع المستخدم المدخر في تحويل الأموال إلى حافظته الرقمية الخاصة باليوان الرقمي الجديد، عندئذ يتعين على البنك الاحتفاظ بمبلغ قدره 100 يوان كاملة من الاحتياطي النقدي لدى البنك المركزي الصيني. ومن خلال النموذج الخالص للعملات الرقمية المشفرة، فإن الأمر يعني فقدان البنك للوديعة النقدية بالكامل، وهذا من الأمور التي لن يرغب أي بنك مركزي، يشرف على إدارة التجربة النقدية الرقمية الجديدة، في مواجهتها. ورغم ذلك، إذا قررت جهة الإقراض الاحتفاظ بالوديعة، فإنه يتعيّن عليها تغطية القيمة النقدية للمبلغ بالكامل، وربما تكون جهة الإقراض مضطرة في هذه الحالة إلى فرض التقشف الشديد على الإقراض الخارجي تلافياً للمزيد من الخسائر. وهنا يبرز سؤال مهم: أي بنك يمكنه اعتماد منتج بالغ الخطورة النقدية كمثل هذا المنتج؟
هذا من بين الأسباب التي دفعت ويليامز إلى الاعتقاد بأن اليوان الرقمي الجديد سوف يكون من الصعوبة البالغة تسويقه، سيما مع استفادة المستهلكين في الصين بالفعل من المرونة النقدية التي يرغبون فيها من خلال تطبيق «علي باي» أو «وي شات باي»، وهما من التطبيقات المالية ذات التعاملات الراسخة في المجتمع الصيني ويوفران في الوقت نفسه المميزات المبتكرة للغاية. وعلى نحو مماثل، لن تُقدم المصارف الصينية طواعية على الاحتفاظ بنسبة 100 في المائة من جزء – وإن كان صغيراً – من ودائعها النقدية في خانة الاحتياطيات النقدية المعطلة. ومن شأن حالة الاحتكار النقدي الثنائية التي يشكلها تطبيق «علي باي» مع «وي شات باي» أن تسيطر على نسبة 94 في المائة من مدفوعات الهواتف المحمولة للجهات الخارجية في الصين، ومن ثم سوف تكون تلك التطبيقات مترددة في التخلي عن هذه العوائد المربحة للغاية الناجمة عن بيانات المستهلكين التي تحتفظ بها.
فما الطريقة السليمة لكي تنجح عملة اليوان الرقمية الصينية الجديدة؟
يكمن الحل الأنيق – وفقاً لما تطرحه النظرية الورقية النقدية في علوم الاقتصاد الكلي – في الاستعانة بالقوة السلطوية القسرية “أي قوة الدولة”. وكل ما تحتاج السلطات الرسمية إلى فعله هو سداد رواتب موظفي الحكومة والخدمة العامة، مع المطالبة بسداد الضرائب باستخدام العملة الرقمية الرسمية دون غيرها. ومن شأن منصات المدفوعات عندئذ أن تكون مضطرة لتوفير بديل يناسب عملة اليوان الرقمية الجديدة. وفي غضون سنوات قليلة، سوف يتحول هذا الخيار أمام العملاء والمستهلكين إلى المنفذ الإجباري الوحيد أمامهم في جميع التعاملات المالية الداخلية.
وكما قال ويليامز أخيراً: «من غير المرجح لعملة اليوان الرقمية أن تنجح إن تُركت لتداولات الأسواق المالية. والحكومة الصينية لن تكون مضطرة لأن تتركها لتلك التفاعلات إن كانت ترغب فعلاً في نجاحها».عن “الشرق الأوسط

 


تعليقات الموقع