استدامة الطموح

الرئيسية مقالات
محمد خلفان الصوافي

 

“علمتني_الحياة” هو: وسم خاص لحساب صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، على منصة “إكس” تويتر سابقاً.

ينقل فيه سموه بين الفترة والأخرى تجربته ومشاركته في بناء دولة “ملهمة” للعالم في صناعة قصص النجاح التنموية في مجالات الحياة المختلفة، وقد نشر سموه آخر تلك التجارب مؤخراً على الشكل الآتي: “إن ما يقود الشعوب نحو التطور ليس الوفرة المادية، بل الطموح”.

من أجل فهم الرسالة التي تتضمنها هذه الكلمات البسيطة في عددها، ولكنها كلمات عميقة في معانيها ومضامينها نحتاج إلى وقفة أمام كلمتين من تلك التغريدة وهي: الوفرة المادية والطموح، ونعيد بذاكرتنا التاريخية إلى أزمان لاستعراض تجارب دول ومجتمعات أخرى سبقت دولة الإمارات في التجربة التنموية وفي الوفرة المادية بكثير وربما ما تزال بعضها تمتلك تلك الوفرة “والوفرة المادية هنا حسب اعتقادي لا تقتصر على المال فقط وإنما كل مقدرات الوطن” ولكن غياب الطموح وهي الجزئية الثانية والأهم في المعادلة مع وجود رؤية قائد يدرك ما يريده لوطنه وشعبه، أدى لأن تقف تلك الدول عند مكانها عن التطور وملاحقة مجريات الأحداث وليس بناء المستقبل الذي هو اليوم “حرفة” بل سبقتها دول لديها طموحات أكبر من الوفرة المادية التي تمتلكها.

تغريدات صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم تخاطب الفكر الإنساني وتحمل منطق قابل للتطبيق لأنها مجربة وتبرهن على أرض الواقع من خلال ما يحدث في دولة الإمارات وهي الحالة أو النموذج الذي يستخدمه سموه في إبراز تجربته في النهوض بالدولة.

في الإمارات حالياً كما في غيرها من الدول المتقدمة، لم يعد الحديث في الاستراتيجيات التنموية مقتصر على النهوض بالمجتمعات لأنه أصبح شيء من التاريخ في عالم يقوده الاقتصاد ويغير الكثير من النظريات الحديثة. بل التركيز الآن لكل المخططين الاستراتيجيين في كيفية “استدامة التنمية” والحفاظ عليها بحيث تجعل من المجتمعات التي حققت تقدماً أن تحافظ عليه وتضاعف فيه لأن الكل يعمل للنهوض والمنافسة وفق منطق: “من السهل الوصول إلى القمة، ولكن من الصعب المحافظة عليها”؛ وبالتالي هنا يكمن قمة “الطموح الإنساني” وهذا هو السر الذي جعل الإمارات تحافظ على مكانتها التنموية، لأنها دائما تنافس نفسها وفي كل منافسة مع نفسها تنتصر بتجربة جديدة وملهمة.

“استدامة الطموح” الإماراتي يمكن أن نرصده في الجهود الكبيرة التي تبذلها القيادة الرشيدة في الدولة ليس فقط في وضع الخطط والاستراتيجيات التي تخاطب المستقبل وترسم خارطة الطريق الذي ينبغي أن تسير عليه، ولكن هذه “الاستدامة” تتمثل في الاهتمام بعنصر الشباب والدفع بهم لأن يتواجد في كل مفاصل قطاعات الحكومة الاتحادية لضمان الاستدامة في التطور والتنمية الذي بات اليوم هاجس كبير بسبب سرعة التغير في العلوم التكنولوجية، وملاحقته يندرج ضمن أشكال “الطموح العظيم” لأنه يعني استدامة الإلهام التنموي الذي عرفت به دولة الإمارات عالمياً واستدامة الإبهار أو التأثير من ناحية كسر المستحيلات وعدم الاعتراف بها في ظل وجود إرادة الإنسان.

طموح الإنسان كفرد أو طموح دولة، أمر مهم جداً لإحداث تغيير الظروف التي وجد فيه نفسه من خلال خلق الفرص والعمل على تطويرها من أجل تغيير واقعه. ربما لمس البعض من رأي العام العالمي ما فعلته القيادة الإماراتية على مدى العقود الخمس الماضية من تحولات تنموية ضخمة وشاملة، وأكدت عملياً بأن “الوفرة المادية” رغم أهميتها، ولكن ليست هي الأساس وإنما طموح الإنسان هو من يغير مسارات الحياة ويحسن من جودتها ويفكر بإيجابية لمصلحة الجميع.

ربما هذا هو ما يفسر لنا مبادرات الإمارات إلى العالم التي جاءت كلها تحمل أفكاراً “طموحة” لتغير نمط التفاعلات الإنسانية في العالم، فالتسامح هي مبادرة من أجل تقليل الحروب والصراعات، والمساعدات الإنسانية من أجل حياة أفضل للإنسان في أي مكان في العالم، والحوار والتفاوض عوضاً عن حمل البندقية والصاروخ، والشراكات الاستراتيجية من أجل مواجهة التحديات التي تواجه مجتمعنا الصغير “العالم” لفائدة متبادلة للجميع.


تعليقات الموقع