قبل أن ينهي المهندس عمران شرف مدير برنامج الإمارات لاستكشاف المريخ، ذلك الشاب اللامع الذي يعتبر نموذجاً لأبناء الإمارات المبدعين، جملته التي أعلن فيها عن وصول “مسبار الأمل” إلى مداره في الكوكب الأحمر بنجاح، كان واضحاً في لحظة سوف تبقى خالدة في الذاكرة أن الرهان نجح وأن حلماً جديداً حققته دولة الإمارات وأهدته لأمة تحن إلى استعادة مجدها وألقها وبريقها، لأمة غابت أو غُيبت قسراً عن السباق الحضاري بعد أن كانت المنارة التي تسير بهديها الأمم والشعوب، لقد كانت لحظات معبرة نسينا خلال متابعتها كل شيء آخر ونحن نواكب بفخر واعتزاز كيف أن كوكبة من أبناء الإمارات يؤكدون بعملهم وإنجازهم القدرة على تحقيق ما قد لا يمتلك شجاعة التفكير فيه الكثير من الأمم التي تسبقهم بالعمر الزمني.
لقد تمكنت دولة الإمارات بقيادتها الرشيدة وأصالة شعبها وتجربتها الثرية القائمة على عزيمة لا تلين وبناء أجيال تتمتع بالفكر المتقد من تغيير الكثير من المفاهيم، وباتت تلهم العالم بأن الإنسان قادر على عمل كل ما يراه البعض مستحيلاً، وخلال 50 عاماً من تأسيس الدولة على يد المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان “طيب الله ثراه”، برهنت الإمارات أنه ليس الزمن وحده المتسارع والذي يغص بالتطورات والتحديات فقط.. بل إن عمر الدول الحقيقي بات يقاس بحجم الإنجازات والنجاحات وليس بعدد السنوات، وأن الأوطان عندما تكون على قلب واحد وتؤمن بالقدرة على تحقيق الطموحات وكيفية بناء الإنسان والاستثمار في الطاقات البشرية سوف تنجح وتتقدم وتكون فاعلة في صناعة الحضارة، وها هي الإمارات تواصل مسيرتها المشرفة وهي أكثر عزيمة وحماسة وتدشن الاستعداد للخمسين عاماً المقبلة عبر فتوحات علمية كبرى ومن أهمها وصول “المسبار” إلى مدار كوكب المريخ، ولنا أن نتصور ما ينعم به أهل هذا الوطن من قدرات وعزيمة خاصة أن كل إنجاز أو نجاح يتم تحقيقه لم يكن يوماً يشكل سقفاً للطموحات، بل مرحلة ومحطة يتم الاستناد إليها لما سيليها، فالطموح الوطني الإماراتي لا يعرف الحدود والنجاحات الكبرى متفردة ورائدة ومن هنا لنا أن نتصور المستقبل المشرق الذي لا تنتظره الإمارات بل تعمل له وتمكن أبنائها من مفاتيحه ومقوماته، فالإنجازات لا تأتي صدفة ولا تُوهب ولا تطرق أبواب أحد، بل لا تتم إلا من خلال الجهد والعمل والعزيمة والتمكين والتأهيل، وأن يكون المريخ محطة في مسيرة دولة الإمارات، فهو دليل على الإبداع الذي أهدته بتواضع لأمة لم تغب قضاياها وآمالها وآلامها عن الإمارات التي كانت دائماً مع القضايا المحقة والعادلة وتحظى بمكانة في نفوس العالم لم تصلها دولة يوماً، ولاشك أن ما تقوم به يجب أن يكون محفزاً للجميع قيادات وشعوب في عالمنا العربي لشحذ هممهم والانتقال من التفكير التقليدي إلى المنطق والواقعية ودخول السباق مع الزمن وقطاره الذي ينطلق بسرعة كبيرة نحو الغد، فالمناهج التي عفا عليها الزمن وباتت من الماضي آن لها أن تتغير وتكون قادرة على بناء عقل سليم منفتح وواعٍ ومؤهل لما يتطلبه الزمن الحاضر، وكذلك الشعارات البراقة والخطب الحماسية والكلمات الرنانة لم تعد تناسب الزمن المنفتح، والعلم هو زاد الشعوب وكلمة السر الكفيلة بفتح جميع الأبواب، والقيم هي ما يرتقي بالإنسان ويزيل كل عوائق النمو الطبيعي ويمهد الطرق للإبداع والابتكار عندما يترفع أصحاب الشأن فوق الكثير من الأمور، وتكون كفيلة بإيجاد المبدعين الذين لا يحد قدراتهم أي شيء.
