ضمن ندوة دولية نظمها "تريندز" بالشراكة مع صحيفة "الاتحاد" بمناسبة اليوم الدولي للسلام

نهيان بن مبارك:السلام والتسامح مكوِّنان أساسيان في المجتمع الإماراتي

الإمارات الرئيسية السلايدر

 

أبوظبي – الوطن:
في اليوم الدولي للسلام الذي يوافق 21 سبتمبر من كل عام، حول “مركز تريندز للبحوث والاستشارات” هذا الحدث العالمي إلى قمة حوارية ونقاشية جمعت مسؤولين ورموزاً وشخصيات محورية ومؤثرة على المستويين الإقليمي والعالمي، وبحثوا سبل نشر ثقافة السلام والتسامح في العالم وآلياتها، وكيفية جعل ثقافة التسامح والسلام مدخلاً رئيسياً لمواجهة صراعات العالم والمنطقة، كما اقترحوا خارطة طريق من شأنها تعزيز ثقافة السلام والتسامح ونشر قيم التعايش والأخوة الإنسانية بين الشعوب.
وحضر هذه الندوة الدولية الهجينة التي جاءت تحت عنوان: “نشر ثقافة السلام والتسامح في العالم … ما الذي ينبغي علينا فعله؟”، ونظمها “مركز تريندز للبحوث والاستشارات” بالشراكة مع صحيفة “الاتحاد”، معالي الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان، عضو مجلس الوزراء، وزير التسامح والتعايش، والمونسنيور يوأنس لحظي جيد، السكرتير الشخصي السابق لقداسة بابا الكنيسة الكاثوليكية عضو اللجنة العليا للأُخُوَّة الإنسانية في مصر، وسعادة الدكتور سلطان بن فيصل الرميثي، الأمين العام لمجلس حكماء المسلمين.
كما شارك في الندوة سعادة مقصود كروز، مستشار الاتصال الاستراتيجي في وزارة شؤون الرئاسة، والدكتور عمر الدرعي، عضو مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي، والحاخام ليفي دوشمان حاخام الجالية اليهودية المعتمد لدى الإمارات، ومعالي الدكتور قطب سانو،الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي الدولي.
وشهدت الندوة مشاركة كل من الدكتور محمد كامل المعيني، مؤسس ورئيس المعهد الدولي للدبلوماسية الثقافية في الإمارات، والدكتور فتوح هيكل، المستشار السياسي، رئيس قطاع البحث العلميفي مركز “تريندز”، والدكتور رشيد الخيون، كاتب وباحث من العراق، والسيد إيلي إبستين، الرئيس والمدير الإداري في شركة أمينكو للموارد بأمريكا.
وتمحورت الندوة، التي أدراها الباحث والكاتب الإماراتي الأستاذ محمد خلفان الصوافي، حول ستة محاور رئيسية هي: “الخطاب الديني وأهمية مواجهة خطابات الكراهية والتطرف، ووثيقة الأخُوَّة الإنسانية كإطار لتعزيز قيم السلام والتسامح حول العالم، وحقوق الإنسان كمدخل لتعزيز ثقافة التسامح والسلام،وجعلها مدخلاً لمواجهة صراعات العالم والمنطقة، وسبل تعزيزها في المنطقة والعالم، ونحو رؤية مشتركة لعالم أكثر سلاماً وتسامحاً”.
وأكد المشاركون في الندوة أن العالم بحاجة إلى نبذ العنف والعنصرية ومحاصرة خطاب الكراهية والتطرف ومجابهة الجماعات والقوى التي تروّج للعنف، مكونات رئيسية لخريطة طريق تسهم في نشر ثقافة السلام وقيم التسامح وإعلاء مبادئ الأخوة الإنسانية وتحقيق الازدهار والتنمية لشعوب العالم ودوله المختلفة.
قال معالي الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان، عضو مجلس الوزراء، وزير التسامح والتعايش، في الكلمة الافتتاحية للندوة: “في هذه الندوة الدولية التي تُعقد احتفالاً باليوم الدولي للسلام، نجتمع لنتدارس مسؤوليتنا المشتركة عن تحقيق التسامح والسلام والأخوّة الإنسانية في عالمنا الذي نعيش فيه، إنها دعوة للعالم من دولة الإمارات العربية المتحدة لمناصرة قيم السلام والتسامح”.
