في إطار إثراء المكتبة العربية ودعم جهود الدولة بترسيخ التسامح والتعايش السلمي بين الأديان

جمال السويدي يصدر كتاب “وثيقة الأخوة الإنسانية نحو تعايش سلمي وعالم خالٍ من الصراعات”

الإمارات

 

 

 

أبوظبي – الوطن:

 

في إطار إثراء المكتبة العربية ودعم جهود دولة الإمارات العربية المتحدة، في ترسيخ التسامح والتعايش السلمي بين الأديان، أصدر معالي الأستاذ الدكتور جمال سند السويدي كتابه الجديد بعنوان: “وثيقة الأخوة الإنسانية نحو تعايش سلمي وعالم خالٍ من الصراعات”، ويسعى المؤلف من خلال الكتاب إلى تعزيز قيمة التسامح وتعميقها، لكون هذه القيمة متجذرة في ثقافة أبناء دولة الإمارات العربية المتحدة وتاريخهم، وتمثل أحد أهم نتاجات “إرث زايد الخير” “طيب الله ثراه”، لكن انتشار موجات التطرف والكراهية والعنف، التي تروج لها التنظيمات الدينية الإرهابية والجماعات المتطرفة بمختلف أشكالها في كثير من بلدان العالم ومناطقه، لاسيما في عالمنا العربي والإسلامي، يحتم على الجميع إعادة التركيز على قيم التسامح، وترسيخها في قلوب جميع فئات المجتمع وعقولهم، بصفتها الحل الأفضل لمواجهة الأفكار والأيديولوجيات والأعمال الإرهابية، التي تتغذى على قيم الكراهية والتعصب والتطرف.

يتناول الكتاب بالتحليل الجهود المبذولة من قبل دولة الإمارات العربية المتحدة لتعزيز قيم التسامح والتعايش السلمي، إذ تبنت العمل من أجل نشر التسامح والتعايش على الساحتين الإقليمية والدولية، وقدمت جهوداً جليلة لتعزيز السلام والأمن والاستقرار والتنمية في العالم، من منطلق الإيمان بأن التسامح هو طريق الإنسانية للتغلب على نزعات الصراع الديني والعرقي والطائفي، وتفادي تكرار مآسي التاريخ وحروبه الدينية والطائفية التي راح ضحيتها ملايين البشر، إذ قال صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله: “إن التسامح يحمل في داخله قوة جبارة قادرة على هزيمة الشر مهما كان حجمه، وتغيير مسار العالم إلى الأفضل”.

ويستعرض السويدي في الفصل الأول، إرساء ثقافة وقيم التعايش في الإسلام، ويوضح أن دعوة الدين الإسلامي ترسي السلام والتعايش السلمي بين الشعوب بمختلف الأديان، وتنبذ العنف والعدوان بين الدول والجماعات والأفراد، ويستدل على ذلك بالآيات التي يزخر بها القرآن الكريم، والتي تؤكد مفاهيم التسامح ومبادئ التعايش السلمي بين الأمم، وتلك التي تؤكد أن الاختلاف بين البشر والأمم، ضرورة كونية تكتنفها عوامل إيجابية كثيرة، تشجع على التعاون لا الصراع. كذلك يستعرض الكتاب إساءة توظيف بعض الآيات من قبل الحركات والجماعات المتأسلمة وبعض المفسرين المتشددين الذين يخرجون الآيات القرآنية عن سياقها وعن الغرض المحدد الذي نزلت لأجله لتحقيق مصالح شخصية. ويشرح الكتاب أن هذا التوظيف السيء للدين دائماً ما يحدث في عصور التراجع والانحدار.

وفي الفصل الثاني، يتناول معالي جمال السويدي مرتكزات التسامح والتعايش السلمي في رؤية الأب المؤسس، إذ يشير إلى أن رؤية المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه ، للتعايش السلمي والتواصل الحضاري، تقوم على أربعة مرتكزات، أولها: أن التعايش أفعال وإنجازات ومبادرات ولا يقتصر على الأقوال، وثانيها: أن التعايش مع الغير واحترامهم واجب ديني وإنساني على المسلم وليس للمسلم فيه خيار، وثالثها: أن التعايش السلمي هو أساس التنمية في الحياة والتقدم والازدهار والسعادة، ورابعها: أن التعايش هو الملهم للحضارة والصانع لها والجالب لمقوماتها والداعم لأصحابها، وكل هذه المرتكزات تتماهى مع روح وثيقة الأخوة الإنسانية وبنودها وأهدافها النبيلة.

