عقاقير شائعة للسكري تقاوم فشل القلب
قصور القلب، وفشل القلب، وهبوط القلب، كلها مسميات لحالة مرضية خطيرة، تُمثّل السبب الأكثر شيوعًا لمكوث مرضى القلب والأوعية الدموية فوق 60 عامًا في المستشفى.
ويؤثر قصور القلب على 64.34 مليون مريض حول العالم، ما يمثل 9.91 ملايين سنة مفقودة بسبب الإعاقة (ما بين سنوات العجز والوفاة)، وبإجمالي نفقات تبلغ 346.17 مليار دولار أمريكي.
وتحدث هذه الحالة المرضية نتيجة خلل وظيفي أو عضوي يؤثر على وظيفة القلب، باعتباره مضخة رئيسية تضخ الدم إلى باقي أجزاء الجسم، لإمدادها بالمواد الغذائية والأكسجين.
الأدوية المعالِجة لهذه الحالة تحظى باهتمامٍ واسع، بهدف إنقاذ حياة المرضى من جهة، وتقليل فرص دخولهم المستشفى من جهة أخرى، إذ يُحسّن العلاج المناسب من علامات فشل القلب وأعراضه وجودة حياة المرضى.
في هذا الإطار، كشفت نتائج دراسة أجراها باحثون مصريون أن فئةً شائعة الاستخدام من العقاقير المستخدمة لعلاج مرض السكري من النوع الثاني، تسمى مثبطات امتصاص الجلوكوز والصوديوم من النوع الثاني (SGLT2 Inhibitors) تقلل معدلات الدخول إلى المستشفى نتيجة الإصابة بفشل القلب، لدى مرضى السكري وكذلك غير المصابين بالسكري.
الدراسة المنشورة في العدد الأخير من دورية أمريكان جورنال أوف كارديولوجي (American Journal of Cardiology) خلصت إلى أن هذه الأدوية خفّضت إلى حدٍّ كبير من الوفيات بأمراض القلب والأوعية الدموية لدى مرضى السكري.
“عائلة الفلوزين” وقصور القلب
مثبطات امتصاص الجلوكوز والصوديوم من النوع الثاني، التي تُعرف عالميًّا باسم “عائلة الفلوزين” (flozin) هي فئة حديثة نسبيًّا من العقاقير الحاصلة على موافقة هيئة الغذاء والدواء الأمريكية(FDA).
لخفض نسبة السكر في الدم لدى البالغين المصابين بداء السكري من النوع الثاني، يُستخدم العديد من الأدوية، التي تشمل “أمباجليفلوزين، داباجليفلوزين، كاناجليفلوزين، إرتوجلوفلوزين، سوتاجليفلوزين”، إذ تعمل من خلال إزالة الكُلى للسكر من الجسم عبر البول.
هناك دراسات سابقة تحدثت عن فوائد تلك الأدوية بالنسبة لمرضى قصور القلب، حتى إن الـ(FDA) وافقت في فبراير الماضي على دواء منها وهو (إمباجليفلوزين) لتقليل مخاطر الوفاة نتيجة أمراض القلب والاستشفاء من قصور القلب لدى البالغين.
يقول أحمد بنداري -أستاذ أمراض القلب المساعد بكلية الطب بجامعة بنها، والباحث المشارك في الدراسة- إن دراستهم سعت في المقام الأول إلى تقييم مدى فاعلية عقاقير “عائلة الفلوزين” ومستوى أمانها وتأثيرها في تقليل معدلات دخول المستشفى من جرَّاء الإصابة بهبوط عضلة القلب، وكذلك تقليل معدلات الوفيات الناتجة عن أسباب تتعلق بالقلب والأوعية الدموية.
وفي حديث لـ”للعلم”، أضاف أن “ما يميز هذه الدراسة عن غيرها نقطتان أساسيتان، الأولى أن الفريق أجرى حصرًا لجميع الدراسات التي أُجريت على جميع عقاقير عائلة “الفلوزين” دون النظر إلى عقار بذاته، ونظرًا إلى أنها تعمل على نحوٍ مماثل ولها تأثيرات متشابهة، كانت أغلب الدراسات السابقة تهدف إلى تقييم عقار واحد فقط أو كانت تشتمل على دراسات غير عشوائية التوزيع، وبالتالي من الممكن أن نعتبر الدليل المقدم منها ضعيفًا نسبيًّا.
وأضاف أن “الميزة الثانية أننا عملنا على مقارنة النتائج بين مرضى قصور القلب المصابين بالسكري وغير المصابين بالسكري؛ لأن هذه الأدوية بالرغم من أنها في الأصل عقاقير لعلاج السكر، إلا أن الأبحاث الطبية ومن بعدها التوصيات العلمية العالمية أكدت أنها فعالة وآمنة لدى غير المصابين بالسكري أيضًا، وهذا يجعل من المقارنة بين مرضى السكر وغير المصابين بالسكري أمرًا شائقًا ومهمًّا من الناحية الطبية”، وفق “بنداري”.
