أصبحنا اليوم أكثر وعياً بالتغييرات المناخية باعتبارها تهديداً وجودياً

التغييرات المناخية… الأسوأ لا يزال في الطريق

الرئيسية مقالات
أندرياس كلوث:كاتب في بلومبرغ
6874-etisalat-postpaid-acquisition-promo-2024-728x90-ar

 

التغييرات المناخية… الأسوأ لا يزال في الطريق

 

 

للتخفيف من تداعيات مشكلة ضخمة مثل التغييرات المناخية، علينا أن نبدي انفتاحاً على الأفكار الكبيرة. وقد توافرت واحدة من هذه الأفكار منذ تسعينات القرن الماضي، ومع هذا ربما لم تعد جاهزة للتطبيق سوى الآن بعدما بلغت وقت الذروة. وتدور هذه الفكرة حول إصدار مخصصات كربون قابلة للتداول ليس فقط للشركات “كما هو الحال في أنظمة الحد الأقصى والاتجار الحالية”، وإنما لنا جميعاً على نحو فردي.
من حيث الجوهر، يتبع هذا النوع من التقنين المرن المنطق نفسه، سواء جرى تطبيقه على المنبع في الصناعة، كما هو الحال في نظام تداول الانبعاثات داخل الاتحاد الأوروبي، أو في المراحل النهائية على كل مستهلك على حدة. من جهتهم، يحدد صانعو السياسة سقفاً لمجمل كمية الانبعاثات الكربونية المسموح بها ويعملون على تخفيضها بمرور الوقت. وبعد ذلك، يوزعون تصاريح مجانية لانبعاث الكربون، والتي يمكن للأفراد شراؤها أو بيعها في وقت لاحق.
وعلى غرار ضرائب الكربون، تحدد هذه الشهادات سعراً واضحاً للانبعاثات التي تعد بطبيعتها غير مرئية، وهي سبب ما يسميه الاقتصاديون بالعوامل الخارجية، أي ظاهرة الاحتباس الحراري. وعلى عكس الضرائب، تسمح التصاريح القابلة للتداول باستهداف أكثر دقة للحوافز.
وتبعاً لهذا النظام، فإن أولئك الذين يتسببون في تلويث أقل من مخصصاتهم يمكنهم جني أموال إضافية، بينما يجب أن يدفع أولئك الذين يحتاجون إلى المزيد من الشهادات أموالاً مقابل ذلك. وفي هذا الإطار، سيصبح لدى الجميع حافز لأن يصبحوا أكثر خضرة.
ويكمن أحد الجوانب الإيجابية لهذه الآلية في الحرية التي تتركها للناس للاستجابة كما يحلو لهم، وهذا تحديداً السبب وراء أن أنصار التوجهات الاقتصادية الليبرالية مثلي يفضلون منذ فترة طويلة أنظمة الحد الأقصى والتجارة على السياسات الأخرى؛ مثل الإعانات الحكومية لبعض التقنيات أو حظر البعض الآخر. في الواقع، بوجه عام تعمل الأسواق على نحو أفضل عن التخطيط المركزي، ويمكن حتى توسيع نطاقها دولياً.
ومع ذلك، فإنه حتى الآن، يتركز اهتمامنا على أنظمة الحد الأقصى والتجارة الأولية مثل أنظمة الاتحاد الأوروبي، التي تعد الأكبر على مستوى العالم والتي من المقرر أن تشهد مزيداً من التوسيع. الواضح أن مثل هذه المخططات تتسم بالتعقيد؛ لذا من الأفضل ألا تجري إدارتها من قبل المستهلكين، وإنما من قبل مهنيين – مثل المديرين التنفيذيين في شركات الكهرباء أو صناعة الإسمنت والصلب.
