قد تساعدنا البيانات حول الانبعاثات الغازية في تخفيف الخسائر البيئية الناجمة عن التجارب المرتبطة بتعلّم الآلة

كيف نقلص البصمة الكربونية لتقنيات الذكاء الاصطناعي؟

مقالات
إليزابيث جيبني:صحفية علمية

 

كيف نقلص البصمة الكربونية لتقنيات الذكاء الاصطناعي؟

 

 

 

 

كلما ازداد تعقيد التجارب التي ترتبط بعمليات تعلّم الآلة، تضخمتْ معها البصمة الكربونية التي تخلفها. واليوم، يسعى فريق من الباحثين إلى حساب الكُلفة الكربونية اللازمة لتدريب مجموعة من نماذج البرمجة، في أحد مراكز الحوسبة السحابية للبيانات، التي توجد في مواقع مختلفة. وربما تساعدنا هذه النتائج، التي توصل إليها هذا الفريق البحثي المتخصص، في تقليص الانبعاثات الغازية الناتجة عن الأبحاث التي تعتمد على تقنيات الذكاء الاصطناعي.

وقد وجد الفريق البحثي عددًا من الفروق المثيرة للاهتمام في الانبعاثات التي تنطلق من مواقع جغرافية مختلفة، إذْ يقول جيسي دودج، الباحث في مجال تعلّم الآلة من معهد آلِن للذكاء الاصطناعي، ومقره سياتل بولاية واشنطن الأمريكية، والذي شارك في قيادة جهود الدراسة إن عند إجراء تجارب الذكاء الاصطناعي نفسها، “كانت المناطق الأعلى كفاءة تنتج ثلث ما تنتجه المناطق الأقل كفاءة من انبعاثاتٍ غازية” ( J. Dodge et al. Preprint at https://arxiv.org/abs/2206.05229; 2022).

وحتى يومنا الحالي، لم تتوفّر لدينا أدوات جيدة لقياس الانبعاثات الغازية الناتجة عن تقنيات الذكاء الاصطناعي السحابية، حسب قول بريا دونتي، الباحثة في مجال تعلّم الآلة، التي تعمل في جامعة كارنيجي ميلون، بمدينة بيتسبرج بولاية بنسلفانيا الأمريكية، والتي شاركتْ كذلك في تأسيس المجموعة المسمّاة: ذكاء اصطناعي لمواجهة التغيّر المناخي.

وتقول دونتي تعليقًا على الدراسة: “إنه لبحث مذهل وضعته مجموعة جليلة من الخبراء”، وهو يسهم في إطلاق حوار بالغ الأهمية حول الطريقة التي ندير بها أعباء العمل في مجال تعلّم الآلة، إذا أردنا تخفيف حجم الانبعاثات الغازية”.

وقد راقب دودج والباحثون الآخرون في هذا التعاوُن البحثي، ومن بينهم باحثون من شركة «مايكروسوفت»، معدلاتِ استهلاك الكهرباء، في أثناء تدريب 11 نموذج برمجة شائعًا للذكاء الاصطناعي. وقد تنوّعتْ هذه النماذج بين نماذج برمجة لغوية، تعزز كفاءة تطبيق «جوجل ترانسليت» Google Translate، وبين خوارزميّات لتمثيل البيانات المرئية، تصنِّف تلقائيًا بطاقات تعريف الصور. بعد ذلك، جمع هؤلاء الباحثون كل هذه البيانات مع وضع تقديرات للتغيرات التي تطرأ على الانبعاثاتُ الصادرة عن شبكات الكهرباء، التي تمدّ بالطاقة 16 خادم حوسبة سحابية، من طراز «مايكروسوفت أزور» Microsoft Azure، وذلك في محاولة منهم لحساب الطاقة التي يستهلكها هذا التدريب في تشكيلة من المواقع.

ووجد الفريق البحثي أن عملية تدريب «بيرت» BERT، وهو نموذج برمجة لغوية شائع الاستخدام لتعلّم الآلة في مراكز للبيانات وسط الولايات المتحدة، وفي ألمانيا، قد تسبّب في انبعاثات تقدّر بما بين 22 و28 كيلوجرامًا من ثاني أكسيد الكربون، بحسب الوقت الذي يُجرى فيه التدريب من العام. وتبيّن أن هذه الانبعاثات تزيد عن ضعف الانبعاثات الناتجة من إجراء التجارب نفسها في بلد مثل النرويج، التي تتلقّى معظم الكهرباء فيها من محطات كهرومائية، أو في فرنسا، التي تعتمد على الطاقة النووية لتوليد معظم حاجتها من الكهرباء.

وقد لاحظ الباحثون أن الوقت الذي تُجرى فيه هذه التجارب يلعب دورًا كبيرًا في الانبعاثات، فعلى سبيل المثال: تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي في ولاية واشنطن ليلًا، أي عندما تتلقّى الولاية كهرباءها من محطات كهرومائية فحسب، أدى إلى صدور انبعاثات غازية تقل عن مثيلتها عند إجراء التجارب في النهار، أي عندما تكون محطات توليد الكهرباء العاملة بالغاز هي مصدر الطاقة، وفقًا لدودج الذي قدّم نتائج بحثه إلى «مؤتمر جمعية آلات الحوسبة للعدالة والمساءلة والشفافية» في عاصمة كوريا الجنوبية، سول، الشهر الماضي.

