الصيد وتغير المناخ يهددان ثلثي أسماك القرش والشفنين المرجانية بالانقراض

الرئيسية مقالات
رحمة ضياء:صحفية علمية
الصيد وتغير المناخ يهددان ثلثي أسماك القرش والشفنين المرجانية بالانقراض

 

الصيد وتغير المناخ يهددان ثلثي أسماك القرش والشفنين المرجانية بالانقراض

 

 

 

على الرغم من سمعتها السيئة ككائنات مفترسة يُهاجم بعض أنواعها البشر، فإنها تقدم خدمات لا غنى عنها للنظام البيئي البحري، ومن شأن التناقص الكبير والمتزايد في أعدادها أن يخل بالتوازن البيئي، لذا كانت هناك حاجة ضرورية إلى إجراء تقييم للمخاطر التي تعرضت لها أسماك القرش وكذلك أسماك الشفنين المرجانية خلال نصف قرن، الأمر الذي عمل عليه فريق من الباحثين في إطار ورقة بحثية نُشرت في يناير الماضي، في دورية “نيتشر كوميونيكيشنز”، كاشفين عن أن ما يقرب من ثلثي هذه الأنواع التي ترتبط حياتها كليًّا أو جزئيًّا بالشعاب المرجانية، مهددة بالانقراض، وجاء الصيد الجائر سببًا رئيسيًّا لذلك التهديد، ويتفاقم الخطر بفعل تغيُّر المناخ وتدهور الموائل.

قالت سامانثا شيرمان -زميل أبحاث ما بعد الدكتوراة في جامعة سيمون فريزر بكندا وأحد أعضاء الفريق البحثي- في تصريحات خاصة لـ”للعلم”: إن كل أنواع أسماك القرش والشفنين المرجانية المدرجة في فئة “مهددة” يمثل “الصيد” تهديدًا لها، وأرجعت السبب في ذلك إلى قرب الشعاب المرجانية من المجتمعات الساحلية الكبيرة التي تعتمد على مياه المحيط في الغذاء والدخل، وأضافت أن تغير المناخ يؤدي إلى تفاقم التهديد الذي تتعرض له، لكننا بحاجة في الأساس إلى حلول للصيد الجائر من أجل ضمان استمرار هذه الأنواع في المستقبل.

أبرز التهديدات والنتائج

واستعان الفريق البحثي بالقائمة الحمراء للاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة (IUCN) والمعايير التي التزمتها لتحديد حالة أسماك القرش والشفنين المرجانية في جميع أنحاء العالم، ويبلغ عددها 134 نوعًا، (من الأقل قلقًا وتهديدًا حتى المنقرض)، ووجدوا أن نسبة التهديد بلغت 59%.

وتراوحت أسباب الخطر بين الصيد المستهدف لنوع معين من الأسماك الذي مثَّل تهديدًا لأكثر من ثلثي الأنواع بنسبة (68٪)، والصيد غير المتعمد الذي يهدد جميع الأنواع تقريبًا بنسبة (98٪)، وشملت التهديدات الأخرى التي تعمل بالتزامن مع الصيد: تغير المناخ بنسبة (36%)، وفقدان الموائل وتدهورها نتيجةً للتنمية السكانية والزراعة بنسبة (36%)، والتلوث بنسبة (9%)، ومثلت استخدامات أسماك القرش والشفنين للاستهلاك البشري تهديدًا بنسبة (98%) لعدد 109 من الأنواع؛ إذ تُستخدم في تصنيع الملابس والإكسسوارات، كما يتم اصطيادها من أجل لحومها وزعانفها، وتُستخدم كذلك كأغذية للحيوانات وفي صناعة الأدوية وللعرض في أحواض السمك.

وذكرت الورقة أن أسماك القرش من فئة الأسماك الكبيرة الحجم، والتي تأتي في قمة الهرم الغذائي، ويؤدي القضاء عليها إلى خسائر وظيفية تُفضي إلى اضطرابات في النظام البيئي نتيجة تزايُد أعداد المفترسات المتوسطة، ومن ثم تغيرات متتالية في السلسلة الغذائية.