وأكد معالي الشيخ نهيان بن مبارك أن الإمارات تحرص على الانضمام إلى الدول والمنظمات الأخرى دعماً للتسامح والتعايش السلمي، وعلى استعداد لمشاركة خبراتها مع الآخرين وأن تكتسب منهم فهماً واسعاً للقوة العالمية التي ينطوي عليها السلام والتسامح، وهذه الندوة تمنحنا الفرصة لتبادل الخبرات واكتساب هذا الفهم.
وأشار معاليه إلى أن دولة الإمارات العربية المتحدة واحدة من أكثر الدول سِلماً وأماناً وازدهاراً وتسامحاً في العالم، فهذا إرث الوالد المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان “طيّب الله ثراه”، الذي ترك لأبناء الإمارات وطناً متآلفاً ومنفتحاً تماماً للجميع بصرف النظر عن ثقافتهم أو دينهم أو عرقهم أو نوعهم الاجتماعي أو عقيدتهم، ونتيجة لهذا، حققت الإمارات نمواً اقتصادياً لا نظير له، مصحوباً باستقرار اجتماعي وسياسي، وبفرص تتسع باستمرار لمواطنيها والمقيمين على أرضها.
وأكد معالي الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان، عضو مجلس الوزراء، وزير التسامح والتعايش، أن السلام والتسامح مكوِّنان أساسيان في المجتمع الإماراتي، مضيفاً أن السلام والتسامح لا يزدهران في غياب الأعمال الحكيمة، لذا تركز وزارة التسامح والتعايش على ضمان أن تؤدي التجربة التعليمية للشباب والشابات إلى إدراك فضائل السلام والتسامح والأخوة الإنسانية والطريقة التي تؤدي بها هذه الفضائل إلى فهم مستنير للهوية والاختلاف بين البشر.
وذكر معاليه أن الإمارات استضافت عام 2019 قداسة البابا فرنسيس وفضيلة الإمام الأكبر أ.د أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، وبدعم قوي من صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، أصدرا معاً “إعلان أبوظبي للأخوة الإنسانية”، الذي يطالب الجميع بالعمل جدياً على نشر ثقافة التسامح والتعايش معاً بسلام، وإنهاء الحروب والتدهور البيئي والانحدار الثقافي والأخلاقي.
وقال معالي الشيخ نهيان بن مبارك: إن روح هذه الندوة تتماشى مع روح إعلان الأخوة الإنسانية، بتأكيدها على وجود أمل في بزوغ عصر جديد من التسامح والسلام في العالم، ولكي يتحقق هذا العصر الجديد من التسامح والسلام، من الضروري ألا نقف عند فهمنا للروابط التي تجمعنا كأعضاء في مجتمع عالمي فقط، بل ينبغي علينا أن نعزز هذه الروابط ونرسّخها أيضاً.
وشدد معاليه على ضرورة جعل السلام والتسامح والأخوة الإنسانية مجالات للابتكار والمبادرة والعمل المشترك والمشاركة الفاعلة من الجميع، كما يجب الاحتفاء بالنماذج الناجحة في جميع أنحاء العالم، التي تثبت أن السلام والتسامح داخل المجتمع البشري المتنوع يشكلان قوة إيجابية خلاقة كفيلة بتحقيق التنمية والاستقرار.
وأوضح معالي الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان، عضو مجلس الوزراء، وزير التسامح والتعايش، أنه في ظل جائحة “كوفيد-19” التي مازال العالم يعاني تداعياتها، يصبح السلام والتسامح والأخوة الإنسانية أهم من أي وقت مضى، باعتبارها مبادئ عالمية ضرورية للسلامة والنجاح في التغلب على هذه الأزمة العالمية واجتيازها.
وتابع معاليه: “دعونا في هذا اليوم الدولي للسلام نجدد قناعتنا بأن التسامح والسلام سيمنحان القوة والطاقة لنا ويعززان روح التفاني والعزيمة على الصمود والنجاح، ودعونا نتذكر قدرتنا على إحداث تغيير إيجابي كبير في عالمنا ونحن نعمل معاً من أجل قضية مشتركة”.

