في ندوة لـ"تريندز" تحت عنوان "ثورة المعرفة وآفاق التنمية الاقتصادية العالمية"

خبراء اقتصاديون: المعرفة ورأس المال البشري أهم مرتكزات التنمية الاقتصادية في المستقبل

الإقتصادية الرئيسية

 

 

 

أبوظبي – الوطن:
نظم “مركز تريندز للبحوث والاستشارات”، ندوة عن بُعد، تحت عنوان “ثورة المعرفة وآفاق التنمية الاقتصادية العالمية”، شارك فيها مجموعة من الخبراء الاقتصاديين الدوليين، لمناقشة معالم ثورة المعرفة التي يعيشها العالم في الوقت الراهن، وآثارها على التنمية الاقتصادية العالمية في السنوات المقبلة.
وفي بداية فعاليات هذه الندوة، أعرب الدكتور محمد عبد الله العلي رئيس مجلس إدارة “تريندز” في كلمته الترحيبية، والتي ألقتها بالنيابة عنه الأستاذة اليازية الحوسني الباحثة بالمركز، عن شكره وتقديره للباحثين والخبراء المشاركين في نقاشاتها، والتي تتناول واحدة من القضايا المهمة التي ترتبط بمستقبل الاقتصاد العالمي خلال الخمسين عاماً المقبلة، وهي ثورة المعرفة وعلاقتها بالتنمية الاقتصادية. وأكد العلي أن المعرفة لم تُعد فقط أهم مرتكزات التنمية الاقتصادية في عصرنا الراهن، وإنما تحولت إلى أداة لقياس قوة الدول ونفوذها، ولهذا فإن الاستثمار في المعرفة وبناء الخبرات البشرية المؤهلة أصبحت ضرورة لا غنى عنها لاقتصاد المعرفة الذي يُشكل الملمح الرئيسي للاقتصاد العالمي .
المعرفة – وليس النفط – ستقود الاقتصاد في المستقبل
أدار فعاليات هذه الندوة د بول ريفلين، زميل باحث أول بمركز موشيه ديان لدراسات الشرق الأوسط وأفريقيا بإسرائيل، الذي أكد أن النفط كان في السنوات الماضية أهم عنصر في الاقتصاد، لكن في الوقت الحالي أصبحت المعرفة وما يرتبط بها من بيانات ومعلومات هي العنصر الأهم، ولذلك ينبغي أن تتاح المعرفة للجميع وأن يتم تداولها بين الأشخاص جميعهم بسهولة.
وأكد د بول ريفلين إن المعرفة بعضها يتم تمويله من جهات عامة، وبعضها من قبل جهات خاصة، وتؤكد الجهات العامة، كما في بريطانيا، على ضرورة إتاحة الفرصة للوصول بسهولة إلى هذه المعرفة ودون وجود أي رسوم على ذلك، غير أن المعرفة التي تمولها الجهات الخاصة حقوق ملكيتها الفكرية لهذه الجهات. وأشار ريفلين إلى أنه كلما زادت الاستثمارات في اقتصاد المعرفة ازدادت العائدات على رأس المال البشري، والعكس بالتالي صحيح، وأكد أنه تتوافر الوسائل التكنولوجية كافة لنشر المعرفة أكثر من ذي قبل، والعمل على إحداث ثورة في التعليم وطريقة التدريس، بحيث يزداد الاهتمام بالطرق الحديثة التي تقوم على التعلم والتشجيع على الاستقراء والاستنباط، مع الابتعاد عن الطرق التقليدية والقديمة.
اقتصاد المعرفة ورأس المال البشري
