من رموز الرياضة الإماراتية والعربية ومصدر إلهام لمحبيها

حمدان بن راشد .. بصمات خالدة في مسيرة الرياضة الإماراتية والعالمية

 

 

استقبل مسؤولو ونجوم وجماهير الرياضة الإماراتية والعربية والعالمية نبأ رحيل الشيخ حمدان بن راشد آل مكتوم مؤسس ورئيس نادي النصر والرئيس الفخري لنادي حتا أمس، بمزيد من الحزن والأسى، كون الراحل رمزا من رموز الرياضة الإماراتية والعربية ومصدرا للإلهام لكل محبيها، وقطبا من أقطابها الذين أثروا مسيرتها.
وكان الشيخ حمدان بن راشد آل مكتوم شاهدا على نشأة ونمو الرياضة في الدولة، ومساهما في تطورها من خلال رئاسته لنادي النصر، الذي أوصى مسؤولوه ولاعبوه في آخر استقبال لهم عام 2020 بأن يواصلوا العمل حتى يكون نادي النصر الملقب بـ “عميد” الأندية الإماراتية دائما في القمة.
ويدرك كل المهتمين بالرياضة الإماراتية أن الراحل الشيخ حمدان بن راشد آل مكتوم أحد أهم قادة الحركة الرياضية في الدولة، ولعب دورا كبيرا في نشر العديد من الرياضات بالإمارات، وإحياء وتطوير التراثية أو التقليدية منها، وقدم دعما للكثير من الأندية والنجوم والأبطال على مستوى الدولة والعالم، وسيظل يذكر التاريخ الرياضي أن الراحل هو أقدم رئيس نادي في العالم حيث ترأس نادي النصر منذ تأسيسه في عام 1960 وحتى الآن.
ويعتبر المغفور له الأب الروحي للرياضة الإماراتية بشكل عام، ودبي على وجه التحديد، فلم يتوقف رصيده عند تأسيسه لأقدم نادي في الدولة (نادي النصر)، وأحد أهم ملاك اسطبلات الخيول العربية الأصيلة، وصاحب المبادرات المهمة في سباقات الخيول العربية الأصيلة في أوروبا والعالم لإحياء هذا التراث الأصيل، بل يحسب له أيضا مساهماته الكبيرة في تحويل أندية دبي إلى أندية نموذجية من خلال موقعه كرئيس للبلدية في دبي لفترة طويلة، كما أعطى اهتماما كبيرا لتطوير المنشآت والمرافق الرياضية في دبي بشكل عام في مراحل نشأتها، ومراحل تطورها، وخلال رئاسته لنادي النصر تحول استاد آل مكتوم إلى تحفة معمارية رائعة وتم افتتاحه بعد التطوير في مارس من عام 2019، بتكلفة 500 مليون درهم .
ويحسب للراحل الشيخ حمدان بن راشد آل مكتوم – بحسب الباحث والمؤرخ الإعلامي الرياضي الإماراتي محمد الجوكر الذي خصص إصدارين من كتبه عن الشيخ حمدان بن راشد تحت عنوان” حمدان والنصر” في عام 2015، و” العميد.. تاريخ وعراقه” عام 2019 – أنه من أعطى توجيهاته لبلدية دبي لإنشاء المقر الجديد لاتحاد الكرة في دبي في منطقة الخوانيج، ويعد هذا المقر بملحقاته واحدا من أفضل وأرقى مقرات اتحاد الكرة بالعالم، كما أمر ببناء مقر جديد للجنة الأولمبية الوطنية بتكلفة إجمالية تصل إلى 45 مليون درهم.
ومن خلال رئاسته لأقدم نادي في الإمارات وهو نادي النصر كان طيب الله ثراه أول المبادرين في استقبال أعرق الأندية العالمية للإمارات ومنها ليفربول وأرسنال وساوثهامبتون بداية من عقد السبعينات، ورعى العديد من المباريات المهمة وأبرزها في فبراير عام 1976 عندما استضاف نادي النصر فريق سانتوس البرازيلي الشهير، وكرم العديد من النجوم من خارج نادي النصر أصحاب الألقاب والأهداف، ومن أبرزهم عدنان الطلياني من الشعب ويوسف عتيق لاعب الأهلي، عندما توجا هدافين للدوري.