على النقيض، نجد أنه فيما يتعلق بالأنظمة المرتبطة بالأفراد، فإن المتاعب والمشاحنات يمكن أن تقضي على الأمر برمته. جدير بالذكر في هذا الصدد، أنه قرابة عام 2008، درست المملكة المتحدة فكرة مخصصات الكربون الشخصية. وحال إقرارها، كانت هذه المخصصات محدودة للغاية، ولا ترصد سوى انبعاثات المستهلكين المنزلية من الكهرباء والتدفئة.
ومع ذلك، ظلت التفاصيل معقدة، وتتطلب أنواعاً جديدة من «حسابات» الكربون ببطاقات بلاستيكية وما إلى ذلك. وبدا واضحا أن الناس ما كانوا ليقبلوا بالنظام، وجرى إسقاط الفكرة في هدوء.
حسناً، لقد تغير الكثير في العام الماضي أو نحو ذلك. ومثلما كتب فرانشيسكو فوسو نيريني وتينا فوسيت ويايل باراغ وبول إكينز – الباحثون الذين دخلت جامعاتهم في السويد وبريطانيا وإسرائيل في تعاون – في كتابهم «استدامة الطبيعة»، فإن بدلات الكربون الشخصية تستحق الآن إعادة النظر فيها.
من بين الأسباب الداعية لذلك، أننا أصبحنا اليوم أكثر وعياً بالتغييرات المناخية باعتبارها تهديداً وجودياً، بفضل جهود حركات مثل «فرايدايز فور فيوتشر» “أيام الجمعة من أجل المستقبل”، وكذلك حرائق الغابات التي اشتعلت هذا الصيف وموجات الحر الحارق والفيضانات المفاجئة. وبذلك، لم يعد هناك أدنى شك في أن التغييرات المناخية الجاني، وأن الأسوأ عن ذلك بكثير لا يزال في الطريق إلينا، ويتطلب استجابة أكبر منا.
ويتمثل سبب آخر في أن الوباء وتوجهات حديثة أخرى بدلت علاقتنا بالتكنولوجيا. على سبيل المثال، اعتدنا هذه الأيام على استخدام هواتفنا الذكية كأداة لمكافحة الفيروس، مع استخدام المزيد من الأشخاص في المزيد من الأماكن تطبيقات الهواتف الذكية لتتبع الأشخاص الذين يتفاعلون معهم أو إثبات حصولهم على التطعيم.
كما يحرص الكثيرون على تتبع صحتهم وتغذيتهم وممارسة الرياضة والتسوق وطلب الطعام وعقد الصفقات والتسوق باستخدام الهاتف الذكي. وعليه، ستكون مخصصات الكربون مجرد تطبيق إضافي واحد جديد على الهاتف.
وإذا جرى تصميم النظام الفردي على نحو جيد، سيصبح من الممكن الوصول إلى المستهلكين بطريقة ليست بسيطة فحسب، بل وممتعة أيضاً. وسيصبح في استطاعة الناس استخدام هواتفهم لتسليم وشراء وبيع بدلاتهم. وفي إطار ذلك، سيكتشفون أيضاً – بمساعدة الذكاء الصناعي وراء الكواليس – أين يتسببون في القدر الأكبر من الانبعاثات.
في الوقت الحالي، من الصعب للغاية معرفة أين ومتى وكيف نتسبب في التلوث في خضم حياتنا اليومية. نحن نعلم بشكل مبهم أنه يتعين علينا تقليل معدلات السفر بالطائرة والقيادة، وأن نمشي ونركب الدراجة أكثر، ونأكل كميات أقل من اللحوم والمزيد من الخضراوات وما إلى ذلك. ورغم ذلك، لم نتمكن من البدء في تحديد الكيفية المثلى لتشغيل غسالة الأطباق لتقليل التلوث، أو كيفية ترتيب مهامنا اليومية لتوفير الوقود، أو كيفية مقارنة البصمة الكربونية للمنتجات المختلفة.
