لكل مجتمع في العالم، أبجدياته الخاصة من القيم الثقافية وسلوكيات شعبه ومعايير التعامل بين أفراده وقادته، ودولنا الخليجية الست تمثل "مجتمع واحد" منذ الأزل جغرافياً وإنسانياً

“التبليك_بدون_تعليق” استراتيجية لخنق “رئة المغرد المسيء”

الرئيسية مقالات
 محمد خلفان الصوافي:كاتب إماراتي

“التبليك_بدون_تعليق” استراتيجية لخنق “رئة المغرد المسيء”

 

 

 

لكل مجتمع في العالم، أبجدياته الخاصة من القيم الثقافية وسلوكيات شعبه ومعايير التعامل بين أفراده وقادته، ودولنا الخليجية الست تمثل “مجتمع واحد” منذ الأزل جغرافياً وإنسانياً؛ وإن حدثت اختلافات في الرأي فيفترض أنها لا تتجاوز تلك القيم والمعايير وإلا فإن الأمر سيكون له أبعاداً وتأثيرات سلبية لن تقتصر على مجتمع خليجي واحد وإنما سيشمل الجميع، وخلال الفترة الأخيرة ونتيجة لمتغيرات كثيرة حدثت في منطقة الشرق الأوسط أو ما عرف وقتها بـ”الربيع العربي” كانت الأداة الرئيسية في هذا التغيير وسائل التواصل الاجتماعي التي وظفت من تيارات وتنظيمات أيديولوجية ساهمت في تخريب الثقافة المجتمعية المتعارف عليها في هذه الدول.

أغرى أصحاب الأجندات التخريبية ذلك النجاح في عدد من الدول العربية قبل أكثر من عقد لأن يستمروا في توظيف وسائل التواصل الاجتماعي بعد أن تأكدوا من فعاليتها وقدرتها على إثارة النعرات وتخريب الثقافة أو على الأقل “التشكيك” فيها مستخدمين أسماء وهمية أو ما يعرف في هذا الفضاء بـ”الذباب الالكتروني” وركزوا بشكل أساسي على الدول التي تمثل “قوة عربية” خاصة تلك العلاقة بين المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة الدولتين اللتين تمثلان جبهة عربية ضد التحديات التي تتعرض لها الدول العربية والخليجية خاصة بعد مرحلة “الربيع العربي” بهدف زعزعة العلاقة بين البلدين أو الشعبين مستخدمين في أحيان كثيرة أسماء وهمية أو على الأقل يمثلون أيديولوجيات سياسية لا يعجبها نجاح تلك العلاقة، فكانت هناك حملات إعلامية مسيئة تتعرض للعلاقات بين الشعبين وأحيان تسيء للرموز السياسية في هذه الدول.

ومع أن هذا المشهد الإعلامي “الشاذ” على المجتمع الخليجي لم يكن يعجب أغلب أبناء هذه المنطقة وكانت هناك محاولاتهم المستميتة لإسكات هؤلاء وإعادة توجيههم إلى المسار الخليجي المعتاد إلا أن تأثير تلك “القلة” الخارجة على عادات المجتمع أكبر ما جعلها مستمرة إلى أن جاءت المبادرة الإماراتية التي دشنها معالي الشيخ عبد الله بن محمد بن بطي آل حامد، رئيس المكتب الوطني للإعلام ورئيس مجلس إدارة مجلس الإمارات للإعلام في 25 أغسطس 2024، بشأن إيقاف الحملات الإعلامية المسيئة لدول الخليجية ولرموزها السياسية وصولاً إلى استئصالها، وحملت عنوان “تبليك_بدون_تعليق”.

“الرئة الإعلامية” التي يتنفس بها المغرد في وسائل التواصل الاجتماعي خاصة المسيء هي: التعليق أو بالسلب أو الإيجاب، ولكن بمجرد أن تتجاهله أو تعمل له “بلوك” فإنك تقوم بخنق رئته الإعلامية ولا يستطيع التنفس وبث سمومه وربما هذا ما يفسر نجاح هذه الحملة بعدما سجلت تراجع عدد كبير من الأرقام للحسابات الوهمية في مقابل استمرار “ترند” “تبليك_بدون_ تعليق” بالعمل، فهذه الاستراتيجية رغم بساطتها إلا أن فعاليتها كبيرة وهي بالأمانة تتناسب وطبيعة عمل وسائل التواصل الاجتماعي.

الاستجابة الخليجية للمبادرة، هي الصرخة الحقيقية لأبناء هذا المجتمع الذي ما يزال يمثل خصوصية في العديد من القصص الناجحة منها على سبيل المثال وليس الحصر، العلاقة الخاصة التي تربط قادته بشعوبهم، والنجاح في التجارب التنموية رغم التحديات، ومنها أيضاً الحفاظ على كيانه الوحدوي بين الدول الست وهو ما يغيض أصحاب الأجندات ممن لا يؤمنون بالدولة الوطنية من الإخوان المسلمين. وبالتالي كان من الطبيعي أن يتم وصف تلك المبادرة بـ”الشجاعة”.

أجمل قيمة في العمل السياسي هي الشجاعة رغم أن صاحبها قد يعرض نفسه لنتائج غير محسوبة العواقب، ولكن إذا كان صاحب المبادرة واثق من مسعاه ويدرك ما في دواخل شعبه فإنه سيجد من يدعمه ويقف تجاه مبادرته وأعتقد أن هذا الصفة رأيناها خلال طرح المبادرة التي لقيت قبولاً وتأييداً من أبناء الخليج كلهم وفي أكثر من محفل منها: منتدى الاتصال الحكومي بالشارقة. فالمبادرة وضعت النقاط فوق الحروف وأصبح الأمر قابل للفهم والتوضيح بمن يريد أن يشارك فيها بصورة إيجابية ومن يسعى إلى تخريب الخصوصية الخليجية التي رسمت نمط معين في ذهنية التعامل بين شعوبها والتي لخصتها في المقولة الخالدة “خليجنا واحد” أي بمعنى أمن هذه الدول واستقرارها واحد ولا يقبل التجزئة.

لقد جاء التفاعل الخليجي لهذه المبادرة بصورتين. الصورة الأولى: رسمية حيث أيدت وزارات الإعلام الخليجية المبادرة وأشادت بها وهو أمر طبيعي باعتبار أن القيادات الخليجية تدرك أبعاد تأثيرات هذه الحملات التي تستغل وسائل التواصل الاجتماعي لأهدافها غير النظيفة وغير السوية.الصورة الثانية: على مستوى الإعلاميين وهم أهل الاختصاص والفاعلين فيه، حيث أكدوا على دعمهم للمبادرة وفق النهج الذي طرحه صاحب المبادرة معالي الشيخ عبدالله آل حامد والتي لخص استراتيجيته في: “تبليك_بدون_ تعليق”.

سجلت حكومة الإمارات موقفها الأخلاقي من التغريدات المسيئة للمجتمعات الخليجية وبقي على الإعلاميين الخليجيين مسألة الحفاظ على إرثهم الثقافي فالمسئولية مشتركة بين الحكومة والشعب.


تعليقات الموقع