وقد لاحظ الفريق البحثي أيضًا أن معدلات إطلاق الانبعاثات الغازية تفاوتتْ تفاوتًا كبيرًا بين نماذج الذكاء الاصطناعي المختلفة، ففي حين ولّد مصنِّف الصور «دينس نت» DenseNet، الكميةَ نفسها من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون التي يولّدها شحن هاتف محمول، فإن إصدارًا متوسّط الحجم من نموذج البرمجة اللغوية المعروف باسم «ترانسفورمر» Transformer، وهو أصغر كثيرًا من نموذج البرمجة اللغوية الرائج «GPT-3» الذي تنتجه شركة «أوبين إيه آي» OpenAI للبحوث، والتي يقع مقرّها في مدينة سان فرانسيسكو بولاية كاليفورنيا، ولّد كمية من الانبعاثات تقارب تلك التي تتولد عن أسرة نموذجية في الولايات المتحدة على امتداد سنة تامة. ومن اللافت، أن الفريق لم يكن قد أجرى إلا 13% من عمليات تدريب «ترانسفورمر»، أما تدريبه بصورة كاملة، فمن المتوقع أن يولّد انبعاثات يصفها دودج بأنها: “تماثل إحراق حمولة عربة كاملة من قاطرات نقل الفحم”.

ويضيف دودج أن هذه الأرقام هي تقديراتٌ متواضعة لحجم الانبعاثات الحقيقية؛ لأنها لا تضع في الحسبان عوامل أخرى، مثل التكاليف الجانبية من الطاقة المُستهلكة في مراكز البيانات، والانبعاثات المتولّدة عن صنع الحواسيب اللازمة. كما من المفترض، في السيناريو الأمثل، كما تقول دونتي، أن تأخذ هذه الإحصاءات بالاعتبار احتمالات الأخطاء الكبيرة في تقدير حجم الانبعاثات الغازية للشبكات الكهربائية في وقت بعينه من الزمن.

خيارات أكثر رفقًا بالبيئة

ويأمل دودج أن تساعد الدراسة العلماء في اختيار مركز البيانات الذي قد يستخدمونه في تجاربهم، بغرض تقليص الانبعاثات الغازية إلى أدنى قدر ممكن، حال تساوي تأثير العوامل الأخرى كافة. فيقول: “اتضح لنا أن هذا القرار هو الأهم بين ما يمكن للمرء أن يتخذه من قرارات في هذا المجال”. ونتيجة لهذا العمل البحثي، تعمل شركة «ميكروسوفت» على إتاحة معلومات استهلاك حواسيبها للكهرباء للباحثين الذين يوظفون خدمة «أزور».

وفي السياق ذاته، يقول كريس برايست، الذي يدرس تأثيرات التقنيات الرقمية في الاستدامة البيئية من جامعة بريستل البريطانية إن مسؤولية تقليص الانبعاثات الغازية ينبغي أن تقع على عاتق مقدّمي خدمات الحوسبة السحابية لا الباحثين. وتضيف دونتي من ناحيتها أن بإمكان مقدّمي هذه الخدمات ضمان أن تكون مراكزُ البيانات ذات البصمة الكربونية الأدنى هي الأكثر استخدامًا. كما من الممكن لشركات الحوسبة السحابية أن تنتهج استراتيجيات مرنة لتدريب برامج تعلّم الآلة على بدء العمل والتوقف في أوقات معينة، بما يقلص انبعاث الغازات.

ويشدد دودج أنه يجب على شركات التقنيات، التي تجري كبرى التجارب، أن تتحمّل الجزء الأكبر من المسؤولية حول شفافية البيانات المتعلقة بالانبعاثات، وأن تتولى محاولة تقليصها إلى أدنى درجة أو معالجة أضرارها، لكنه في المقابل يشير إلى أن تعلّم الآلة ليس على الدوام ضارًّا بالبيئة، إذْ يستطيع أن يساعد في إيجاد مواد تحقق الكفاءة في استهلاك الموارد، وأن يسهم في وضع نماذج لدراسة المناخ، وفي تتبّع عمليات إزالة الغابات ورصد الحيوانات المهددة بالانقراض. ومع ذلك فإن البصمة الكربونية المتنامية للذكاء الاصطناعي أصبحتْ مثار قلق كبير بين بعض العلماء. ويعقب دودج على ذلك قائلًا إنه رغم أن بعض المجموعات البحثية تعمل على تتبع النواتج الكربونية، “لا تزال هناك حاجة لإرساء ممارسات قياسية في أوساط الباحثين فيما يتعلق بشفافية بيانات أنشطة تدريب الذكاء الاصطناعي”.

وختامًا، يضيف دودج: “انصب تركيز هذا العمل بصورة حصرية، على محاولة تحقيق الشفافية، فهي مفقودة تمامًا، مع أن أننا في أمس الحاجة إليها”.

عن دورية نيتشر


تعليقات الموقع