من المتوقع أن تكون الفترة القادمة طفرة اقتصادية كبيرة أو كما يطلق عليها اسم "طفرة اللقاح"

طفرة ما بعد “كوفيد”!

مقالات
حسين شبكشي: كاتب عربي

طفرة ما بعد “كوفيد”!

 

 

في عالم “كوفيد 19” تحول المشهد من متابعته كحالة صحية خطيرة جداً وغاية في التعقيد إلى الحديث عنه كوضع اقتصادي، يستعد لمعاودة الانطلاق واستعادة عافيته وتعويض الخسائر العظيمة التي لحقت به جراء تداعيات الجائحة المدمرة. تستعد الدول الصناعية الكبرى تحديداً ومعظم دول العالم عموماً للإعلان عن فتح البلاد وتخفيف القيود بالتدريج بعد أن وصلت معدلات الإصابة فيها بالفيروس إلى أرقام مقبولة، وارتفعت معدلات أرقام تلقي اللقاح إلى مستويات مطمئنة ومحترمة، وخصوصاً في ظل تقييد شروط التحرك والسفر لصالح كل من تحصن بتلقيه الجرعتين المطلوبتين من اللقاح.
ومن المتوقع أن تكون الفترة القادمة طفرة اقتصادية كبيرة أو كما من الممكن أن يطلق عليها اسم «طفرة اللقاح»، فالإقبال المتوقع على استهلاك النفط لفتح حركة السياحة والسفر وإعادة تدوير عجلات الإنتاج الصناعي سيزيد من الطلب على السلعة الحيوية هذه ويرفع سعرها، وسيلحق بهذه الحركة ارتفاع معدلات الطلب على العديد من السلع الحيوية الأخرى المرتبطة بالحراك الاقتصادي بشكل عام، مثل الحديد والنحاس والأسمنت، مع عدم إغفال الحراك الاستثماري المتوقع حدوثه بضخ الأموال في أسواق الأسهم والبورصات المختلفة حول العالم نتاج الحالة الإيجابية المتكونة حول العالم بسبب تفاؤل الناس الاقتصادي بمرحلة ما بعد «كورونا».
الطفرة المنتظرة ستفيد بشكل رئيسي قطاع السفر والسياحة ومشتقاتهما من شركات طيران ومنتجعات وفنادق ومطاعم ومواقع مزارات سياحية وشركات تأجير السيارات ومحلات التجزئة، مع عدم إهمال أو التقليل من تأثيرها المتوقع والمنتظر على قطاع إنتاج السيارات والملابس والأثاث والأدوات المنزلية الكهربائية، فالحالة النفسية الإيجابية ستجعل من قرارات الصرف على السلع المختلفة، والتي تم تأجيلها لفترة طويلة، عنصراً حيوياً جداً من عناصر الطفرة الاقتصادية المنتظرة. ولن تكون هذه الحالة هي الأولى من نوعها، فخبراء الاقتصاد يحلو لهم إجراء مقارنة مع الطفرة الاقتصادية الكبرى التي أحدثت في أسواق العالم أهم الآثار الإيجابية بعد القضاء على الإنفلونزا الإسبانية، وهي الجائحة التي توفي بسببها الملايين من البشر، وذلك في فترة العشرينات الميلادية من القرن الماضي. وتسببت هذه الطفرة وقتها في ضخ الملايين من الأموال في قطاعات صناعية كبرى ومشاريع عقارية عملاقة شملت تشييد ناطحات سحاب هائلة وإنشاء عدد مهم من المدن السكنية الكبيرة والجديدة تماماً، وبالتالي تولدت عشرات الآلاف من الفرص الوظيفية الجديدة المستحدثة واستمرت هذه الحالة لسنوات مهمة من الزمن.
وبعودة هذه الحالة الاقتصادية الإيجابية إلى مركز دائرة الضوء مجدداً ستعود عناوين الصراع التجاري الكبير بين الولايات المتحدة وخصمها اللدود الصين، اللتين تستعدان لخوض معارك «تكسير عظم» لبسط السيطرة وحسم التنافس بينهما في أكثر من حلبة وأكثر من قطاع، ما سيضيف لهذه الطفرة الاقتصادية المنتظرة بعداً آخر لم تشهد مثله الطفرة الاقتصادية التي تلت الإنفلونزا الإسبانية في وقتها. ولكنْ هناك نقاط تدعو للحذر وبعض القلق، وهي المتعلقة بوضع الهند، صاحبة الاقتصاد الخامس في العالم، والتي لا تزال معدلات الإصابة فيها مرتفعة جداً، “فرغم انخفاض معدلات الإصابة مؤخراً وازدياد معدلات تلقي اللقاح فيها”، فإن الوضع يبقى مقلقاً وغير مطمئن، وقد يعوق عودتها إلى عجلات الدوران للاقتصاد العالمي لفترة غير بسيطة أخرى من الوقت. وكذلك عودة المحاذير وقيود الإغلاق إلى تايوان وسنغافورة، وهما البلدان المؤثران اقتصادياً ومن أهم النمور الاقتصادية في القارة الآسيوية، وهذا قد يكون بمثابة إنذار مقلق للقارة الآسيوية واقتصادها عموماً.
هناك رهانات متزايدة على ضرورة إنجاح الطفرة الاقتصادية القادمة لما في ذلك الأمر من ضرورة تقضي بإنقاذ ما تبقى من اقتصاد العالم الذي أنهكه وأضره كل ما جاءت به تبعات وتداعيات جائحة “كوفيد – 19” التي لم يعد من الممكن الاستمرار في مواجهتها ولا بالتالي تحملها.
فترة الصيف هي ترمومتر اختبار للعودة التدريجية ومراقبة جدارة وفاعلية بروتوكولات السفر والتنقل وفتح الحدود وتعديل ما هو بحاجة لتعديل بعد التجربة العملية لها، وبالتالي ستكون الطفرة الاقتصادية المتصاعدة على أوائل فترة الخريف المقبل.
الطفرة الاقتصادية القادمة هي فرصة ذهبية للدول وقطاعات الأعمال وسيستفيد منها استثمارياً من أحسن الإعداد والتجهيز لها بشكل استباقي جيد ولم ينتظر الحضور المتأخر. “الشرق الأوسط”

 

 


تعليقات الموقع