يخرجون من السياق.. ويضيعون جوهر الفكر في التواصل

الرئيسية مقالات
محمد خالد الفلاسي

يخرجون من السياق.. ويضيعون جوهر الفكر في التواصل

 

تعتبر مسألة إبراز الذات من أهم عوامل التواصل مع الآخرين في سبيل الوصول إلى الأهداف المرجوة، ولعله قد يصاحبها شعور لاعقلاني أحياناً لدى البعض في ما يتعلق بالموضوعية أو القضية أو الخلاف الذي يطفو على السطح.
تماماً كالرجل الذي يشمّر عن ساعديه ليس لإصلاح عجلة المركبة، وإنما لإبراز ساعة ثمينة في يده، وكذلك لا يمكن الحديث حول تصوير حدث ما لتوضعه في story، أو التحدث والتنطع عن الحسب والنسب، وإنما عن أشخاص يلجؤون في حديثهم عن تضخيم سجلاتهم وإنجازاتهم لتطغى في الحوار، ويستخدموها كوسيلة للجدال البيزنطي أثناء حوارهم.
ففي كثير من الأحيان يتم سماع عبارة: “أتعرف ماذا حققت في الأعوام السابقة؟”، و”لدي خبرة 20 سنة بمجالي”، و”عملت هذه الصنعة من سنين، فمن أنت لتعلمني ؟”، فتلك تستخدم فقط من قبل البعض لترك انطباع يعطي جواً من فرض مكانة ما وكانت تنفع في خطابات القرن الماضي أو المجادلات الطفيفة، ولكنها لا تحقق المرجو لبلوغ لب الموضوع المشار إليه لكونها من أساليب من ليس لهم حجة في الحوارات غير الفاعلة أو غير الرسمية informal.
ولعل أبرز الأسباب لتمسك هؤلاء بهذه العادات تكمن في الأغراض التالية: تخويف الآخرين للإخضاع، والحصول على امتيازاتٍ ما عند الطرف الآخر -وبالأخص عند المفاوضات-، وللمقدرة على التواصل وخلق بيئة مشتركة -بالإيجاب أو السلب-، وللكبرياء أمام الآخرين، ولعدم قدرتهم على تغيير ما كانوا عليه سابقاً، وتعويض جوانب بأخرى في التي يبرزونها أمام الآخرين.
وللوصول إلى حلول جذرية عند مناقشة المسائل ينبغي تناولها في التفاصيل والمعادلات بقصد الوصول إلى نتائج عادلة ومنصفة، ومن دون خروج عن النص، ومن شأنه أن يزيدها تعقيداً وهدراً للوقت وتأخيراً للمشاريع وإبعاداً للأطراف المجتمعة؛ كما أن الطامة الكبرى في نوعية الأشخاص الذين يتفاخرون بهذه الأساليب التي تعكس قصورا في الوعي اللازم للتعامل تسحب معها توابع كثر، ولكن سرعان ما ينفض الجمهور من حولهم بعد أن عملوا show بلا معنى.
إتماماً لما سبق وحتى لا يوضع الحديث في غير سياقه، فإن الدوافع قد تكون حميدة وبريئة في أحيان أخرى عندما تتعلق بإبراز الذات أمام المجتمع، والمشاركة للحظات معينة من الحياة مع الآخرين، والسعي لتقبل المجتمع من خلال المحتوى، ولتعليم الآخرين عبر الممارسة البناءة، وإضفاء الصبغة الترفيهية، والتصرفات الاعتيادية بدون قصد أو بعبارة أخرى بالإنجليزية “just being ourselves”؛ ولكن في ما يتعلق بمسألة إبراز الذات للتأثير أمام الآخرين بطريقة مبتذلة فيختلط الخلل في إيجاد الحلول للمسائل والنقاشات.
ولابد من أن يتحصن المرء بالتواضع والإخلاص عند الأفعال، واتباعاً لهدي الإسلام في قوله -سبحانه وتعالى-: إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُورًا [الإنسان: 9]، وفيها العمل الخالص لله سبحانه وتعالى بجميع معانيه.

bin__zayed@live.com


تعليقات الموقع