ويحلل المؤلف في الفصل الثالث من الكتاب، بنود وثيقة الأخوة الإنسانية، إذ يؤكد على أن الوثيقة تُعد نداءً خالصاً لكل دول وشعوب العالم لوضع حد للحروب والنزاعات، وإدانة ويلات الإرهاب والعنف، خاصةً تلك التي ترتكب بدوافع دينية.

ويكشف السويدي أن نص وثيقة الأخوة الإنسانية يتضمن معاني ومبادئ سامية تعكس جوهر الديانات والرسالات السماوية وتركز على الأهداف السامية التي جاءت من أجلها، وهي نشر السلام والتعايش بين البشر، بدلاً من التصورات الجامدة والمتشددة والمتطرفة التي بدلت من جوهر الديانات ورسالتها، وحولتها من رسالة لإفشاء السلام بين البشر وإرساء التعايش والتعاون والإخاء فيما بينهم إلى ركيزة لدعاوى التعصب والكراهية والتنابذ والصراع والحروب. ويسلط الكتاب الضوء على المبادئ الأساسية التي تضمنها نص وثيقة الأخوة الإنسانية بشكل مُدمج ومكثف، ويعمل على إظهار البعد العملي والتطبيقي لهذه المبادئ. ويشرح كيف يمكن أن تصبح الوثيقة إحدى الركائز المهمة في الحوار العالمي من أجل التعايش والسلام.

ويتناول المؤلف في الفصل الرابع، التجارب والتحديات التي تواجه فرص التعايش والحوار بين الأديان، إذ يؤكد أن التعايش السلمي يعد أحد أهم مظاهر الملامح السياسية والاجتماعية والإنسانية على تقدم أي مجتمع من المجتمعات واستقراره ، خاصةً المجتمعات التي تتشكل من تجمعات عرقية ودينية متنوعة، كما يؤكد على ضرورة سعي الدول والمجتمعات المختلفة إلى تنظيم شأنها داخلياً وخارجياً، من أجل الوصول إلى الاستقرار السياسي والاجتماعي، وتوجيه جهودها وقدراتها نحو التنمية الاقتصادية وتطور العمران وبناء الدول والمجتمعات الحديثة، ويحذر الكتاب  من ظاهرة الغلو والتطرف الناتجة عن الفهم الخاطئ  للدين، لأنها ترسي التوترات والصراعات بين أبناء الوطن والمجتمع الواحد الأمر الذي يهدد الاستقرار السياسي والاجتماعي للدول والشعوب. إذ ينعكس هذا الغلو على العلاقات البينية بين أبناء الوطن بدياناتهم المختلفة، ناهيك عن علاقاتهم بالمجتمعات العالمية المختلفة عنهم من حيث العقيدة والمذاهب الفكرية والسياسية والاجتماعية والثقافية، كذلك يتصدى الكتاب لمسلمات الغلو ويعزز مفاهيم تقبل الآخر ويبرز الفوائد المجتمعية لقيم التعايش السلمي.

وفي الفصل الخامس للكتاب، يتناول معالي الدكتور جمال السويدي، جهود دولة الإمارات العربية المتحدة لتحقيق التسامح والتعايش السلمي على المستويين الإقليمي والدولي، إذ يؤكد الكتاب على أن توقيع وثيقة الأخوة الإنسانية وإقرار الأمم المتحدة لها كيوم عالمي لم يأت من فراغ، لكنه جاء كثمرة مستحقة لدور إماراتي مخلص ومصحوب بنبل القصد وحسن النية في المجال الإنساني، على مدار فترة طويلة من الزمن، امتدت من 1971 إلى 2021، ومُقرر لهذا الدور، بتوجيهات صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، وبالتعاون مع إخوانه حكام الإمارات، الاستدامة طويلة الأمد لحين تنفيذ بنود الوثيقة وتحقيق كل أهدافها. ويشرح الكتاب كيف أن هذا الدور كان مدروساً بعناية وله بُعد استراتيجي عالمي منذ البداية، بدليل أن وسائله وفعالياته الرامية لتحقيق أهدافه قد تنوعت بين الذكاء الدبلوماسي والحضور الدولي الفعَّال، واستغلال مقومات القوة الناعمة للدولة، والمساعدات الإنسانية والاقتصادية والمبادرات الأخلاقية، وكان له مردود إيجابي ومؤثر في الضمير الجمعي للأمم والشعوب، إلى درجة جعلت معظم الدول والمنظمات والهيئات الدولية تنظر، عن قناعة، إلى دولة الإمارات العربية المتحدة بعين التقدير والاحترام، وتشهد، عن طيب خاطر، بأن دولة الإمارات العربية المتحدة صانعة للسلام ورائدة للأخوة الإنسانية في العالم.