وتناول د. جرايم ليتش، الرئيس التنفيذي وكبير الاقتصاديين باستشارات الاقتصاد الكلي في المملكة المتحدة، في كلمته أمام الندوة، العلاقة بين اقتصاد المعرفة ورأس المال البشري، مشيراً إلى أن المعرفة ورأس المال البشري عاملان مهمان في تحديد النمو الاقتصادي المستقبلي. وأكد أن العالم سيشهد نماذج اقتصادية جديدة في المستقبل ستكون مبنية بالأساس على الاقتصاد الرقمي، وهناك إجماع من قِبل العديد من الخبراء على أن الوقت الحالي من أكثر الأوقات تعقيداً؛ لأن هناك تكنولوجيا متقدمة فيما يوجد في الوقت نفسه نمو اقتصادي متباطئ وهو أمر محير جداً، وهذا يعيد إلى الأذهان حقبة الثمانينيات في القرن الماضي، حينما كان هناك حديث عن التناقضات التي بدأت تطفو على سطح الاقتصاد العالمي مع زيادة الإنتاجية في ظل وجود بعض أوجه القصور في الأداء الاقتصادي وغياب التكنولوجيا المتقدمة.
وأوضح ليتش أن من الأسباب التي تقف وراء هذا النمو البطيء برغم وجود التكنولوجيا المتقدمة في الوقت الحالي، هو التغير الذي يحدث بين الأجيال، والحياة الافتراضية القائمة وما تحتويه من تجارة إلكترونية. وتوقع ليتش تسارع وتيرة النمو الاقتصادي في المستقبل، مشيراً إلى أن بعض الحائزين على جائزة نوبل في مجال الاقتصاد تحدثوا عن بعض المظاهر الجديدة للاقتصاد في المستقبل، منها ثورة التكنولوجيا والمعرفة الحالية، وازدياد أهمية رأس المال البشري في الاقتصاد الحالي القائم على المعرفة، وعلى المدى الطويل فإن هذا العامل سيحدد الكثير من مؤشرات الأداء الاقتصادي لدول العالم.
وتحدث ليتش عن الاقتصاد الرقمي، مشيراً إلى أن شركات، مثل: “فيسبوك” و”نتفليكس” و”جوجل”، لها إنتاجية عالية وتحقق أرباحاً كبيرة، وفي المستقبل قد تحدث الكثير من الأمور التي تشجع على الاقتصاد الرقمي، وعلى سبيل المثال ففي ظل جائحة كورونا، كان هناك تحوّل وتوجه نحو الاقتصاد الرقمي، وهذا الأمر سيتزايد في المستقبل، فمعظم الشركات إن لم تكن كلها ستتجه إلى الممارسات الرقمية.
محركات اقتصاد المعرفة: الآفاق المستقبلية
وتطرق ويلسون إيرومبور، كبير الاقتصاديين بمجموعة القمة الاقتصادية في نيجيريا، في كلمته أمام الندوة إلى مرتكزات اقتصاد المعرفة، مشيراً إلى أن هناك العديد من العوامل التي ستشكل محركات أساسية لنمو الاقتصاد العالمي المستقبلي من بينها: العولمة والتغير المناخي والتطورات التكنولوجية والأوبئة والانتشار الموسع لريادة الأعمال المبنية على الرقمنة.
وأكد ويلسون إيرومبور أن نيجيريا تعد نموذجاً في التعامل مع المتغيرات الناجمة عن التطورات التكنولوجية ومواكبتها بما يعود بالنفع على الإنتاج الاقتصادي. وأوضح أن نيجيريا حاولت استغلال اقتصاد المعرفة عبر وضع ثلاثة سيناريوهات، تقوم على اقتراح افتراضات لنماذج اقتصادية من أجل تسليط الضوء على خدمات التكنولوجيا وإنتاجية الفرد وكيفية استغلال النفط والتفكير في مرحلة الانتقال إلى ما بعده. وقد كان لهذا دوره في جعل اقتصاد نيجيريا من أفضل اقتصادات القارة الأفريقية، والنتيجة كانت صياغة رؤية مشروع 2050 وهي خطة توجد قيد التنفيذ حالياً وقد خصصت لها جلسة وطنية لمتابعة مضامينها.
كما أوضح إيرومبور أن تطور النظام التعليمي يوفر الرأس المال البشري الضروري لتطوير العملية الإنتاجية والشيء نفسه ينطبق على البنية التحتية لتحصيل المعلومات والبيانات ومعالجتها وبالتالي المساهمة بشكل فعال في الانتقال إلى اقتصاد المعرفة. وأشار إلى العولمة باعتبارها محركاً أساسياً لاقتصاد المعرفة لما أتاحته من فرص انفتاح الاقتصاد العالمي وإشاعة استخدام المبتكرات التكنولوجية، الأمر الذي كان له دوره في تجنب ضغوطات العمل الروتينية وتوفير الجهد والمال والوقت في علمية الإنتاج.