قيم السلام والتسامح
واستهل أعمال الندوة الدكتور محمد عبدالله العلي، الرئيس التنفيذي لـ “مركز تريندز للبحوث والاستشارات”، ملقياً الكلمة الترحيبية لهذه الندوة رفيعة المستوى، ومرحباً بمعالي الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان، عضو مجلس الوزراء وزير التسامح والتعايش، ومثمناً تلبية أصحاب المعالي والسعادة مشاركتهم في الندوة التي ينظمها “تريندز” بالشراكة مع صحيفة “الاتحاد” الإماراتية، التي تأتي تزامناً مع “اليوم الدولي للسلام” الذي تحتفل به الأمم المتحدة في 21 سبتمبر من كل عام.
وذكر العلي أنه لم يعد خافياً على أحد الأهمية الكبيرة التي تشكلها قيم السلام والتسامح والأُخوَّة الإنسانية باعتبارها الأساس الصلب الذي يمكن استناداً إليه تحقيق التوافق والعمل معاً من أجل بناء استجابة عالمية موحدة ومشتركة، لمواجهة التحديات والمخاطر المتنامية التي يشهدها العالم، وباتت تهدد البشرية جمعاء سواء تعلق الأمر: بالصراعات الدائرة رحاها في مختلفة بقاع العالم، أو بالتحديات البيئية التي أصبحت مخاطرها واضحة للعيان، أو حتى بمواجهة الأوبئة التي تحاصر البشر.
وأضاف أنه من خلال تعزيز قيم التسامح، والحوار، والأخوة الإنسانية، وقبول الآخر يمكن للشعوب بناء الفهم المشترك، وتجاوز نقاط الخلاف والصور النمطية السلبية، وإرساء تصورات أفضل حول كيفية العمل لتحقيق مصلحة الأطراف جميعها وفق قاعدة “الكل رابح”.
وأكد الدكتور محمد العلي أنه يمكن من خلال نشر هذه القيم وتعزيزها محاصرة خطاب الكراهية والتطرف والجماعات والقوى التي تروج له، ومن ثم تحقيق السلام والازدهار والتنمية لشعوب العالم ودوله المختلفة.
وشدد على أن تحقيق هذا الهدف النبيل ليس بالأمر السهل بل يتطلب قرارات شجاعة وإرادة قوية من الحكومات والشعوب على حَد السواء، كما يتطلب تضافر جهود المؤسسات الدينية، والفكرية، والسياسية، والإعلامية، والثقافية أيضاً من أجل أن ينعم البشر على اختلاف ثقافاتهم وانتماءاتهم بالرخاء، والتنمية، والازدهار، والسلام، مضيفاً: “قد رأينا كيف أسهم اتفاق السلام الإبراهيمي بين دولة الإمارات وإسرائيل، والذي نحتفي هذه الأيام بمرور عام على توقيعه أيضاً، في الدفع بقيم السلام في المنطقة وتعزيزها”.
وأشار الرئيس التنفيذي لـ “تريندز” إلى أن حرص المركز على عقد هذه الندوة، بالتعاون والشراكة مع صحيفة “الاتحاد” الإماراتية، ينطلق من إيمان “تريندز” بضرورة المساهمة في الجهود الفكرية والإعلامية التي تخدم تحقيق نشر قيم السلام والتسامح والأخوة الإنسانية.
وتوجه الدكتور محمد العلي بالشكر إلى المشاركين جميعهم على تلبيتهم الدعوة للمشاركة في هذه الندوة رفيعة المستوى، مثمناً الأفكار والتصورات والرؤى التي طرحها المشاركون والتي تسهم في تحقيق الهدف الذي يصبو إليه الجميع لتعزيز قيم التسامح والسلام حول العالم.