وقد ترك المغفور له الشيخ حمدان بن راشد آل مكتوم بصمات مضيئة في تاريخ الرياضات البحرية في الدولة بصفة عامة والسباقات المحلية التراثية بوجه خاص وذلك منذ تأسيسها وبداية مسيرتها الحافلة والتي انطلقت في عقد السبعينات وانتشرت بعد ذلك لتزدهر مع نهاية الثمانينات بعد تأسيس نادي دبي الدولي للرياضات البحرية عام 1988، وأسهم كثيرا في تطورها بدعمه المتواصل والسخي حتى أصبحت هذه السباقات أحد أهم الفعاليات الرياضية في برنامج الموسم الرياضي البحري وتستقطب عددا كبيرا من شرائح المجتمع.
ووضع الشيخ حمدان بن راشد آل مكتوم الكثير من الأفكار وكان عام 1991 موعدا لانطلاقة أكبر وأضخم سباق تراثي بحري مع حدث القفال الذي يعد واحدا من أشهر وأهم السباقات في المنطقة العربية والعالم، وكان الهدف من إقامته هو إحياء الرياضات التراثية في الدولة والحفاظ عليها، وتطويرها.
وكان السباق هو البداية التي تبعها عددا من المبادرات حيث كان النواة في التطوير عبر القوارب الشراعية المحلية 43 قدما ومن أفكاره سباقات السفن والقوارب الشراعية المحلية 60 و43 و22 قدما وقوارب التجديف المحلية 30 قدما والتي وقف وراء نجاحها حتى احتلت المكانة الأولى من حيث الشعبية وأصبح يمارسها الكثير من أبناء الدولة.
ويبقي في الأذهان دوما سباق القفال للمسافات الطويلة من جزيرة صير بونعير وحتى شواطئ دبي والذي انطلق عام 1991 بفكرة من المغفور له الشيخ حمدان بن راشد آل مكتوم حيث تؤكد الفكرة الرسالة العظيمة التي أرساها كأحد الملاحم التراثية التي تذكر أبناء اليوم بتضحيات الآباء والأجداد لإيجاد لقمة العيش والبحث عن الرزق الوفير في البحر.
وحرص الشيخ حمدان بن راشد آل مكتوم أن يكون مهرجانا “القفال” تراثياً وليس سباقا فحسب يحمل في طياته الكثير من المعاني التي تجسد ارتباط أهل الإمارات بالموروث الحضاري وجعل التظاهرة تتحول إلى كرنفال وعرس تراثي أصيل يجمع ما يزيد عن 5000 شخص في عرض مياه الخليج لإحياء هذه الملحمة التاريخية .
كما حرص منذ تأسيس الحدث على الحضور في جميع السباقات التي أقيمت طوال السنوات الماضية إلى جزيرة (صير بونعير) قبل يوم من الانطلاق للالتقاء مع النواخذة وملاك السفن والتحاور معهم حول كل ما يهم التراث والسباق وأهمية الوصول به إلى أفضل مستوى تحقيقا للرسالة السامية من وراء إقامته كما صار الاجتماع في مجلسه العامر منبرا لوسائل الإعلام التي تتحاور معه كل عام في شئون الرياضة بمختلف أوجهها.
وظل رحمه الله يتابع الحدث مع انطلاقته ويقف على كل صغيرة وكبيرة وأسهم كثيرا في تطويره فعندما كشفت التجربة أن القوارب 43 قدما التي شاركت في النسخ الثلاث الأولى من عمر السباق / 1991 و1992 و1993 / أصغر وأضعف من أن تتحمل السباق الشاق والطويل، طلب الشيخ حمدان بن راشد آل مكتوم من الملاك والنواخذة أن تكون المحامل بالحجم والقوة نفسها التي كانت عليها السفن في الماضي، ليتوفر لها معايير أكثر أمنا، فأمر بالانتقال إلى فئة السفن 60 قدما في سباق تجريبي عام 1993 ليتم اعتماد الفئة الجديدة بعد ذلك ويخصص السباق فقط للسفن 60 قدما عام 1994.