ومن جانب آخر أشار إيرومبور إلى عامل التغير المناخي الذي لا يمكن تجاهل تبعاته على النشاط الاقتصادي عبر العالم، فالكوارث الطبيعية من حرائق وفيضانات وجفاف تؤثر بشكل واضح في الإنتاج الزراعي، وهذا لا بد أن يكون حافزاً للتفكير في ابتكار بدائل تجنب العالم الكوارث البيئية، وهنا يأتي الأمل المعقود على الاستثمار في البنية التحتية وخاصة فيما يرتبط بالطاقة النظيفة. والأمر نفسه يقال عن الأمراض والأوبئة، فـ “كوفيد19” حتم على الحكومات والشركات طرح العمل عن بُعد كبديل عن مقار العمل وكان لهذا أثر إيجابي حيث اكتشف الكثيرون أهمية التكنولوجيا ليس في جعل ذلك ممكناً فقط بل في جعله مريحاً ومنتجاً أكثر أيضاً، وهذا يعطي انطباعاً إيجابياً حول ازدهار ريادة الأعمال في المستقبل.
دور الحكومات في اقتصاد المعرفة – محفزاً ومراقباً
وسلط مارك أوستوالد، كبير الاقتصاديين واستراتيجي عالمي بشركة آرتشر دانيلز ميدلاند لخدمات المستثمرين الدولية في المملكة المتحدة، الضوء على الدور الذي تقوم به الحكومات في اقتصاد المعرفة، مشيراً في هذا السياق إلى أن أحد الدروس المستفادة من جائحة كورونا أنها أثبتت أن دور الحكومات جوهري في توجيه الموارد لمواجهة الأزمات الحديثة، وأكد أنه في زمن ثورة المعرفة نحن نتوق إلى بعض الاستقرار، لكننا بحاجة إلى فهم أن الاستقرار يمثله التغيير المستمر.
وأوضح السيد مارك أوستوالد أن دور الحكومات يتمثل في تحفيز اقتصاد المعرفة وتدعيم الابتكارات، وإيجاد الحلول التحويلية والعمل بشكل متسارع لترسيخ صيغ منهجية للخروج من التحديات السابقة التي شهدتها العمليات الاقتصادية والمشكلات التي واجهت الاقتصاد العالمي خلال جائحة كورونا. ودعا الحكومات إلى بذل جهود أكثر على مستوى الاهتمام بالتعليم لتنمية رأس المال البشري وبما يفضي إلى ابتكارات تواكب اقتصاد المعرفة.
الفرص والتحديات النابعة من اقتصاد المعرفة
واستشرف دين بيكر، كبير الاقتصاديين بمركز البحوث الاقتصادية والسياسية في الولايات المتحدة الأمريكية، في كلمته أمام الندوة آفاق اقتصاد المعرفة والفرص التي يوفرها والتحديات التي ينطوي عليها، مشيراً في هذا السياق إلى أن التمويل الحكومي للأبحاث يمكن أن يكون مردوده منفعة عامة، مقارنة بالتمويل الخاص الذي يقوم على الاحتكار لبراءات الاختراع والابتكارات استناداً إلى منطق السوق والمنافسة الحرة.
وأوضح بيكر أن الولايات المتحدة الأمريكية تنفق 40 مليار دولار على البحوث الطبية والصحية، وهذا كان وراء العديد من الابتكارات والاختراعات في الآونة الأخيرة، الأمر الذي يؤكد أنه كلما زاد الإنفاق على البحوث تضاعف مرودها على التنمية الاقتصادية الشاملة. كما ظهرت الآثار الإيجابية للإنفاق الحكومي على البحوث الطبية في التقدم الهائل في مواجهة الأمراض والفيروسات والأوبئة على النحو الذي بدا واضحاً مع جائحة “كوفيد19”.
