اتجاهات مستقبلية
الدليل الاستراتيجي المؤقت للأمن القومي الأمريكي وتوجهات إدارة بايدن المستقبلية
نشرت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن يوم 3 مارس 2021 وثيقة الدليل الاستراتيجي المؤقت للأمن القومي، التي تعطي ملامح إرشادية عامة عن توجهات هذه الإدارة المستقبلية بعد 45 يوماً من تسلمها مقاليد السلطة. وضمت هذه الوثيقة قسمين رئيسين يعرض أولهما ملامح المشهد الأمني العالمي، ويوضح الثاني أولويات الأمن القومي الأمريكي في المرحلة المقبلة، كما تقدّم الوثيقة إرشادات للوزارات والوكالات لكي تنسِّق جهودها وأنشطتها مع بدء إدارة بايدن العمل على وضع استراتيجية مفصلة للأمن القومي. ويمكن النظر إلى هذه الوثيقة باعتبارها مقدّمة لما يمكن أن نسميه “عقيدة بايدن”.
ينبغي النظر إلى هذه الوثيقة المؤقتة في سياقها؛ أي بوصفها دليلاً استرشادياً يضم مزيجاً واسعاً من الموضوعات والاتجاهات التي يمتد نطاقها من الاهتمامات المتعددة الجوانب، مثل الأمن الوطني والاستخبارات، إلى قضايا محددة، مثل تحديث حلف الناتو والتحول إلى الطاقة النظيفة. ورغم أن العديد من التوجهات والأهداف المذكورة في هذه الوثيقة تؤكد التوقعات التي طُرحت خلال الأشهر الأخيرة بشأن أولويات الإدارة الجديدة، فإن أهميتها تتمثل في كونها الوثيقة الأولى لإدارة بايدن التي تجمع مختلف جوانب السياسة العامة في خطة استراتيجية واحدة، وتوضيح النهج الاستراتيجي للإدارة الجديدة والأولويات المحورية لاستراتيجية الأمن القومي.
تصف الوثيقة السياق الاستراتيجي العالمي الراهن المليء بالتحديات والمحاط بوباء عالمي، وتراجع اقتصادي حاد، وحالة طوارئ مناخية، وتغيرات تكنولوجية متسارعة، وصعود لقوى منافسة لواشنطن مثل روسيا والصين، وغير ذلك من العوامل التي تشكل تهديداً للولايات المتحدة، ومع ذلك، تُظهر الوثيقة تفاؤلاً بشأن قدرة الولايات المتحدة على التصدي للعديد من هذه التحديات، وتحدد أهدافاً عريضة لتعزيز الديمقراطية والتنمية الاقتصادية وتجديد التحالفات والقيادة الأمريكية للمؤسسات الدولية، إلى جانب الجهود الموجّهة لتحقيق هذه الأهداف.
ولا تعطي الوثيقة الأولوية لهدف بعينه، بل تعطي أهمية متساوية ضمنياً لجميع المجالات التي حددتها، بيد أنها ترى أن الاختبار الجيوستراتيجي الأكبر الذي يواجه الولايات المتحدة في القرن الحادي والعشرين يتمثل في علاقتها مع الصين، التي يُنظر إليها باعتبارها علاقة تنافسية، وتعاونية إذا دعت الضرورة، وعدائية في بعض الأحيان. ويؤكد بايدن على ضرورة التعاطي مع الصين من موقع القوة. كما تحدثت عن التهديد الذي تفرضه روسيا التي “تصر على تعزيز نفوذها العالمي، ولعب أدوار تتسبب في حالة من الفوضى على الساحة العالمية”.
وفيما يتعلق بالشرق الأوسط، تشير الوثيقة بشكل مباشر إلى تراجع الاهتمام بهذه المنطقة، حيث نصت على أنه: “سيكون وجودنا العسكري الأقوى في منطقة المحيط الهندي والمحيط الهادئ وأوروبا، مع ردع أعدائنا والدفاع عن مصالحنا. وفي الشرق الأوسط، سنترك القدر اللازم من القوة للقضاء على الشبكات الإرهابية، وردع العدوان الإيراني، وحماية المصالح الأمريكية الرئيسة الأخرى”. وبناء على ذلك ستسعى إدارة بايدن لتغيير الوجود العسكري الأمريكي في الشرق الأوسط من خلال تحديد حجم “الوجود العسكري عند المستوى المطلوب لتفكيك الشبكات الإرهابية الدولية، وردع العدوان الإيراني، وحماية المصالح الحيوية الأمريكية الأخرى”.
وأخيراً تعتزم إدارة بادين، كما أوضحت الوثيقة، إنهاء “الحروب الأبدية” التي “كلفت الآلاف من الأرواح وتريليونات الدولارات” بشكل مسؤول. كما تعهدت الإدارة بـ”الالتزام الصارم تجاه أمن إسرائيل، والسعي لتعزيز اندماجها مع جيرانها واستئناف الدور الأمريكي الداعي إلى تسوية القضية الإسرائيلية-الفلسطينية بناءً على حل الدولتين”.
وبشكل عام لم تختلف التوجهات الاستراتيجية لإدارة بايدن التي تم التعبير عنها في وثيقة الدليل الاستراتيجي المؤقت للأمن القومي عن التوقعات التي تم طرحها بشأن توجهات هذه الإدارة، وهو ما يعني أننا بصدد إدارة يمكن التنبؤ بمواقفها وسياساتها والتي لن تخرج بشكل عام عن هذا الإطار الذي رسمته الوثيقة.
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.