نهج إماراتي ثابت
بدوره، ألقى الأستاذ حمد الكعبي، رئيس تحرير صحيفة “الاتحاد”، كلمة ترحيبية تحت عنوان: “ثقافة السلام والتسامح.. انتصار للإنسان في كل مكان”، موضحاً أن ثقافة السلام والتسامح ركن أصيل في سياسة الإمارات، ونهج ثابت في سياستها الداخلية والخارجية وفي قوانينها ورؤيتها تجاه شعبها ومنطقتها والعالم أجمع.
وذكر أن السلام دعت إليه الديانات الإبراهيمية الثلاث، كونه قيمة إنسانية كبرى ليس مجرد شعار، بل سلوك وممارسة، تمهد للحوار ومن ثم التلاقي من أجل التعاون خدمة للجميع من أجل عمارة الأرض وصلاح الكون.
وأضاف الكعبي: “في الإمارات لا نتحدث عن السلام والتسامح فقط، بل نعيشه ونتنفسه كل يوم في نسيجنا الاجتماعي المترابط والمتنوع، وفي تعايشنا الإنساني الدافئ مع الأطياف الثقافية والدينية كلها التي تسكن إمارات المحبة، سواء للعمل أو الاستثمار أو السياحة، فالتسامح والسلام رؤية ثابتة للإمارات تقود بوصلتها دائماً نحو الإنسان أولاً وأخيراً وفي كل مكان من أرجاء الأرض”.
وذكر رئيس تحرير صحيفة “الاتحاد” أن الإمارات أقدمت على خطوات إنسانية كبرى تجاه العالم ولا تتوقف لصون السلم وبث روح التسامح والانتصار للاعتدال والوسطية والاحتفاء بالتواصل مع الآخر.
وأشار حمد الكعبي إلى أن اتفاق السلام الإبراهيمي بين الإمارات وإسرائيل دشّن مرحلة جديدة من التعايش في المنطقة، ضمن خطوة تلتها خطوات إيجابية من البحرين والسودان والمملكة المغربية، عنوانها تغليب التعاون على الصراع والتطلع إلى المستقبل بروح جدية ملؤها التسامح والسلام والتعاون.
وأوضح أن الإعلام بمؤسساته ومنصاته وكوادره قادر على نشر ثقافة التسامح والسلام، ومد جسور الحوار والتواصل مع الآخر بكل تنوعاته الدينية والثقافية، وتحصين الناشئة ضد خطر الانغلاق والتطرف، والتحرك بإيجابية نحو تنشئة أجيال تدرك معنى السلام وأهميته وتعي مكاسب التسامح، عبر خطاب يتطلع إلى المستقبل ويحترم التنوع الإنساني كونه مصدر ثراء للبشرية.
وتابع الكعبي: (التاريخ يعلمنا أن الصراعات لحظة عابرة في حياة الأمم، وأن الانتصار دوماً للسلام والتسامح، لأنهما يضمنان بيئة محفزة على الاستقرار والتنمية والإبداع والابتكار لصالح الإنسان في كل مكان، وفي جائحة “كوفيد 19” تأكدت هذه الرؤية).
ويرى حمد الكعبي رئيس تحرير صحيفة “الاتحاد” أن نشر ثقافة السلام والتسامح مسؤولية مشتركة ليس على المؤسسات الرسمية فقط، بل هي مسؤولية كل فرد في أي موقع أو وظيفة وفي كل مكان في العالم.