من جهته، أخبرني فوسو نيريني، المؤلف الرئيسي للدراسة سالفة الذكر، أن هذا التأثير «المعرفي» قد يكون أكبر ميزة لبدلات الكربون الشخصية والقائمة على التطبيقات؛ لأنها تشجعنا وتمكننا من تغيير سلوكنا والتعرف على الطريقة المثلى لإدارة ميزانيات الكربون الخاصة بنا.
ورغم ذلك، لا يزال أمام صانعي السياسات الكثير من العمل. وتتمثل إحدى المشكلات في كيفية ملاءمة نظام مخصص جديد مع مخططات السداد والتداول الحالية. إذا كان مرفق الطاقة لديك قد اشترى بالفعل التصاريح الخاصة به وحدد سعرها في فاتورة الكهرباء الخاصة بك، ستشعر أنك تتعرض لضغوط مضاعفة إذا كان عليك التنازل عن بدل آخر لتشغيل الأضواء.
من الناحية العملية، بطبيعة الحال، تمزج السياسة العامة باستمرار بين إجراءات المنبع والمصب لضبط الحوافز في جميع جنبات الاقتصاد. كما تخضع أرباح الشركة، على سبيل المثال، لضريبة مزدوجة، أولاً في ضرائب الشركات، ثم مرة أخرى في الضرائب الفردية على أرباح الأسهم.
أما التحدي الأكبر فسيكون اجتماعياً وسياسياً. من حيث المبدأ، يجب أن تساعد البدلات الشخصية في الحد من عدم المساواة لأن الفقراء يميلون إلى إطلاق انبعاثات كربونية أقل من الأغنياء، الأمر الذي قد يوفر للأشخاص ذوي الدخل المنخفض سبيلاً لجني الأموال. ومع ذلك، قد يحتاج الأشخاص في المناطق الريفية، الذين يقودون السيارات لمسافات أطول، إلى تصاريح إضافية.
من ناحية أخرى، لن تكون كل دولة مستعدة ثقافياً بالدرجة ذاتها لمثل هذا الأمر؛ ذلك أن الاستقطاب أدى بالفعل إلى تقسيم المجتمعات من الولايات المتحدة إلى البرازيل وبولندا. ويشعر بعض الأميركيين الآن أن المسائل المتعلقة بما إذا كان يجب ارتداء قناع لحماية الوجه أو الحصول على لقاح أو الاعتراف بأن التغييرات المناخية من صنع الإنسان، تتعلق في جوهرها بالهوية أو الولاء للحزب، وليس العلم والمنطق السليم.
حتى ذلك الحين، لن تكون كل دولة مستعدة ثقافياً. فقد أدى الاستقطاب بالفعل إلى تقسيم المجتمعات من الولايات المتحدة إلى البرازيل وبولندا. ويشعر بعض الأميركيين الآن أن الأسئلة حول ما إذا كان يجب ارتداء قناع أو الحصول على لقاح أو الاعتراف بتغير المناخ من صنع الإنسان مسائل تتعلق بالهوية أو الولاء للحزب وليس العلم والفطرة السليمة.
وربما تؤدي إضافة مستوى جديد من التدخل الحكومي، بغض النظر عن مدى منطقيته، إلى اندلاع أعمال شغب تتضاءل بجانبها احتجاجات السترات الصفراء في فرنسا عام 2018. ومع ذلك، لا ينبغي أن يمنع ذلك بعض البلدان الشجاعة والمبتكرة من أن تصبح رائدة على هذا الصعيد.
وعليه، فإن المجتمعات المتماسكة ذات الثقة العالية نسبياً بين المواطنين، وبين المواطنين وحكوماتهم، هم المرشحون الواضحون. وهنا، يقفز إلى الذهن أسماء مثل نيوزيلندا أو آيسلندا وربما سنغافورة. وكما هو الحال مع معظم الخطوات الكبرى، يجب على شخص ما القيام بذلك أولاً – وهنا يكمن الجزء الأصعب.عن “الشرق الأوسط”


تعليقات الموقع