تحليل تلوي
للوصول إلى النتائج، أجرى الفريق دراسته المرجعية، وفق تحليل تلوي شمل ما يزيد على 75 ألف مريض (41 ألفًا تناولوا عقاقير عائلة “الفلوزين”، في حين تناول حوالي 34 ألفًا دواءً وهميًّا)، شاركوا في 13 دراسة سابقة راجعت الدراسة الجديدة نتائجها.
والتحليل التلوي عبارة عن إجراء إحصائي قائم على دمج البيانات النوعية والكمية بهدف الوصول إلى استنتاجات إحصائية دقيقة عن تلك الدراسات، خصوصًا الدراسات ذات النتائج المتداخلة.
يقول “بنداري”: إن الدراسات التي استندت إليها النتائج كانت عشوائية التوزيع ذات عنصر حكم، ويُعد هذا أقوى دليل علمي في هرم الطب المبني على الدليل، وفق وصفه.
وأضاف أن دراستهم أثبتت 3 حقائق مهمة، أُولاها أن هذه العقاقير تقلل بشكل إحصائي من معدلات دخول المستشفى بسبب هبوط القلب لدى كلٍّ من مرضى السكر (بنسبة 32%) وغير المصابين به (بنسبة 25%)، مقارنةً بالعقار الوهمي.
الحقيقة الثانية أن هذه العقاقير قللت من معدلات الوفيات بسبب أمراض القلب والشرايين بشكل عام بنسبة 23% لدى مرضى السكري، وبنسبة 7% لدى غير المصابين بالسكري، ما يدل على أن هذا التأثير كان واضحًا بشكل أكبر لدى مرضى السكري، مقارنةً بغير المصابين به، والثالثة أنها قللت من الأحداث السلبية لدى مرضى السكري وغير المصابين به، مثل هبوط الضغط أو التهابات مجرى البول، مقارنةً بالعلاج الوهمي، ما يدلِّل على أمان هذه المجموعة الدوائية.
عصر جديد
“نتائج هذه الدراسة تُعد تأكيدًا دامغًا على ولادة عصر جديد لعلاج مرض هبوط عضلة القلب، المرض الذي ظل أكثر من 10 سنوات لا يشهد تغييرًا كبيرًا في العلاجات المقدمة له”، وفق “بنداري”.
“في بداية عملي كطبيب قلب، كان حوالي نصف مرضى هبوط القلب يموتون خلال عامين من الإصابة، لكن مع التقدم الحاصل في أدوية المرض مؤخرًا، انخفضت النسبة إلى حوالي 25% خلال 5 سنوات من الإصابة بالمرض، بفضل مجموعة من الأدوية، من بينها مثبطات الـ(SGLT2)، وفق ناصر طه، أستاذ أمراض القلب بجامعة المنيا.
وأضاف “طه” لـ”للعلم” أن الدراسة الحالية أحصت نتائج عدد من الدراسات، وبالتالي تضمنت عددًا كبيرًا للغاية من مرضى هبوط القلب، سواء كانوا مصابين بالسكري أو غير مصابين بالسكري، بالإضافة إلى رصد التأثيرات الجانبية للأدوية، لتؤكد في النهاية أن هذه الأدوية تُعد تطورًا كبيرا في علاج هبوط القلب، وتقليل معدل الوفيات ونِسب الدخول إلى المستشفى، موضحًا أن هناك نوعين من هبوط القلب، الأول هبوط مع تراجُع كفاءة القلب، وهو النوع الذي تستهدفه الأدوية الموجودة حاليًّا، أما الثاني فهو هبوط القلب مع الاحتفاظ بكفاءة القلب، وهذا النوع لم تكن تتوافر له أدوية فعالة حتى وقت قريب، رغم أن نسبة الوفيات الناتجة عنه لا تقل عن النوع الأول، حتى جاءت مثبطات الـ(SGLT2) لتحل المشكلة، إذ أثبتت دراسات أنها مفيدة لهذا النوع من هبوط عضلة القلب.
أما محمود حسنين -أستاذ أمراض القلب بكلية طب جامعة الإسكندرية- فيرى أن أهمية هذه الأدوية تكمن في أنها تمنع وتعالج فشل عضلة القلب وتحد من دخول المستشفى بسبب هذه المشكلة، ليس فقط لدى مرضى السكري، لكن لدى الأشخاص غير المصابين بالسكري.
وأضاف لـ”للعلم” أن آلية عمل هذه العقاقير تتركز في منع امتصاص السكر في الكلى، وبالتالي ينزل في البول، ويخفض نسبة السكر في الدم، مشيرًا إلى أنها حاصلة على أعلى درجات التوصية، بخصوص ضرورة إعطائها للمرضى الذين يعانون من فشل القلب، أو المعرضين لخطر الإصابة بالمرض، سواء كانوا يعانون من مرض السكري أو كانوا غير مصابين به، ومن الجيد أنها متاحةٌ في السوق المصري بأسعار معقولة للغاية وفي المتناول، ونستعملها بصفة يومية مع المرضى.