***
***
في العقد الأخير من تاريخ أمتنا، فإن الإنجازات العربية الحقيقية هي ما حققته دولة الإمارات من نجاحات قل نظيرها وكللتها بوصول “مسبار الأمل” إلى مداره في كوكب المريخ من المرة الأولى، في حين كان كل ما رأيناه في عدد من الدول التي شهدت أحداثاً مؤسفة عبارة عن صراعات حاول البعض تغطيتها بالشعارات والكلمات البراقة، فانهارت حصون ودُمرت دول وتبين الكم الهائل من الضياع جراء رواسب كثيرة ووجوه حاولت أن تفصّل كل شيء على مقاسها فغابت فكرة الأوطان ودولة المؤسسات وطغت الطفيليات القادمة من غابر الزمان على المشهد لتستعرض جهلها وهي تتوعد وتهدد في انفصال تام عن أبسط مقومات الواقعية الواجبة وما يجب أن يكون عليه الإنسان.
وبالتالي اليوم هل تدرك تلك الفئة التي حاولت تصدر المشهد في عدد من الدول منذ مأساة ما سمي بـ”الربيع العربي” أن:
-الثورات الحقيقية التي ينتصر بها الإنسان.. ثورات العقل والعلم وليس الزعيق والصراخ في الشوارع والتمترس بالساحات، ثورة العمل والجد والعزيمة وليس اليأس والتعويل على كل الطرق المحظورة لتحقيق أي هدف كان.
-الثورة هي العمل للوطن والإخلاص له وليس التنظير والارتماء في أحضان أعداء الأمة وادعاء الثورية الزائفة.
-الثورة معناها الأخلاق والتواضع والإنجازات الحقيقية وليس تنطح البعض بكامل أناقتهم أمام العدسات في فنادق الـ5 نجوم خارج الحدود وادعاء بطولات وهمية زائفة دون أن يكون لهم أي تمثيل حقيقي.
-الثورة يقوم بها العقل المبدع الذي يتم التعامل معه كأغلى الثروات وتسليحه بالعلوم وأحدث ما توصل إليه العقل البشري، وليست العقول الجامدة الغارقة في الجهل والماضي والتي لا يعشش فيها إلا فكرة إقصاء الآخر.
-الثورة الحقيقية ثورة القلوب المفتوحة التي تنبض بالمحبة والسلام والانفتاح الإنساني وقبول الآخر المختلف وأن تتمنى له ما تريده لها، وليست القلوب التي تغلي بالرفض والكره ومعاداة المختلف لأي سبب كان.
-الثورة أن يفكر الإنسان في الحاضر والغد وكيفية الاستعداد لمستقبل يكون مشرقاً للأجيال وليس التغني بأمجاد مضت وباتت من قديم الزمان دون أن تتم الاستفادة حتى من دروسها وعبرها، فالتاريخ عظيم بما يقدمه من حكم وعِبر ومُثل لكنه لا يكفي بمفرده لبناء أمم ما لم يتم البناء عليه، فكم من حضارات قامت واندثرت وكأنها لم تكن موجودة يوماً.
-الثورة أن يسلك الإنسان السبل التي تمكنه من مفاتيح العصر خاصة أن العالم يعيش في زمن شديد التغير وبالتالي فالمرونة والتأهيل للتعامل مع ذلك من أسس النجاح، أما التعويل على التصلب والتشنج والشعارات فلم تعد إلا عنواناً للجمود وعدم القدرة على مواكبة الزمن وقطاره المنطلق بأقصى سرعة نحو المستقبل لن ينتظر المتقاعسين عن اللحاق به أو المشاركة بزخمه.
-الثورة هي البناء في كل شيء وليس الهدم أو التسبب به، وأن العلم وحده من يستحق هذه الصفة.. فهل من شجاعة لدى البعض للمراجعة والاحتكام بشجاعة إلى العقل والضمير؟.
****
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.