أما الشفنين وهي من الأسماك الغضروفية وتُعرف أيضًا بأسماك “الراي”، فقالت شيرمان إن أسماك “الراي اللسّاع” تعمل كمهندسين للنظام الإيكولوجي؛ لأنها عندما تتغذى تخلق حفرًا في الرمال تسمى “حفر التغذية”، وعندما ينحسر المد، تحتفظ بعض الحفر بالمياه وتوفر مكانًا للأسماك الصغيرة والحيوانات الأخرى للاختباء من الحيوانات المفترسة الأكبر حجمًا، كما تعمل أسماك الراي أيضًا على استقرار الشبكات الغذائية باعتبارها مفترسات متوسطة، مما يعني أنها تستهلك مجموعة واسعة من المستهلكين الأساسيين الصغار ولكنها أيضًا تُعد فريسةً للحيوانات المفترسة الأكبر حجمًا، كما أن بعض أنواع أسماك الراي -مثل أسماك شيطان البحر- مهمة لدورة المغذيات عبر الموائل.

وأوضح محمود معاطي -مدرس الأحياء البحرية بمعهد علوم البحار في الغردقة- لـ”للعلم” أن ارتباط أسماك القرش والشفنين بالشعاب المرجانية يكون من أجل الحماية والغذاء، وهناك أنواع تعيش حول الشعاب طوال حياتها مثل قرش الشعاب الرمادي، وأنواع أخرى (خاصة الأنواع التي تبيض) تلجأ إليها عند التكاثر، إذ تمثل بيئة مناسبة لها لتضع البيض بدلًا من المياه المفتوحة المعرضة فيها لخطر التيارات البحرية والمفترسات، في المقابل هناك أنواع لا ترتبط بالشعاب نهائيًّا وتعيش غالب وقتها في المياه المفتوحة، مثل قرش الذئب أو الماكو قصير الزعنفة، ولكنه قد يقترب من مناطق الشعاب في بعض الأحيان.

وأوضح الدور الذي يؤديه تغير المناخ وتأثيره على تلك الأسماك، قائلًا: “يؤثر تغير المناخ على درجة حرارة المياه ومستوى الضغط وتغير التيارات البحرية، مما يؤثر على بيئة القروش والفرائس التي تتغذى عليها، وهو ما يجعل أسماك القرش تنتقل إلى بيئات أخرى قد لا تكون مناسبة، أو تجنح إلى الشواطئ وتتعرض للهجوم من البشر، أو تهاجم هي البشر”.

وأضاف أن من فوائد القروش أنها تتغذى على الأسماك الضعيفة والمصابة والمسنة، بينما تكون الأنواع القوية أكثر قدرةً على الهرب، مما يسمح بأن يكون النسل القادم قويًّا، كما أن هناك أنواعًا من القروش جامعة “قمامة”، أي أنها تخلِّص البحر من الجثث والكائنات الميتة، وانقراضها يمثل خسارةً كبيرةً للبيئة البحرية، كما أن وجودها في البيئة يدل على صحة البيئة وقوتها وقدرتها على استعادة التنوع الطبيعي ووفرة الأنواع والأفراد القوية.

توصيات

وأوصت الورقة البحثية، التي شارك فيها مؤلفون من 21 دولة مختلفة، يعملون من جميع أنحاء العالم -وفق شيرمان- باتخاذ إجراء فوري، وأن الحماية المحلية إلى جانب إدارة مصايد الأسماك على نطاق واسع والمحميات البحرية مطلوبة لتجنُّب حالات الانقراض وفقدان التنوع البيولوجي لأسماك القرش والشفنين المرجانية والخدمات التي تقدمها للنظام البيئي، مما يحد من سبل العيش والأمن الغذائي.

وكشفت دراسة سابقة نُشرت في دورية “نيتشر” في يوليو 2020 أن أسماك قرش الشعاب المرجانية توجد بوفرة نسبية أعلى بكثير في الملاذات والمحميات والمناطق المغلقة والمواقع التي تطبق لوائح صيد صارمة، وتقل حين تغيب الرقابة مما يسمح بزيادة عمليات الصيد الجائر، وأن هذه السياسات من شأنها أن تسهم في استعادة تجمعات أسماك القرش المرجانية وإدارتها.

وقالت شيرمان: “على الرغم من أن نتائجنا تبحث فقط في أسماك القرش والشفنين المرجانية، تُظهر المنشورات الحديثة الأخرى أن أسماك القرش والشفنين تتراجع عالميًّا بسبب الصيد، وعليه يمكن تعميم التوصيات المقترحة على جميع أنواع أسماك القرش والشفنين، ومع ذلك فإن مستوى التهديد لتلك الأسماك على الشعاب المرجانية يكاد يكون ضعف التهديد العالمي، وبالتالي فإن هذه النظم البيئية تتطلب إجراءات فورية”.