وأوضح أن هناك فائدةً أخرى لهذه الأدوية، وهي حماية الكلى من مضاعفات مرض السكري؛ لأن مريض السكري عادةً يكون معرضًا لتدهور في وظائف الكلى، وفق “حسنين”.
تأثيرات ومحاذير
بما أن الأدوية في العموم لا تصلح عادةً مع جميع المرضى، أشار “بنداري” إلى أنه لا توجد محاذير قاطعة تمنع استخدام عقاقير عائلة “الفلوزين” لعلاج قصور القلب إلا فى حالات بسيطة، منها على سبيل المثال الجفاف، والقصور الشديد فى وظائف الكُلى الذي يستدعى الغسيل الكلوي، والمسنون فوق سن الثمانين عامًا ممن ليس لديهم مرافق أو مقدم للرعاية التمريضية، كذلك مرضى السكر من النوع الأول، وأخيرًا يُنصح بالتوقف عن تناول هذه الأدوية قبل العمليات الجراحية بأيام قليلة، على أن يُعاود المريض تناوُلها بعد تمام العملية.
في حين نوه “حسنين” بأن هذه الأدوية لا تناسب المرضى المصابين بالإنتان أو تسمم الدم البكتيري، بالإضافة إلى مَن يعانون من هبوط في الدورة الدموية.
من جانبه، أشار “طه” إلى أن هناك مجموعات أدوية أخرى سبقت مثبطات الـ(SGLT2) في علاج قصور القلب، وخصوصًا المصحوب بانخفاض نسبة ضخ الدم من البطين الأيسر، وأحدثت نقلةً في العلاج وتحسين حياة المرضى، وهي مثبطات الإنزيم المحول للأنجيوتنسين (ACE)، ومثبطات النبريلايسين –مستقبِل الأنجيوتنسين (ARNi) وحاصرات مستقبلات بيتا ومضادات مستقبِل الألدوستيرون (MRAs).
لكن هذه الأدوية تُعطى للمرضى بالتدريج؛ لأن غالبية هذ الأدوية تخفض ضغط الدم، وللحفاظ على مستويات الضغط منضبطة، نبدأ مع المرضى بجرعات بسيطة إلى أن نصل معهم إلى الحد الأقصى من الجرعة، في حين تتميز مثبطات الـ(SGLT2) بأن فاعليتها في تقليل ضغط الدم قليلةٌ للغاية، لذلك فإن جرعتها ثابتة من البداية إلى النهاية.
السكري وهبوط القلب.. هل من علاقة؟
يشير “حسنين” إلى أن مرضى السكري عادةً يكونون أكثر تعرُّضًا لفشل عضلة القلب؛ لأن السكري يؤثر في الأساس على القلب، كما أنهم يعانون في الغالب من عوامل خطورة أخرى مثل ارتفاع ضغط الدم وارتفاع مستويات الكوليسترول والسمنة، بالإضافة إلى التدخين.
وهنا يبرز سؤال مهم، بما أن هذه الأدوية تخفض نسبة السكر في الدم، فما مدى تأثيرها على غير المصابين بالسكري وسكر الدم لديهم منضبط؟ هل تُخفض سكر الدم لديهم؟
الإجابة لا، وفق “حسنين”؛ لأن هذه الأدوية تخفض السكر فقط إذا كان مرتفعًا، ولا خوف من فكرة تخفيض السكر في الدم لدى الأشخاص الذين لا يعانون من السكري.
كيف نتجنب الإصابة بفشل القلب؟
ثمة طريقة واحدة لتجنُّب الإصابة بفشل القلب، وهي تجنُّب الأسباب التى تؤدي إلى هذا المرض والسيطرة عليها، مثل مرض الشريان التاجي وارتفاع ضغط الدم والسكري والسمنة.
وتتسبب بعض أمراض القلب -مثل تضيُّق شرايين القلب أو ارتفاع ضغط الدم- تدريجيًّا في إضعاف القلب أو تيبُّسه بدرجة تؤثر في قدرته على سحب الدم وضخه بشكل مناسب.
وعندما لا تضخ عضلة القلب الدم كما ينبغي، غالبًا ما يرتد، ما قد يؤدي إلى تراكُم السوائل في الرئتين، وبالتالي الإصابة بضيق التنفس.
ونصح “طه” باكتشاف قصور القلب وعلاجه مبكرًا؛ لأن التأخير في بدء خطة العلاج يمثل خطورةً على صحة المريض، ويقلل من نسبة استجابة الجسم للأدوية، كما أنه يزيد من احتمالات تكرار دخول المستشفى للعلاج، وبالتالي تنخفض فرص تحسين جودة حياة المريض.
وأضاف أن الميزة الكبيرة لمثبطات الـ(SGLT2) أنها لا تحافظ على عضلة القلب من الانهيار وحسب، بل تُحدث تحسنًا نوعيًّا في كفاءة القلب أيضًا.عن “ساينتافيك أميريكان”