اتجاهات مستقبلية   

اقتصاد إفريقيا الرقمي والتنمية

الرئيسية مقالات
مركز تريندز للبحوث والاستشارات

يتسارع النمو في الاقتصاد الرقمي بالقارة الأفريقية، مدفوعاً بزيادة انتشار الهواتف المحمولة وتوسع نطاق الإنترنت وظهور المدفوعات الرقمية والتجارة الإلكترونية

 

يرسم التحول الرقمي ملامح المشهد الاقتصادي العالمي، في وقت تُحدِث التقنيات الحديثة ثورة في حياة الإنسان، وتخلق مساحات للابتكار والتنمية، ولاسيّما مع تجاوز التوقعات ارتفاع حجم الاقتصاد الرقمي العالمي إلى 11 تريليون دولار بحلول 2025، ويمكن لتلك التحولات أن تساعد البلدان النامية على تخطي عقود من الزمن في التنمية.

ويتسارع النمو في الاقتصاد الرقمي بالقارة الأفريقية، مدفوعًا بزيادة انتشار الهواتف المحمولة وتوسع نطاق الإنترنت وظهور المدفوعات الرقمية والتجارة الإلكترونية، وبزوغ أجيال جديدة من رواد الأعمال الرقميين؛ ما يعطي الفرصة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية في القارة السمراء، خاصة أنها تضم 18% من سكان العالم، لكنها تمثل 0.4% من الصادرات عالية التكنولوجيا فقط، ومن شأن زيادة الصادرات تسريع النمو.

ويكتسب الاقتصاد الرقمي في أفريقيا أهمية متزايدة، نظرًا إلى إدراك الكثير من حكومات دول القارة أهمية الرقمنة وإتاحة المجال للعمل في هذا القطاع عبر سياسات ولوائح تنظيمية تدعم مسار التنمية والاستدامة، كالتدريب على المهارات الرقمية، ونشر التوعية للتفاعل مع العالم الرقمي، وتوفير البيئة المواتية للابتكار الرقمي، لكن ذلك يتطلب المزيد من العمل على توفير القدرة على الوصول للإنترنت، خاصة في الأماكن النائية.

وتتصدّر مصر بلدان القارة الأفريقية الواعدة بالنمو في مجال الاقتصاد الرقمي، إلى جانب المغرب ونيجيريا وجنوب أفريقيا وكينيا، بحلول 2025، مع امتلاك هذه الدول نحو 700 ألف مطور رقمي محترف، وانتشار خدمات الإنترنت، فيما تحاول دول القارة تطوير البنية التحتية للاتصالات، والاعتماد على منصات المدفوعات الرقمية، بتقديم خدمات مصرفية آمنة يمكن للملايين الوصول إليها، وتمهيد الطريق لنمو سوق التجارة الإلكترونية وإحداث تحول في تجارة التجزئة، وتشجيع الأعمال الرقمية والشركات الناشئة في مختلف القطاعات.

إن التوقعات المستقبلية في القارة الأفريقية واعدة، إذ يرجح وصول اقتصاد أفريقيا الرقمي إلى 180 مليار دولار بحلول 2025، و712 مليار دولار بحلول عام 2050، ولذا من المهم تنفيذ استراتيجيات شاملة تتضمن تطوير البنية التحتية ودعم سياسات اعتماد التقنيات الرقمية في البلاد، فالرقمنة الكاملة للاقتصاد ترفع نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، وتوفير فرص عمل في منطقة ترتفع فيها معدلات البطالة، وفي هذا الإطار، يمكن فتح المجال أمام التدريب على المهارات الرقمية،مع زيادة الطلب على الوظائف المتعلقة بالرقمنة.

ولا تزال الاتصالات في المناطق الريفية والنائية فيأفريقيا تعاني عدم توافر الاتصالات الجيدة والإنترنت بأسعار مناسبة، وهو عامل أساسي في تمكين المشاركة الأوسع في الاقتصاد الرقمي، وتحتاج الفجوة الرقمية الكبيرة داخل دول أفريقيا إلى سياسات حكومية واستثمارات وجهود مجتمعية تساعد على سد الفجوات والسير نحو التحول الرقمي بصورة سلسة، خاصة أن بعض المدن الأفريقية باتت مراكز للتكنولوجيا، مثل لاغوس ونيروبي وكيب تاو وأكرا.

وبالفعل، وضعت العديد من الدول استراتيجيات للرقمنة، إذ حددت السنغال 2025 عامًا لحصد 10% من إجمالي الناتج المحلي من الاقتصاد الرقمي، وتطور رواندا الجيل الرابع والربط بالألياف لتوفير خدمات الحكومة الإلكترونية، وتحقق كينيا بفضل قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات أداء قويًّا مقارنة بالقطاعات الأخرى كافة، إلى أن أضحت كينيا وجهة استثمارية رائدة لمزودي مراكز البيانات.

ويرمي الاتحاد الأفريقي من خلال مشروع استراتيجية التحول الرقمي لأفريقيا (2020 – 2030)، إلى بناء سوق رقمية موحدة، حيث يتوقع أن يؤدى توفير الإنترنت لـ200 مليون شخص إلى مكاسب كبيرة في الناتج المحلى الإجمالي، وعلى صناع السياسات التنسيق على المستويات الإقليمية والقارية، إذ لا تزال القارة تحتاج إلى إطار تعاوني لتسريع وتيرة الاقتصاد الرقمي والابتكار، خاصة أن التحول الرقمي أضحى ضرورة ملحّة تجاه التطورات والمتغيرات الدولية الجديدة وأولويات التنمية، وعلى الحكومات التركيز على ميزاتها التنافسية وجذب الاستثمار، وتضافر الجهود من الحكومات والقطاع الخاص والمجتمع المدني لتذليل التحديات.

وتزخر القارة السمراء بسمات ديموغرافية متميزة، إذ يمثل سكانها 17.8% من سكان العالم، ويمكن أن يستفيد الشباب الأفارقة من التحول الرقمي في بلدانهم وأن يسهموا فيها. ومن أجل المنافسة والابتكار، ينبغي على الحكومات مساعدة الشركات الخاصة لتبنّي الأدوات الرقمية، واتخاذ إجراءات لتعزيز الإطار التنظيمي الداعم لمعاملات التجارة الإلكترونية والمدفوعات الرقمية، وحماية خصوصية البيانات والأمن السيبراني، لتسريع وتيرة التحول نحو الاقتصاد الرقمي،وتسهيل الخدمات الإلكترونية.


تعليقات الموقع