ورغم المحاولات الكثيرة طوال السنوات الماضية لضم أنواع أخرى من القوارب والزوارق إلى جانب السفن الشراعية المحلية في هذا السباق، إلا أن الشيخ حمدان بن راشد آل مكتوم شدد على أهمية المحافظة على الأصالة، وعدم إقحام كل ما من شأنه تغيير معالم التاريخ، والاكتفاء بإدخال مظاهر الاحتفال بالمناسبة ذات العلاقة بالماضي والتراث.
وطوال مسيرة الحدث قدم الشيخ حمدان بن راشد آل مكتوم دعما كبيرا وسخيا من أجل تطوير واستمرار السباق وذلك من خلال تحفيز المشاركين ورفع قيمة الجوائز المالية والعينية حيث بلغ مجموع الجوائز المالية في النسخ بين 1991-1993 مبلغ 3 ملايين درهم وبين أعوام 1994-2005 مبلغ 4 ملايين درهم ووصلت عام 2006 إلى 6 ملايين درهم فيما أصبحت بين أعوام 2007-2015 مبلغ 10 ملايين درهم وأضيفت إلى المبلغ بين أعوام 2016-2019 ثلاث سيارات فيما تقرر رفع جوائز النسخة الـ 29 عام 2019 إلى مبلغ 12 مليون درهم إضافة إلى ثلاث سيارات تقديرا للزيادة المتواصلة واهتمام النواخذة والملاك بتطوير المحامل.
وتحتفظ ذاكرة الرياضات البحرية والسباقات المحلية التراثية بالكثير من المحطات التي أسهم في إنجاحها الشيخ حمدان بن راشد آل مكتوم فبعد إطلاق سباق القفال عام 1991 جاء إشهار فئة السفن الشراعية المحلية 60 قدما عام 1993 في النسخة الثالثة من سباق القفال ثم إطلاق منافسات قوارب التجديف المحلية 30 قدما للمرة الأولى في 7 مارس 1997 حيث حققت منافسات هذه الفئة نجاحا كبيرا تمثل في مشاركة 15 قاربا ووصلت اليوم إلى أكثر من 50 قاربا تتنافس في بطولة دبي كل موسم .. ثم إنطلاق سباقات القوارب الشراعية المحلية 22 قدما في نادي دبي الدولي للرياضات البحرية رسميا في الأول من أكتوبر عام 1999 بمباركة وفكرة من الشيخ حمدان بن راشد آل مكتوم كأكاديمية لتعليم الصغار لتأهيل جيل من الشباب والناشئين لتحمل المسئولية في المستقبل والمشاركة في الفئات الأكبر حيث حقق الحدث وقتها نجاحا كبيرا تمثل في مشاركة 16 قاربا.
وكان للراحل مناسبة سنوية مهمة تسمى “برلمان حمدان السنوي” حينما كان يلتقي مع رجال الصحافة والإعلام على يخت الفهيدي خلال سباق القفال، ويتناول خلالها كل القضايا الرياضية ويبدي رأيه في كل ما يطرح عليه من قضايا وتساؤلات، فلم يكن سموه مجرد رئيس نادي، ولكنه كان أحد الحكماء والخبراء النادرين في مجال الرياضة، ولن تنسى الأجيال أنه كان أول من كرم الأبطال وسلم كأس صاحب السمو رئيس الدولة لكرة القدم للفريق الفائز (الأهلي) في عام 1974 بعد فوزه على النصر ( 2/ صفر) في أول نسخة من تلك البطولة.
