ضمن فعاليات مبادرته السنوية "اتجاهات المستقبل"

“تريندز” يستشرف في حلقة نقاشية آفاق وفرص الثورة الصناعية المستقبلية

الإقتصادية الرئيسية

 

أبوظبي – الوطن:
نظم “مركز تريندز للبحوث والاستشارات”، أمس ، حلقة نقاشية عن بُعد حول “رؤوس الأموال والصناعات الجديدة”، شارك فيها نخبة من الخبراء الاقتصاديين ، لمناقشة تطورات الثورة الصناعية المستقبلية ومستجداتها، وكيفية الاستفادة من الفرص التي تتيحها في دعم اقتصاديات الدول.
في بداية فعاليات هذه الحلقة النقاشية، أعرب الدكتور محمد عبدالله العلي، المدير العام لـ “مركز تريندز للبحوث والاستشارات” في كلمته الترحيبية، التي ألقتها بالنيابة عنهالأستاذة ريم لامح الباحثة في المركز، عن شكره وتقديره للباحثين والخبراء المشاركين في فعاليات هذه الحلقة النقاشية التي تسعى إلى استكشاف الفرص التي تتيحها الثورة الصناعية خلال السنوات المقبلة.
وأوضح الدكتور العلي أن هذه الحلقة النقاشية تعد أولى فعاليات مبادرة “اتجاهات المستقبل” (What’s Trending) التي أطلقها المركز وتستهدف استشراف التحولات المستقبلية التي تهم دول المنطقة والعالم من خلال مجموعة واسعة من الحلقات النقاشية التي يتحدث فيها مجموعة من الباحثين والخبراء من نحو 163 دولة عن اتجاهات المستقبل في العالم في ثلاثة مجالات هي: (الاستدامة، والتنقل، والفرص).. وهي المحاور التي يركز عليها “إكسبو دبي 2020”. وأشار العلي إلى أن هذه المبادرة تأتي استكمالاً للجهود التي يبذلها المركز في رسم صورة واضحة للمستقبل والمساهمة بفعالية في صناعته، وستكون هذه المبادرة سنوية للتعرف على التطورات العالمية في المجالات الثلاثة المشار إليها.
وقد أدار فعاليات هذه الندوة إدرينا زاكاي، الرئيس التنفيذي للاقتصاد الدائري في آسيا من ماليزيا، والتي أشارت إلى أن الثورة الصناعية في المستقبل سترسم معالم المشهد الاقتصادي في العالم، خاصة أنها باتت ترتبط بقضايا الاستدامة وثورة المعرفة والتقنية الحديثة والثورة الرقمية.
واستهل الأستاذ محمود محمد شريف، مدير إدارة الدراسات الاقتصادية في “مركز تريندز للبحوث والاستشارات”، حديثه في هذه الحلقة النقاشية عن الفرص المرتبطة بالاستدامة والتنقل، وقال إنه من المنظور الاقتصادي يتعين بداية التفرقة بين نموذج النمو ونموذج الدخل، وهذا الأخير عبارة عن الدخل التقليدي الذي يتكون من البيئة التي تشمل بالإضافة إلى التكنولوجيا مناخ الحرية الاقتصادية والتشريعات والقدرة على اقتراح الأفكار الجديدة التي تؤدي إلى حدوث قفزة إلى الأمام فيما يتعلق بالنمو الاقتصادي، ومن ثم يرتبط هذا الجزء بشكل أساسي بمفهوم الثورة الصناعية الرابعة التي تركز بشكل أساسي على تقنية المعلومات.
وأكد الأستاذ محمود شريف أن صياغة الأفكار لها قيمتها المهمة التي لم تعد جزءاً من التكنولوجيا وإنما باتت جزءاً منفصلاً بذاتها حتى إن أي نموذج اقتصادي في المستقبل لابد من أن يأخذ في الاعتبار هذا الجزء المهم الخاص بالأفكار. كما أكد الأستاذ شريف أن أبرز توجهات الثورة الصناعية في المستقبل تشمل مجالات عديدة ومهمة من ضمنها إنترنت الأشياء والحوسبة الخارقة والوظائف المرموقة، والروبوتات والبتكوين والبلوك تشين، وهناك عناصر أخرى مهمة مثل صياغة الأفكار والبيئة الممكنة للنمو الاقتصادي.
