اتجاهات مستقبلية
استراتيجية بايدن “المزدوجة” تجاه إيران
كشف القصف الأمريكي في شرق سوريا، الذي استهدف ميليشيات عراقية مدعومة من طهران، عن تبني إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن استراتيجية مزدوجة تجاه إيران تشمل بعداً دبلوماسياً لمعالجة أزمة الملف النووي الإيراني، وبعداً آخر عسكرياً يستهدف توجيه رسائل لإيران بأن عليها أن تضبط تحركات فصائلها المسلحة سواء في العراق أو سوريا.
لقد أثارت إدارة بايدن المخاوف مما اعتبره كثيرون “تساهلاً” مع إيران، بدت ملامحه في ما قدمته من تنازلات عديدة، من بينها رفع اسم الحوثيين – وكلاء إيران في اليمن – من قائمة الإرهاب، والتراجع عن مطالبة إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب مجلس الأمن الدولي بإعادة فرض آلية العقوبات على طهران، وتخفيف قيود السفر المحلية على الدبلوماسيين الإيرانيين؛ وأخيراً، وربما ليس آخراً، الموافقة على مقترح أوروبي لعقد مباحثات مباشرة مع إيران والأطراف الخمسة الأخرى الموقعة على الاتفاق النووي بغرض إحيائه.
واعتبرت إيران، من جهتها، أن بايدن حريص على إحياء الاتفاق النووي، واستنتجت أنه يمكنها استغلال هذا الحرص لتحقيق أكبر مكاسب ممكنة، فصعدت كعادتها من ضغوطها ومارست أقصى درجات التشدد وأوعزت إلى ميليشيات مسلحة تدعمها بشن هجمات عسكرية على القوات الأمريكية في العراق. كما بدأت في تقييد أعمال المفتشين النوويين التابعين لمنظمة الأمم المتحدة في مراقبة برنامجها النووي، وهدد المرشد الأعلى على خامنئي برفع نسبة تخصيب اليورانيوم إلى 60%، ورفضت المقترح الأوروبي بعقد مباحثات تجمعها بالولايات المتحدة لإحياء الاتفاق النووي.
ويبدو أن واشنطن أرادت أن توجه رسالة إلى إيران مفادها أن الحرص على إحياء الاتفاق النووي، لا يعطيها حصانة من الوقوع تحت طائلة العقاب؛ فشنت قوات أمريكية قصفاً جوياً في شرق سوريا، استهدف بنى تحتية لفصائل عراقية تعتبرها الولايات المتحدة “مدعومة من إيران”، وأكدت أن هذا القصف جاء رداً على استهداف قواتها ومصالحها في العراق؛ وكأن بايدن أراد أن يقول صراحة أن الاتفاق النووي لن يجعله يقف مكتوف الأيدي أمام أنشطة إيران وتحركاتها الإقليمية المزعزعة للأمن والاستقرار.
وبرغم أن تأثير القصف الجوي الأمريكي قد يكون ضئيلاً على الأرض، فالمؤكد أنه حمل رسائل سياسية محددة، خاطبت أطرافاً عدة؛ فمن جهة التأكيد لطهران أن الولايات المتحدة لن تتردد في الرد عسكرياً على أي هجمات تشنها أطراف تدعمها إيران ضد مصالحها؛ ومن جهة ثانية، أن على طهران ألا تبالغ في توظيف رغبة أمريكا في إحياء الاتفاق النووي في تعظيم نفوذها الإقليمي؛ ومن ناحية ثالثة التأكيد لدول المنطقة أن واشنطن قادرة على لجم أنشطة إيران الساعية إلى زعزعة استقرار المنطقة وتحقيق طموحاتها الإقليمية.
ويظل السؤال المطروح هو: هل تنجح هذه الاستراتيجية الأمريكية المزدوجة في دفع إيران إلى استئناف التزاماتها المنوطة بها بموجب الملف النووي، وربما إبرام اتفاق جديد، والتوقف عن أنشطتها المزعزعة للاستقرار، والتخلي عن سياساتها التدخلية في شؤون دول المنطقة؟ الإجابة ستتوقف بالتأكيد على مدى عزم الإدارة الأمريكية على مواصلة هذا النهج بما يكفل حل مشكلتي البرنامج النووي والتدخلات الإقليمية الإيرانية السلبية معا، مع العلم أن نجاح أي استراتيجية أمريكية تجاه طهران، يقتضي مشاركة دول المنطقة المعنية في أي مفاوضات مقبلة معها، وأخذ مخاوف هذه الدول التي تتعلق بالطموحات الإقليمية لإيران وبرامجها الصاروخية في الاعتبار.
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.