“المحور الأول: الخطاب الديني وأهمية مواجهة خطابات الكراهية والتطرف”
وفي المحور الأول: “الخطاب الديني وأهمية مواجهة خطابات الكراهية والتطرف”، تطرق المونسنيور يوأنس لحظي جيد/ السكرتير الشخصي السابق لقداسة بابا الكنيسة الكاثوليكية عضو اللجنة العليا للأخوة الإنسانية، إلى مقولة للبابا فرانسيس، جاء فيها: “إننا مدعوّون دوماً، في مجالِ الحوارِ بالتحديد، خصوصاً الحوار بين الأديان، إلى السير معاً، مقتنعين بأن المستقبل يعتمد على اللقاء ما بين الأديان والثقافات أيضاً.. وثمة ثلاثة توجهات أساسية، إذا رُبِطَت معاً بطريقة صحيحة، يمكن أن تساعد على هذا الحوار: واجب احترام المرء لهويته وهوية الآخرين، وشجاعة قبول الاختلافات، وصدق النيات”.
وأكد أن احترام المرء لهويته وهوية الآخرين واجب إنساني، لأن الحوار الحقيقي لا يمكن أن يُبنى على الغموض أو الاستعداد للتضحية بأمر صالح إرضاء للآخرين، موضحاً أنه ينبغي عدم معاملة المختلفين ثقافياً أو دينياً على أنهم أعداء، بل ينبغي الترحيب بهم وقبولهم كأصدقاء ورفقاء درب، باقتناع حقيقي أن خير كل فرد يكمن في خير الجميع.
وأضاف جيد أن الحوار، بصفتهِ تعبيراً حقيقياً عن الإنسانية، ليس استراتيجية لتحقيق أهداف محددة، بل هو طريق إلى الحقيقة، طريق يجدر المضي فيه بصبر من أجل تحويل التنافس إلى تعاون.
وذكر السكرتير الشخصي السابق لقداسة البابا فرانسيس أن وثيقة أبوظبي التاريخية، التي وقَّعها البابا فرانسيس وإمام الأزهر الدكتور أحمد الطيب، تمثل مرشداً أساسياً موثوقاً به، ترتكز على المعرفة المشتركة والحوار، ونبذ النزعات الدينيَّة المتعصبة.
وأكد أن وثيقة الأخوة الإنسانية شددت على كرامة المرأة وقدسية حقوقها، والحرية الدينيَّة، ونشر ثقافة التسامح والتعايش والسلام، والعدالة الاجتماعية القائمة على الرحمة، وتطبيق مفهوم المواطنة، وحماية الأماكن المقدسة، إلى جانب حماية حقوق المرأة والطفل والمسن والمريض.

“المحور الثاني: وثيقة الأخُوَّة الإنسانية كإطار لتعزيز قيم السلام والتسامح”
وفي المحور الثاني الذي جاء تحت عنوان: “وثيقة الأخُوَّة الإنسانية كإطار لتعزيز قيم السلام والتسامح حول العالم”، قال سعادة الدكتور سلطان بن فيصل الرميثي الأمين العام لمجلس حكماء المسلمين: إن ندوة “نشر ثقافة السلام والتسامح في العالم” تناقش موضوعاً غاية في الأهمية، وهو نشر ثقافة السلام والتسامح، ومما لا شك فيه أن إحلال السلام هو أشد ما يحتاج إليه العالم اليوم، وكل محاولة لتحسين الحياة البشرية قبل تحقيق السلام ونشر قيم التسامح والعيش المشترك، لن تؤتي ثمارها المرجوة، فتقدم الإنسانية ينبني على مزيج متناسب يجمع بين: توفير الموارد وتنوعها، والإبداع على مستوى التخطيط والإنجاز، وتبني القيم الأخلاقية الإيجابية وتفعيلها على المستوى الفردي والمجتمعي والمؤسساتي.
وأوضح أن مجلس حكماء المسلمين برئاسة فضيلة الإمام الأكبر أ.د أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، يتبنى منهج النَفَس الطويل في المعالجة الجذرية للمشكلات والصراعات، من خلال المعالجة الفكرية التي بدأها فضيلة الإمام الطيب في جولاته الخارجية والمؤتمرات الدولية وملتقيات الحوار والجهود المشتركة مع قادة الأديان حول العالم، وفي مقدمتهم قداسة البابا فرنسيس، بابا الكنيسة الكاثوليكية، وقد أرست تلك التحركات أساساً فكرياً يمكن البناء، والانطلاق منه لتحقيق التعايش والسلام بين الشعوب والمجتمعات.
وأضاف الدكتور سلطان الرميثي: أن الازدهار والتقدم يستدل عليهما في كل وقت بمؤشرات السلام والأمان والثقة والتعاون والتواصل الاجتماعي والتسامح والاعتدال، وعلى النحو نفسه يستدل على التراجع والفشل بمؤشرات مثل الكراهية والتعصب والعنصرية، وهي كلها مؤشرات سلبية تؤدي إلى هجرة الكفاءات وعزوف المستثمرين والسياح.