وتحدث الأستاذ محمود شريف عن العديد من الفرص التي ستنشأ عن هذه التوجهات في مختلف المجالات، خاصة في مجالات الرقمنة والهندسة الحيوية وعلم الأحياء والسيارات ذاتية القيادة، كما أشار إلى بعض المبادرات التي ترتبط بالجانب المالي، وقال إن الأشياء الأكثر أهمية هي سرعة التحويلات المالية، فكلما كانت أكثر سرعة وأعلى كفاءة كانت أفضل، ورأى أن الذكاء الاصطناعي سيلعب دوراً مهماً في المجال المالي، خاصة في ظل سهولة الوصول إلى الخدمات المالية، وإزالة الوسطاء وتخفيف الجوانب الإدارية، كما سيكون هناك اعتماد على التقنية المالية، والتسويق الأكثر فعالية وخدمة العملاء بصورة أفضل وأكثر كفاءة، وهذا من شأنه أن يؤدي إلى خفض درجة المخاطر.
وتحدث الأستاذ محمود شريف، عن أبرز ملامح الثورة الصناعية الخامسة، التي تتمثل في التفاعل بين البشر والآلات، فالبشر يمثلون عنصراً رئيسياً في هذه الثورة، بالإضافة إلى الذكاء الاصطناعي الذي سيزيد من الإنتاجية، وتقنية البلوك تشين التي تشكل عنصراً مهماً في هذه الثورة، وخاصة فيما يتعلق بالتحويلات المالية والمعاملات الائتمانية.
ومن جهته، تحدث يوشي ليو، مدير إدارة بحوث الاقتصاد الكلي، في معهد تشونغ يانغ للدراسات المالية بجامعة رينمين، في الصين، والخبير في شؤون التكنولوجيا المالية وأبحاث العملات الرقمية، عن الصناعات الجديدة ورأس المال في الصين، مشيراً إلى أن هناك أربعة محفزات للثورة الصناعية المقبلة في الصين، أولها صناعة الرقائق الإلكترونية حيث تنتج الصين 15.9% من احتياجاتها من الرقائق الإلكترونية البالغ قيمتها 143.4 مليار دولار عام 2020، مرتفعاً من 10.2% قبل عشر سنوات في عام 2010. وتشير التوقعات إلى أن هذه النسبة سترتفع إلى 19.4% عام 2025.
وثاني هذه المحفزات هي إنترنت الأشياء، حيث من المتوقع أن يصل إنفاق الصين على إنترنت الأشياء نحو 300 مليار دولار بحلول عام 2024، بمعدل نمو سنوي يبلغ 13% خلال الأعوام الخمسة المقبلة. وفي عام 2024 سيصل حجم إنفاق الصين على إنترنت الأشياء نحو 26.7% من الإنفاق العالمي على هذا القطاع، وتأتي بعدها الولايات المتحدة في المرتبة الثانية بنسبة 23.8%، ثم دول غرب أوروبا بنسبة 23.4%. وسيبلغ حجم صناعة إنترنت الأشياء في الصين خلال عام 2020 نحو 1.7 تريليون يوان، وفي عام 2019 بلغ عدد اتصالات إنترنت الأشياء 3.63 مليار اتصال، ومن المتوقع أن يرتفع هذا الرقم عام 2025 ليبلغ 8.01 مليار اتصال.
وثالث هذه المحفزات هو التجارة الرقمية، حيث بلغ حجم سوق هذه التجارة في الصين أكثر من 270 مليار دولار، حتى يونيو عام 2020 بلغ عدد الأفراد الذين تسوقوا عبر الإنترنت 749 مليون شخص، بنسبة 79.7% من إجمالي عدد مستخدمي الإنترنت في الصين، وهناك العديد من الأمثلة على هذه التجارة الرقمية التي من المتوقع أن تتزايد خلال الأعوام المقبلة.
ورابع هذه المحفزات هو البنية التحتية للإنترنت، حيث يوجد في الصين نحو 940 مليون مستخدم للإنترنت، كما يبلغ عدد مستخدمي الفيديو على الإنترنت نحو 888 مليون شخص، فيما يبلغ عدد مستخدمي الخدمات الحكومية الإلكترونية نحو 773 مليون شخص بنسبة 82.2% من عدد مستخدمي الإنترنت في البلاد. وتعكس هذه الأرقام مدى ضخامة البنية التحتية الإلكترونية في الصين.
وأشار يوشي ليو إلى أن تمويل الثورة الصناعية المقبلة في مختلف المجالات يحتاج إلى استثمارات ضخمة، وما يسهل ذلك امتلاك المعلومات والبيانات الأساسية التي تتيح عملية الاستثمار بنجاح.
وتحدث الأستاذ ليو عن أبرز سمات الثورة الصناعية المقبلة، وذكر أن من بينها القدرة على التسامح مع ارتكاب الأخطاء، والمهارات التعليمية العالية، بالإضافة إلى الحرية الفردية والتنوع، مشيراً إلى أن البشر الأكفاء سيكون لهم دوراً مهماً في هذه الثورة إذ إنهم من سيشغلون أنظمة الذكاء الاصطناعي بكفاءة وليس الذكاء الاصطناعي نفسه.
تجربة الهند في مواكبة الثورة الصناعية الرابعة