وقبل إعلان دولة الاتحاد في عام 1971، وتحديدا في ديسمبر عام 1969، أصدر الراحل قرارا بتأسيس اتحاد دبي لكرة القدم برئاسة الراحل حميد الطاير، من أجل التحضير لمباراة منتخب دبي مع الإسماعيلي المصري بطل أفريقيا في هذا العام.
وسيبقى الرياضيون في الإمارات بشكل عام وفي دبي على وجه التحديد يشهدون بأن الشيخ حمدان بن راشد آل مكتوم كان حريصا على أن يكون النادي الواحد متعدد الأنشطة، بمعنى أن تكون هناك فرقا في كرة القدم، والطائرة، والسلة، واليد، والسباحة، ومختلف الألعاب الفردية، وهذا ما ساهم في تطور ونمو وتحسن نتائج المنتخبات الوطنية في شتى الألعاب.
وكان الشيخ حمدان بن راشد آل مكتوم يدعم اللاعبين الذين تعرضوا لإصابات أثناء مسيرتهم، فيذكر كل الرياضيين في الدولة شراؤه لعدد من أجهزة تنظيم ضربات القلب، وتوزيعها على الأندية بعد أن تعرض اللاعب سالم سعد إلى سكتة قلبية، وتوفى بسببها بشكل مفاجئ.
وسيبقى من إرث الراحل ذكرى للأجيال أنه كان يتابع ويأمر بالدعم السنوي الحكومي لأندية دبي، وكان من أوائل المبادرين بتأسيس عدد من المشاريع التجارية والاستثمارية لدعم إيرادات نادي النصر، وقد تبعته في ذلك معظم أندية الدولة.
ومن مآثر الراحل أيضا في مجال الرياضة دعمه الكبير لاستضافة نادي النصر لبطولة الكؤوس العربية عام 1993، والتقاؤه مع قيادات الرياضة العربية في هذا التوقيت، وهو من ساهم في إحياء فكرة اليوم الأوليمبي لتكريم المتميزين في مختلف الرياضات عام 2006.
وكان الراحل يحرص دائما على الالتقاء بمسؤولي الاتحادات العربية في الألعاب والأنشطة المختلفة حينما كانت تأتي للمشاركة في أي اجتماعات بدبي، خلال فترة السبعينات والثمانينات، وفي أكثر من مناسبه كان يذكر المغفور له الشيخ حمدان بن راشد أن اهتمامه بالرياضة بدأ بحبه للكشافة أثناء الدراسة، ولذلك في عام 1973 مع استمرار اهتمامه بتلك الرياضة تولى رئاسة المجلس الأعلى للكشافة في الإمارات.
وكان طيب الله ثراه له مواقف مهمة في الاهتمام باللاعب والكادر الرياضي المواطن حيث حرص على استقبال المدرب المواطن مهدي علي بعد فوزه ببطولة كأس الخليج مع الأبيض الإماراتي في البحرين، كما حرص الراحل على دعم كل رؤساء اتحاد الكرة السابقين فكانت له لقاءات معهم جميعا، بداية من سمو الشيخ حمدان بن زايد آل نهيان ممثل الحاكم في منطقة الظفرة في نهاية الثمانينات وأوائل التسعينات، ومرورا بسمو الشيخ سعيد بن زايد آل نهيان ممثل حاكم أبوظبي، وسعادة يوسف يعقوب السركال، وانتهاء بسعادة مروان بن غليطة الرئيس السابق للاتحاد.
وفيما يخص سباقات الخيول العربية سيذكر التاريخ أن الراحل له باع طويل في سباقات كأس دبي العالمي وكافة السباقات الخارجية التي كانت تقام في مختلف انحاء العالم، وفازت خيوله واسطبلاته بالكثير من الألقاب في مختلف القارات، ليكون واحدا من أبرز الأسماء المؤثرة في المشهد الرياضي العالمي بسباقات الخيول، حيث فازت خيوله بلقب كأس دبي العالمي أغلى الكؤوس في العالم.وام


تعليقات الموقع