اتجاهات مستقبلية
الفضاء في خدمة البشرية
بات الفضاء الخارجي أحد أهم مجالات التنافس بين القوى الكبرى وغيرها من الدول التي تسعى إلى حجز مكانة عالمية، وتتطلع إلى مستقبل أفضل لشعوبها. وفي الوقت الذي كان يتوقّع فيه البعض أن يتحول الفضاء إلى إحدى ساحات الحروب المستقبلية، وأن تتم عسكرتُه، نما اتجاه آخر يسعى إلى تعزيز سبل التعاون المشترَك من أجل الاستغلال الأمثل للفضاء لخدمة البشرية.
وفي هذا الاتجاه برز تنافس دولي محموم من نوع آخر حول الاستثمار في اقتصادات الفضاء؛ إذ تسعى دول عديدة إلى تعزيز قدراتها في مجال اقتصاد الفضاء، كجزء من أهدافها وغاياتها العليا لدعم صناعة الفضاء، وحماية أمنها الوطني، وخلق بنية تحتية قوية لها في الفضاء.
واللافت للنظر أن الأمر لم يتوقف على الحكومات، بل تُسارع الآن شركات خاصة عديدة لحجز مقعد لها في بورصة الاستثمارات المتنوعة في مجال الفضاء. وقد عزّز التطور التكنولوجي ومخرجات الثورة الصناعية الرابعة تنمية استثمارات القطاع الخاص في اقتصاد الفضاء، بعدما كانت تقتصر استثمارات هذا القطاع على المبادرات الحكومية. وكشفت أحدث البيانات أن عام 2022 شهد 178 مهمة فضائية، منها 90 مهمة أجراها القطاع الخاص؛ حيث سيطرت شركة “سبيس إكس” على الحصة الأكبر من مهمات القطاع الخاص عبر قيامها بـ 61 مهمة فضائية خلال عام 2022. وكان المدير العام لوكالة الفضاء الأوروبية، جوزيف أشباخر، قد صرّح من قبل أن أَيَّ يورو يتم استثماره في قطاع الفضاء، يكون العائد منه 10 يوروهات، مشيرًا إلى أن الاستثمارات في قطاع الفضاء قد تفوقت على الاستثمارات في القطاعات الأخرى. وبحسب تقرير صادر عن “سبيس فاونديشن” الأمريكية، وهي مؤسسة غير ربحية معنيّة بمجال الفضاء فقد نما اقتصاد الفضاء عالميًّا 8% ليصل إلى 546 مليار دولار في عام 2022، ومن المتوقَّع أن يرتفع بنسبة 41% خلال السنوات الخمس المقبلة. وتوقّعت المؤسسة أيضًا، الاقتراب من 800 مليار دولار في غضون خمس سنوات في ظل توقّعات أخرى بأن يتخطّى اقتصاد الفضاء حاجز التريليون دولار عام 2030، بحسب عدة دراسات صادرة عن مؤسسات دولية، منها “بي دبليو سي”، وبنك أوف أمريكا، وماكينزي.
وقد حدّد تقرير بعنوان “قدرات الفضاء التجارية، ونظرة عامة على السوق: العلاقة بين التطورات الفضائية التجارية ووزارة الدفاع الأمريكية”، صادر عن مؤسسة راند عام 2022، مجالات اقتصاد الفضاء المختلفة والإمكانات التي يتمتع بها لفتح مجالات أخرى متعددة، والتي من أبرزها: أولًا صناعة الأقمار الصناعية؛ حيث حقق هذا القطاع حوالي 24,4 مليار دولار خلال عام 2018 بتقديم خدمات، مثل التليفزيون والراديو عبر الأقمار الصناعية. ثانيًا، نقل الأقمار الصناعية إلى الفضاء؛ حيث يعتمد هذا المجال على توفير وسائل النقل اللازمة لتنفيذ إطلاق ونقل الأقمار الصناعية إلى الفضاء، وذلك للقطاعات التجارية المعنية كافة. ثالثًا، الاستشعار عن بُعد، وهو مجال يتعلق بالقدرة على الحصول على المعلومات من مسافة بعيدة. رابعًا، المراقبة البيئية؛ حيث يختص هذا المجال بمتابعة حالة الطقس الجوية والبحرية وإمداد الجهات المعنيّة بهذه البيانات. وخامسًا، نقل واستقبال البيانات، ويعتمد هذا المجال على شبكة محطات الهوائي الأرضي التي تؤدي وظائف الإرسال والاستقبال مع المركبات الفضائية. وأخيرًا، لوجستيات الفضاء، التي من بينها مستودعات الوقود الدافع، وإزالة الحطام الفضائي، وخدمة الأقمار الصناعية، والفحص، والإصلاح، والتغيير المداري.
وإيمانًا منها بأهمية توظيف الفضاء لخدمة البشرية، تقوم دولة الإمارات بالاستثمار في مجال الفضاء؛ حيث قام رائد الفضاء الإماراتي، سلطان النيادي، الذي عاد إلى كوكب الأرض، رفقة طاقم “كرو-6″، بعد إنجازه أول مهمة عربية بتاريخ الفضاء، وثاني مهمة إماراتية إلى محطة الفضاء الدولية، بإنجاز أكثر من 200 تجربة علمية لدراسة التغييرات التي تصيب الرواد في الفضاء، والتي من بينها تأثير الجاذبية الصغرى على وظائف القلب والجهاز التنفسي، والمشاركة في دراسة مسببات الأمراض في الفضاء، وإنتاج محاصيل غذائية في الفضاء، وتأثير بيئة الجاذبية الصغرى على أنماط النوم لرواد الفضاء، وتجربة إنتاج بلورات البروتينات الخاصة بالأجسام المضادة.
إن دولة الإمارات، وهي تتجه إلى الاستثمار في قطاع الفضاء، تضع نُصب عينيها النأي به عن الصراع والتنافس والعسكرة، على أن يكون إحدى منصات التعاون الدولي لمواجهة المشكلات الدولية، الحالية والمستقبلية، ومن أجل الحفاظ على البشرية وإعلاء قيم التعاون والإخاء المشترك.
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.