الحكومة العراقية ترغب في أن تُواصل الولايات المتحدة والتحالف تدريب جيشها ومساعدته

الحوار الاستراتيجي الأمريكي – العراقي .. السياق والأهمية والتحديات

الرئيسية مقالات
مركز تريندز للبحوث والاستشارات

اتجاهات مستقبلية
الحوار الاستراتيجي الأمريكي – العراقي .. السياق والأهمية والتحديات

 

ينطوي الحوار الاستراتيجي بين الولايات المتحدة والعراق، الذي تجري الجولة الرابعة منه في واشنطن، على أهمية كبيرة ليست للعراق فقط، وإنما أيضاً للمنطقة ككل؛ وذلك لأنه يتعلق بمستقبل الوجود العسكري الأمريكي هناك، وتتداخل فيه عوامل محلية وإقليمية مختلفة. ويواجه الحوار تحديات عدة؛ حيث تصر قوى عراقية تابعة لإيران على خروج القوات الأمريكية بشكل كامل، على عكس موقف الحكومة التي ترغب في “أن تُواصل الولايات المتحدة والتحالف تدريب جيشها ومساعدته، وتقديم الدعم اللوجستي (و) تبادل المعلومات.”
ويهدف الحوار الاستراتيجي بين بغداد وواشنطن، الذي انطلق رسمياً منذ يونيو 2020، إلى تحديد طبيعة العلاقة المستقبلية بين البلدين، وهي علاقة ذات خصوصية لأسباب عدة؛ أهمها بالطبع الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 عقب مزاعم بوجود أسلحة دمار شامل، وما تبع ذلك الغزو من حرب أهلية وصراعات سياسية، والأخطر تنامي نفوذ إيران والتنظيمات الإرهابية وعلى رأسها القاعدة وداعش، حيث أصبح العراق ساحة مستباحة لكل هذه القوى، التي عاثت فيه فساداً، وسببت له خراباً ليس من السهل إصلاحه؛ الأمر الذي يضفي على هذا الحوار الاستراتيجي بين البلدين أهمية خاصة، وربما يعقد المفاوضات الجارية بشأنه.
ويتناول الحوار ملفات عدة؛ منها السياسية، والاقتصادية، والثقافية، والأمنية، حيث إن كلا البلدين يعقد آمالاً كبيرة عليه، ليس لتعزيز العلاقات الثنائية فقط، وإنما للمساهمة كذلك في تحقيق الأمن والاستقرار الإقليمي. وقد أكد وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، خلال لقائه نظيره العراقي فؤاد حسين بواشنطن الجمعة الماضية “أن الشراكة بين الولايات المتحدة والعراق أوسع وأعمق بكثير من كل شيء، وحتى من القتال المشترك ضد داعش”، بينما أكد حسين أن “علاقاتنا مع الولايات المتحدة ليست مجرد علاقات عسكرية، بل هي علاقات واسعة النطاق.”
ولكن التعاون الأمني يحظى بالاهتمام الأكبر، وخاصة أن الوجود العسكري الأمريكي منذ عام 2014 كان بسبب التهديدات الأمنية التي تنامت بشكل خطير، بعد سيطرة تنظيم داعش على ثلث مساحة البلاد؛ حيث تقود الولايات المتحدة منذ ذلك الوقت تحالفاً دولياً لمكافحة التنظيم. وينتشر الآن في العراق نحو ثلاثة آلاف جندي من قوات التحالف الدولي، بينهم 2500 جندي أمريكي.
وتنعقد الجولة الرابعة من الحوار وسط ظروف محلية وإقليمية معقدة؛ ففي العراق تتزايد الضغوط على الحكومة العراقية من أجل إنهاء الوجود العسكري الأجنبي بشكل كامل، حيث تصر القوى الموالية لإيران على انسحاب القوات الأمريكية، غير آبهة لموقف الكثير من القوى الأخرى، التي ترى أن هناك ضرورة لدعم عسكري من الولايات المتحدة في الحرب ضد داعش، حيث مازالت هناك مخاوف من أن يعيد التنظيم صفوفه؛ فقد أعلنت – على سبيل المثال – حكومة كردستان العراق رفضها انسحاب القوات الأجنبية. والذي يعقد المشهد أكثر قيام فصائل تابعة للحشد الشعبي بهجمات على قواعد فيها قوات أمريكية، وقد استَبَقت هذه الفصائل زيارة رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي لواشنطن بهجوم على قاعدة الحرير في أربيل، التي تضم قوات للتحالف الدولي لمكافحة داعش؛ لزيادة الضغوط على الحكومة العراقية، ويبدو أن رئيسها قد استجاب لذلك، حيث أعلن أن بلاده لم تعد بحاجة إلى قوات قتالية أمريكية لمحاربة داعش، ولكنه أكد أن الإطار الزمني الرسمي لإعادة انتشار هذه القوات “سيعتمد على نتيجة المحادثات مع المسؤولين الأمريكيين.” وتبدو الحكومة العراقية في ورطة، حيث تسعى، في ظل ضغوط الحشد الشعبي والفصائل الموالية لإيران، للحصول رسمياً على جدول زمني لانسحاب الأمريكيين من البلاد، ولكنها تريد في المقابل استمرار الولايات المتحدة والتحالف في تدريب الجيش العراقي، وتقديم الدعم اللوجستي وتبادل المعلومات، وهو أمر لن تقبل به واشنطن ما لم تضمن أمن أي وجود عسكري لها في العراق أيًّا كان شكله؛ وهو أمر ليس سهلاً في ظل الانفلات الأمني الذي تشهده البلاد.


تعليقات الموقع