ويستعرض الكتاب بيت العائلة الإبراهيمية حال استكمال إنشائه، كمبادرة غير مسبوقة، ويوضح دوره المحوري المخطط له، لدعم التسامح الديني والتآخي الإنساني والتعايش السلمي وتجذير قيمة قبول الآخر في قلوب الناس من كل الأديان، ويؤكد أن بيت العائلة الإبراهيمية يمثل قوة دفع كبيرة لتنفيذ بنود وثيقة الأخوة الإنسانية ودعم مسيرة انتقالها من النظرية إلى التطبيق، إذ يعد بيت العائلة الإبراهيمية إحدى الآليات المهمة لتنفيذ بنود وثيقة الأخوة الإنسانية. ويقدم الكتاب صورة حقيقية لبيت العائلة الإبراهيمية، إذ يؤكد أنه يضم كنيسة ومسجداً وكنيساً “ديراً” يهودياً، تحت سقف صرح واحد، وروعي في تصميمه أن يكون معاصراً وأن يشارك فيه معماريون معروفون حول العالم وينتمون لأديان مختلفة، وتم اختيار تصميم المعماري العالمي الشهير، السير ديفيد اجايي أوبي، في 19 سبتمبر 2019، لإنشاء بيت ٍ يكون مكاناً مناسباً لتعزيز ممارسات تبادل الحوار والأفكار بين أتباع الديانات الثلاثة، وتعزيز قيمة قبول الآخر، على مستويات العقيدة والجنسية والثقافة، إذ يضم البيت أماكن عبادة منفصلة لكل ديانة، ومكاناً مشتركاً للتعاون، تُقام فيه تجمعات غير رسمية.

ويشير الكتاب إلى أن مبادرة إنشاء بيت العائلة الإبراهيمية، قد طالتها افتراءات كاذبة، أغربها الزعم بأنه دعوة لدين جديد  يدمج الأديان السماوية الثلاثة في دين جديد أطلقوا عليه “الدين الإبراهيمي”، ويصف هذا الكلام بأنه افتراء زائف كاذب لا يمت للحقيقة بأي صلة، بدليل أن البيت يضم كنيسة قائمة بذاتها ومسجداً قائماً بذاته، وكنيساً قائماً بذاته، بحيث يكون لكل فرد الحرية في ممارسة عبادته وطقوسه الدينية، مما يؤكد أن بيت العائلة الإبراهيمية يدعو لتعايش الأديان وليس انصهارها ويكرس لحرية الاعتقاد لا دمج المعتقدات.

وفي الفصل السادس والأخير، قدم معالي جمال السويدي رؤية شاملة لتعزيز تنفيذ وثيقة الأخوة الإنسانية، تتناسب مع كونها تعالج أموراً حساسة تصطدم بأفكار وسلوكيات قديمة موروثة، بسبب أفكار الجماعات الدينية والسياسية المتطرفة، ويوضح أن تغيير هذه الأفكار ينطوي على تحديات عدة، ويحتاج إلى فترة زمنية طويلة، ويؤكد الكتاب على ضرورة التأني في تنفيذ الاستراتيجية، عن طريق تقسيم الأهداف إلى عاجلة وقصيرة المدى وبعيدة المدى، ووضع الخطط والبرامج على هذا الأساس، سواء كانت دولية أو إقليمية، وذلك لتحقيق الهدف بعيد المدى على النحو الذي تضمنته الوثيقة، المتمثل في تجذير ثقافة وقيم الأخوة الإنسانية، في الوعي الجمعي لشعوب العالم، وفي وجدان الإنسان في كل مكان.

وفي الختام، يؤكد معالي الأستاذ الدكتور جمال سند السويدي على أن دولة الإمارات العربية المتحدة قد طرحت رؤيتها للتعايش السلمي بين الأديان من خلال وثيقة الأخوة الإنسانية كتصور يقترح طريقاً لتحقيق التعايش السلمي بين الشعوب والبشر وتحقيق حلم الإنسان في أن يعيش في “عالم خالٍ من الصراعات”. وذلك انطلاقاً من المبادئ الأساسية للوثيقة والفهم العميق للإسلام ورسالته كدين يدعو لعلاقة تعايش وتعاون بين البشر تقوم على الرحمة والإحسان والاحترام والعدل.


تعليقات الموقع