ولفت بيكر الانتباه أن هناك العديد من القواعد المنظمة لبراءات الاختراع والابتكارات، فلا يمكن أن تكون متاحة للجميع للاستفادة منها، لأن الحكومات والشركات التي تقف وراءها أنفقت مليارات الدولارات على البحوث والعلماء حتى تتوصل إليها، ومن ثم فإنها لا يمكن أن تتنازل بسهولة عن حقوق الملكية الفكرية أو توفر المعلومات المتاحة للآخرين دون مقابل أو قيود معينة، ولذلك فهي تخفي أكبر قدر من المعلومات عن منافسيها. وركز بيكر أن جائحة كورونا أكدت أهمية تركيز التمويل الحكومي على الأبحاث الطبية والصحية من أجل سرعة التوصل إلى اللقاحات، حتى يمكن التصدي للفيروسات التي قد تحدث في المستقبل.
وأشار دين بيكر إلى أنه برغم تعاون الولايات المتحدة الأمريكية والصين في العديد من القضايا، فإن ثمة خلافات بينهما حول قضية الملكية الفكرية، وربما يتحول ذلك إلى نزاع في العقد المقبل، خاصة أن العديد من الشركات الصينية لا تزال تنتهك الملكية الفكرية. وشدد بيكر في نهاية كلمته على أهمية التعاون بين دول العالم من أجل التوصل إلى حلول بشأن كيفية الاستفادة من البحوث والبيانات في دعم عملية التنمية مع مراعاة حقوق الملكية الفكرية.
وخلص المشاركون في هذه الندوة إلى ضرورة الاهتمام بتطوير نظم التعليم لجسر هوة الفجوة القائمة بين مخرجات التعليم الحالي ومتطلبات سوق العمل المستقبلي المستند إلى التقنيات الرقمية، والعمل على تعزيز قيم الابتكار والاهتمام بالمبتكرين، باعتبارها من أهم محركات النمو الاقتصادي المستقبلي، وتعزيز الاستثمارات في البحوث مفتوحة المصدر الممولة من القطاع العام، باعتبارها طريقاً واعداً لمستقبل اقتصاد المعرفة. كما أوصى المشاركين بضرورة الاهتمام بالطاقة النظيفية التي تساعد على ترسيخ اقتصاد أزرق يقوم على تنمية الموارد المائية لتكون بديلاً عن الطاقة الأحفورية.
وتعد هذه الندوة هي الفعالية الثالثة ضمن منتدى “اتجاهات المستقبل.. العالم في عام 2071″، الذي دشنه “مركز تريندز للبحوث والاستشارات” بهدف استشراف مسارات التحول في العالم خلال الخمسين عاماً المقبلة في المجالات كافة، السياسية والاقتصادية والأمنية والعسكرية والتكنولوجية والثقافية، وكيفية الاستعداد المسبق لها من جانب الحكومات المختلفة. وناقشت الندوتان السابقتان موضوعَي تأثير الفضاء في إعادة تصميم مستقبل البشرية، ونماذج النمو الاقتصادي الجديدة في الخمسين عاماً المقبلة.
وفي نهاية فعاليات هذه الندوة، أكد الأستاذ أحمد محمد الأستاد المدير العام لمركز “تريندز للبحوث والاستشارات” أن ثورة المعرفة والمدعومة بالتكنولوجيا المتقدمة والابتكار ستقود التطور الاقتصادي العالمي خلال الخمسين عاماً المقبلة، وأن الدول التي لن تواكب هذه الثورة ستظل جامدة وربما تتراجع في مؤشرات التنمية الشاملة والمستدامة. وأكد الأستاد أن المقترحات والتوصيات الثرية التي قدمها الخبراء والباحثون المشاركون في هذه الندوة ترسم خارطة طريق واضحة لكيفية توظيف ثورة المعرفة، وما يرتبط بها من ثروة بشرية، في تعزيز جهود التنمية الاقتصادية، وتطوير اقتصاد المعرفة في المستقبل.

 

 


تعليقات الموقع