واستعرض الدكتور سوراب بانديوباديا، زميل لدى المجلس الوطني للبحوث الاقتصادية التطبيقية في الهند، تجربة بلاده في التعامل مع مشكلة ندرة الموارد والكيفية التي تبنّـتها من أجل تحقيق نموٍ كافٍ وقادرٍ على مواكبة الثورة الصناعية في مرحلتها الرابعة في ظل هذا الشح الملحوظ على مستوى الموارد. وقارن الدكتور سوراب في هذا السياق بين الهند وجارتها الكبرى الصين فيما يتعلق بالدخل القومي من الإنتاج الزراعي حيث تصل هذه النسبة في الهند إلى 66% من إجمالي الدخل القومي في حين تصل إلى 40% في الصين فقط، وهذه المقارنة توضح حجم الاستثمارات الهندية في القطاع الزراعي كأحد الموارد الأساسية للاقتصاد الوطني.
كما أكد الدكتور سوراب بانديوباديا ضرورة تناول موضوع الموارد والشح الذي تتسم به من منظور مختلف يتناسب مع التحديات الجديدة المرتبطة بالثورة الصناعية الرابعة، وذلك من خلال تبنّي مقاربات جديدة في إطار مجموعة واسعة من العوامل تشمل الحاجة المتزايدة إلى تنمية الدخل وتوسيع قاعدة روافده ومعالجة المشكلات المتولدة عن الهجرة من المناطق الريفية نحو المدن، دون إغفال مستويات توظيف التكنولوجيا ومهارات الابتكار.
محركات الثورة الصناعية المقبلة
وتطرق د أنتوني باتزوكاس، استشاري سياسات النظم المالية والشركات في المملكة المتحدة في مداخلته أمام هذه الحلقة النقاشية إلى الاتجاهات المستقبليةالكبرى ، حيث أشار إلى أن هناك ثلاث نقاط رئيسية، الأولى تتعلق بتحول النقاش حول التنمية المستدامة من التركيز على الموارد ورؤوس الاموال اللازمة لتحقيق اهدافها إلى التركيز على السياسات و كيفية “إعادة البناء بشكل أفضل”، مما يخلق الكثير من الفرص ويساعد في توليد أفكار جديدة تسهم في الرفع من مستوى الابتكار العالمي. والنقطة الثانية ترتبط بالتحول الذي شهدته الرقمنة أيضًا. فقبل عشرين عامًا، كان منظور الرقمنة خطيًا؛ فأنت تبني وتستثمر في البنية التحتية وسيستخدم الناس تكنولوجيا المعلومات والاتصالات. أما اليوم، فتعمل إنترنت الأشياء والذكاء الاصطناعي على التغيير الجذري لمشهد هذا القطاع وتصور الناس للرقمنة. والنقطة الثالثة تتمثل في التحولات البنيوية الجارية في السوق. ومن المعلوم أن الاقتصاد العالمي ينطوي على مجال معرفي غني ويشكا انتشاره عاملا مهما تحدده هيكلية الاسواق المحلية على مستوى الدول. كما تجدر الاشارة في هذا السياق إلى أهمية حصوا المنتجين على معرفة كاملة بالسوق المحلي وانفتاح على السوق العالمية.
وتناول الدكتور عبد الإله درندري، خبير اقتصادي وباحث أول في مركز الملك عبدالله للدراسات والبحوث البترولية في المملكة العربية السعودية، تجربة المملكة في مواكبة متطلبات الثورة الصناعية المستقبلية والعمل على امتلاك أدواتها، مشيراً إلى أن السعودية تسعى الى تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري والاعتماد بصورة أكبر على مصادر الطاقة المتجددة، كما أنها تتبنّى استراتيجية واضحة للانخراط في الثورة الصناعية المستقبلية من خلال الاستثمار في الاستدامة والتكنولوجيا المتقدمة وخاصة الذكاء الاصطناعي وتطوير الصناعات النوعية وإضافة المزيد من الوظائف؛ من أجل تعزيز مسيرة النمو الاقتصادي وبالشكل الذي ينعكس بصورة إيجابية على مظاهر الحياة كافة.
وخلص المشاركون في هذه الحلقة النقاشية إلى نتائج عدة أبرزها أن الثورة المعرفية والتكنولوجية هي المحرك للنمو المستقبلي والمحفز للفرص المستقبلية، وأن الثروة البشرية الماهرة التي تمتلك المهارات التقنية ستعزز من قدرات الدول في الاستفادة من الثورة الصناعية المستقبلية، إضافة إلى ضرورة بناء نماذج أعمال مستدامة وتوفير التمويل اللازم لها من أجل استدامة النمو وإنعاش اقتصاديات الدول.


تعليقات الموقع