اتجاهات مستقبلية
العالم في مواجهة “فيروسات التضليل”
ما أن ظهر بصيص أمل في احتواء جائحة “كوفيد -19” بعد تطوير العديد من اللقاحات الناجحة وإنتاجها بما يكفل كبح تفشي هذا الفيروس القاتل حتى عاد القلق من جديد وتنامت المخاوف مع ظهور وانتشار موجة ثانية من الوباء أخذت تغزو كثير من دول العالم، وظهور سلالات جديدة تشير التقارير والدراسات إلى أنها أسرع انتشاراً بنسبة 50% على الأقل مقارنة بالفيروس الأصلي. وبفعل هذه الموجة، واتجاه العديد من دول العالم إلى تطبيق إجراءات صارمة للحد من سرعة انتشار الوباء، بدأت تلوح في الأفق مرة أخرى سياسات الإغلاق التي برغم أهميتها في مواجهة تفشي الفيروس في مراحل ظهوره الأولى، فإنها تسببت في أضرار اقتصادية واجتماعية ونفسية جسيمة لا يرغب العالم بالتأكيد في تحملها مرة أخرى خلال عام 2021.
ولا شك أن اللقاحات التي بدأ إنتاجها وأخذت حملات توزيعها في الاتساع في العديد من دول العالم تشكل أملاً حقيقياً في مواجهة الوباء، إذ أنها توفر آلية عملية من شأنها تحصين الناس ورفع مستوى قدراتهم المناعية للتصدي للمرض، كما أنها قادرة في الوقت ذاته على التعامل مع السلالات الجديدة، حيث لم يثبت علمياً ولا عملياً أن هذه السلالات قادرة على تعطيل عمل هذه اللقاحات؛ ومن ثم ينبغي تشجيع الناس على تلقي اللقاح، ومواجهة الحملات المغرضة التي تسعى إلى تخويفهم وبث الذعر في نفوسهم بشأن جدواه وآثاره الجانبية، وهي حملات بعضها مدفوع بأسباب تنافسية بين الشركات والدول المنتجة لها، وبعضها مدفوع بأهداف سياسية لأحزاب أو قوى أو جماعات معينة، أو مدفوع بسبب نقص المعلومات بشأن هذه اللقاحات وفاعليتها، وتضخيم الإعلام لبعض الحالات الاستثنائية التي أظهرت عدم فاعلية هذا اللقاح أو ذاك.
ومن هنا تبرز حاجة ملحة إلى تنظيم حملات إعلامية تستند إلى معلومات طبية وعلمية موثقة يقوم عليها أطباء متخصصون، تستهدف نشر الوعي بجدوى اللقاحات وأهميتها في هذه المرحلة، وتوقف ما وصفه أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بـ “فيروسات التضليل” التي تستهدف تشكيك الناس في هذه اللقاحات، وذلك من أجل احتواء الوباء والحد من تداعياته والقضاء عليه، تمهيداً لتحقيق هدف ينتظره الناس بشدة هو عودة الحياة إلى طبيعتها.
كما أن هناك حاجة ملحة أيضاً لضمان التوزيع العادل للقاحات لجميع البلدان، وضمان أن يحصل عليه الجميع في مختلف دول العالم بما في ذلك الدول الفقيرة والأكثر فقراً، وهي المشكلة التي بدأت تلوح في الأفق مع إشارة مدير عام منظمة الصحة العالمية، تيدروس أدهانوم غيبريسوس مؤخراً، إلى أن 42 بلداً أطلق حملات تطعيم منها 36 دولة ذات دخل مرتفع وست دول متوسطة الدخل، فيما يبدو أن البلدان ذات الدخل المنخفض ومعظم البلدان ذات الدخل المتوسط لم تحصل بعد على اللقاح.
ولا شك أن هذه المشكلة تهدد الجهود العالمية المبذولة من أجل القضاء على وباء كوفيد -19، ففي ظل قدرة الوباء على الانتقال بسهولة وسرعة بين مختف دول العالم، لا يمكن لدولة بمفردها أن تدعي أنها قادرة على التغلب عليه، خاصة في ظل عدم قدرتها على عزل نفسها عن بقية العالم، ومن ثم فإن الحاجة تقتضي أن تتعاون الدول الغنية من أجل توفير اللقاح للدول الأخرى خاصة الفقيرة والأكثر فقراً. وقد تكون آلية “كوفاكس” التي شكلتها منظمة الصحة العالمية والتحالف العالمي من أجل اللقاحات (غافي) وسيلة مناسبة لتحقيق هذا الهدف، خاصة وأن القائمين على آلية “كوفاكس” قد تمكنوا من إبرام اتفاقات للحصول على ملياري لقاح سيتم توزيعها فور تسلمها على الدول الفقيرة والأكثر فقراً.
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.