ويهدد الصيد الجائر أكثر من ثلث مختلِف أنواع أسماك القرش والشفنين عالميًّا بالانقراض، وفق ورقة نشرتها مجلة “كارانت بيولوجي” عام 2021.

كما ترتفع نسبة التهديد في بعض الأنواع الأخرى، إذ تراجعت الوفرة العالمية لأسماك القرش والشفنين المحيطية، البالغ عددها 31 نوعًا، بنسبة 71% في الخمسين عامًا الماضية؛ بسبب زيادة ضغط الصيد بمقدار 18 ضعفًا، وفق دراسة نُشرت في دورية نيتشر في يناير 2021، أكدت الحاجة الماسة إلى الحظر الصارم وحدود الصيد الوقائية المستندة إلى العلم لتجنُّب الانهيار السكاني وتعطيل الوظائف البيئية وتعزيز استعادة الأنواع.

ويقول أحمد شوقي -باحث في علوم البحار وحاصل على دكتوراة في البيولوجية البحرية من جامعة قناة السويس- لـ”للعلم”: إن تناقُص أعداد القروش، التي تأتي في قمة الهرم الغذائي، يؤدي إلى زيادة أعداد الأسماك الأقل منها في الهرم الغذائي، ومن ثم افتراس هذه الأسماك للمزيد من الأسماك الصغيرة التي تتغذى على الطحالب، وهو ما يؤدي إلى نمو الطحالب بشكل كبير يغطي على المرجان ويحجب عنه أشعة الشمس مما يؤدي إلى موته، كما أن هذا النمو المتزايد يجعل من الصعب على المرجان أن يضع يرقته ويثبتها، لعدم وجود أرض صلبة خالية من الطحالب أسفله بعد افتراس الأسماك التي كانت تنظف الأرض من الطحالب بشكل مستمر وتمنع نموها بطريقة غير مرغوب فيها، لافتًا إلى أن القروش تحفظ التوازن البيئي بين مختلف الأنواع حتى لا يطغى نوع على نوع آخر.

وأشار إلى أن تناقص القروش يهدد كذلك بتناقص الأعشاب البحرية، موضحًا: “تسبح قروش النمر بجوار أماكن نمو الأعشاب، وهو ما يدفع أبقار البحر التي تتغذى على الأعشاب إلى الفرار خوفًا، ويعطي ذلك للأعشاب الفرصة للنمو من جديد، وحين تغيب القروش تتحول المناطق التي تنمو فيها الأعشاب إلى أرض بور نتيجةً للرعي الجائر للأبقار”، لافتًا إلى الدور المهم الذي تؤديه تلك الأعشاب في تخزين الكربون وإنتاج الأكسجين المهم لمعيشة الكثير من الكائنات.

وأكد ضرورة محاربة الصيد الجائر وغيرها من العوامل التي تؤدي إلى تهديد القروش والشفنين، مثل القمامة البحرية والصيد عن طريق الخطأ والتنمية الساحلية وسلوكيات الغوص السيئة، لافتًا إلى أن التوسع في إقامة المحميات الطبيعية يسيطر على كل هذه السلوكيات الضارة، كما أن العائد من سياحة مشاهدة القروش والغوص معها أكبر بكثير من ثمن بيع لحومها أو زعانفها لإعداد الحساء.

ولفت إلى أن مواجهة تناقص أعداد أسماك القرش يتطلب وجود فرق وطنية للمراقبة والرصد الدوري لحركتها وسلوكها، قائلًا: “نحتاج إلى توافُر بيانات لدينا حتى نستطيع التصرف بشكل سليم”.

الخطوة القادمة

واختتمت الباحثة سامانثا شيرمان تصريحاتها قائلة: “بالإضافة إلى مؤلفي هذه الورقة، هناك العديد من باحثي أسماك القرش والمنظمات غير الحكومية الذين يشاركون في مناقشات مع السلطات ذات الصلة من أجل المساعدة في التخطيط لإغلاق مصايد الأسماك، والتغييرات في عمليات الصيد، وتخطيط المناطق المحمية البحرية وتنفيذها، ويمكن استخدام دراستنا لحث السلطات ذات الصلة على إجراء التغييرات الإدارية المطلوبة لتحسين حالة أنواع الشعاب المرجانية”.

وأضافت: “سأستمر في العمل في هذا المجال لإيجاد الحلول المُثلى التي تفيد الشعاب المرجانية ولا تضر بالمجتمعات الساحلية التي تعتمد على الشعاب المرجانية لتحقيق الأمن الغذائي وسبل عيشهم”.عن “ساينتافيك أميريكان”