“المحور الثالث: حقوق الإنسان كمدخل لتعزيز ثقافة التسامح والسلام”
أما المحور الثالث فجاء بعنوان: “حقوق الإنسان كمدخل لتعزيز ثقافة التسامح والسلام”، وقال سعادة مقصود كروز مستشار الاتصال الاستراتيجي في وزارة شؤون الرئاسة: “دعوني آخذكم معي في رحلة إلى الوراء، إلى أكثر من أربعين عاماً، عندما قرر شاب ألماني الذهاب إلى أبوظبي، تلك الجزيرة الواعدة التي لم تكن بعد عاصمة الإمارات للتسامح، عندما وصل ذلك الشاب وقعت عيناه على فتاة بدوية أحبها من النظرة الأولى، فقرر الشاب زيارة والدها لطلب يدها رسمياً، وأمام هذا الطلب غير العادي وجد الأب نفسه في موقف لا يحسد عليه، وللخروج من هذه الورطة اشترط على الشاب ثلاثة شروط هي: اعتناق الإسلام إذا أراد الزواج من ابنته، وأن يدفع مهراً سخياً؛ وأن يوفر منزلاً مناسباً”.
وتابع: “ذهب الشاب وغاب لبضعة أسابيع ثم عاد، وعندما عاد كان قد اعتنق الإسلام، وتوفر له المهر والمسكن المطلوبين، وكان الرجل العجوز شديد الإعجاب بالتزام الشاب فما كان منه إلا أن بارك زواجه من ابنته، رُزق الزوجان من هذا الزواج بثلاثة أبناء، وكنت أنا ثانيهم”.
وذكر مقصود كروز أن روح قصته الشخصية لم تكن لتتحقق قط لو لم تكن مبنية على مُثُل التسامح، والتعددية، والتعايش المحفورة والراسخة في أصول النسيج الاجتماعي الإماراتي.

“المحور الرابع: ثقافة التسامح والسلام كمدخل لمواجهة صراعات العالم”
وجاء المحور الرابع من الندوة بعنوان: “ثقافة التسامح والسلام كمدخل لمواجهة صراعات العالم والمنطقة”، وتحدث خلاله الحاخام ليفي دوشمان حاخام الجالية اليهودية المعتمد لدى الإمارات، موضحاً أن المجتمع اليهودي القديم يدرك أن السلام يمكن أن يتحقق عندما يتم تمثيل جميع الأمم والاعتراف بها، وعلى الرغم من الانقسام الظاهر بين الشعوب، إلا أننا في عالم واحد جوهرياً، بفضل التكنولوجيا التي تسهل المشاركة والتواصل ومزاولة الأعمال وفهم كل منا لثقافة الآخر والتفاعل.
وذكر أن المجتمعات قادرة على تسخير قوى الخير من أجل تحقيق حالة من الوحدة بالتركيز على الاحترام المتبادل والتسامح، كما تحتاج الشعوب إلى إظهار التسامح والاحترام للآخرين، فقد تُرفض الأفكار ولكن لا يُمكن أن يُرفض الأشخاص.
وتابع دوشمان: “نحتفل في هذه الأيام بالذكرى السنوية الأولى للتوقيع على الاتفاق الإبراهيمي، وبدأنا أخيراً نسير على طريق يبعدنا عن النزاع والصراعات، ونسير في الاتجاه الصحيح الذي يقودنا إلى عصر جديد يسوده التسامح والسلام والفرص المشتركة”.
وأكد حاخام الجالية اليهودية المعتمد لدى الإمارات، أن الإمارات لديها قيادة حكيمة تقود العالم في اتجاه التسامح ونشر التعايش وقيم السلام والازدهار، مبيناً أنها الدولة التي تقود العالم في العمل الإنساني من خلال المساعدات التي تخفف عن مئات الملايين من المتضررين جرَّاء وباء كوفيد19 حول العالم، فضلاً عن الكثير من المساعدات العاجلة للدول المنكوبة واللاجئين.

“المحور الخامس: سبل تعزيز ثقافة السلام والتسامح في المنطقة والعالم
واستهل المحور الخامس: “سبل تعزيز ثقافة السلام والتسامح في المنطقة والعالم”، الدكتور فتوح هيكل المستشار السياسي ورئيس قطاع البحث العلميفي مركز تريندز للبحوث والاستشارات، متحدثاً حول دور المؤسسات البحثية في نشر السلام وترسيخ قيم التسامح والتعايش.
وأوضح أن نشر ثقافة السلام والتسامح وترسيخها كثقافة مجتمعية مهمة ليست باليسيرة وتحتاج إلى تضافر جهود جميع المؤسسات السياسية والاجتماعية والدينية والثقافية والفكرية والتعليمية.
وأكد هيكل أن مراكز الفكر تضطلع بدور مهم في دعم صنّاع القرار على المستويات المختلفة عبر ما تقدمه من توصيات وأوراق سياسات ودراسات بحثية وميدانية، تسهم بدورها في تعزيز التوجهات الداعمة لثقافة السلام والتسامح.
واستشهد بتجربة مركز تريندز للبحوث والاستشارات، إذ يعمل المركز على أن يكون جسراً للتواصل بين المنطقة والعالم، ومنصة للحوار والتفاعل الفكري البنَّاء من خلال أنشطته الفكرية المتعددة، والشراكات الاستراتيجية التي يوقعها مع مراكز الفكر العالمية والإقليمية والتي وصلت إلى نحو 90 شراكة في أقل من عامين.
وأشادَ الدكتور فتوح هيكل بما تقوم به مراكز الفكر والدراسات من أدوار مجتمعية في نشر وترسيخ ثقافة السلام والتسامح، من خلال الأنشطة العلمية والتثقيفية، التي تستهدف توعية الرأي العام بأهمية القيم الإنسانية، كما توجد الكثير من المراكز البحثية المتخصصة بمجالات تعزيز حوار الحضارات، وبناء السلام وترسيخ أسسه، ونشر ثقافة التسامح والأخوة الإنسانية.

“المحور السادس: نحو رؤية مشتركة لعالم أكثر سلاماً وتسامحاً”
وفي المحور السادس من الندوة الذي يحمل عنوان: “نحو رؤية مشتركة لعالم أكثر سلاماً وتسامحاً”، استعرض الدكتور رشيد الخيون كاتب وباحث عراقي في التراث الإسلامي والفلسفة الإسلاميَّة مجموعة من العناصر تحت عنوان “كان السَّلام حاضراً”، قائلاً إن اليوم الدولي للسلام هو يوم العمل من أجل الحياة والعمران، ففي ظل السلام تُعمر الأرض، وتحت وابل الحروب والكراهية يعم الدمار والخراب.
وذكر أنه ليس لدعوة السلام أو السلم تاريخ، يبدأ منه وينتهي، فما زالت البشريَّة موجودة، والإنسان يغالب الحياة، ويتعايش مع أخيه الإنسان كي تستمر الحياة، فدعاة السلام في الصدارة، وما وجود الأشهر الحُرم إلا واحدة من أقوى الدعوات لإدامة الحياة والممارسات في التاريخ العربي، قبل الإسلام نفسه، ويصعب تعيين مَن نادى بتخصيص هذه الأشهر الأربعة، لعيش الناس في كنفها، متسالمين ملتفتين إلى أحوالهم المعيشية.
وأضاف الخيون: “كلما بحثنا في تاريخنا، وربما في تواريخ غيرنا، لا نجد دعوة حصيفة لتعميم السَّلام، ونبذ الحرب، وفضح ما يترتب عليها، من مقاتل وخراب، مثلما التفت إلى ذلك الشاعر زُهير بن أبي سُلمى، وهو يثني على من سعى لوقف أطول حرب في تاريخ العرب، قبل الإسلام، فوصفها في معلقته (أَمِن أُمِّ أوفى)، تلك القصيدة مازالت بارقة وسط ظلام الحروب، نافعة لعصرها وعصرنا”.
وأوضح أنه عندما ظهرت المبارزة بين الدول الكبرى بالسلاح الذري أو النووي، تصدى لنبذها والدعوة للسلام الدولي، مثقفون ورجال دين من مختلف الدول، دفاعاً عن الحياة وعن العمران الذي توصل إليه العقل الإنساني.


تعليقات الموقع