في ندوة سياسية كبرى لمركز "تريندز"

خبراء وأكاديميون يناقشون جهود السلام والاستقرار في منطقة القرن الإفريقي

الإمارات الرئيسية السلايدر

 

 

 

 

أبوظبي – الوطن:

 

أكدت ندوة علمية سياسية لمركز تريندز للبحوث والاستشارات ضرورة تشجيع الحوار الداخلي وإجراءات بناء الثقة بين حكومات منطقة القرن الإفريقي من أجل إرساء أسس التكامل الإقليمي والتعاون الاقتصادي. ووضع آلية لتسوية المنازعات بين دول القرن الإفريقي وتقديم الدعم اللازم لضمان فاعليتها.

وأوصى خبراء وأكاديميون من عدة دول شاركوا في أعمال ندوة سياسية كبرى نظمها مركز تريندز صباح أمس الثلاثاء، بالقاعة الرئيسية في فندق فيرمونت باب البحر-أبوظبي تحت عنوان: «جهود ومبادرات السلام والاستقرار في منطقة القرن الإفريقي – تقييم الأدوار والمصالح» بضرورة المساعدة في بناء القدرات المؤسسية والفنية لتقوية سلطة الحكومات الوطنية، وتفضيل المناهج الوقائية التي تعالج مجموعة من الدوافع المحتملة لعدم الاستقرار، وتقديم الدعم السياسي لدور الاتحاد الإفريقي في حل النزاعات القائمة في القرن الإفريقي.

كما طالبوا في الندوة التي قدمت لها علياء الجنيبي رئيس قسم الاتصال الاستراتيجي بتريندز، بالحد من التنافسات بين الدول الثالثة، التي تؤدي إلى زعزعة الاستقرار في القرن الإفريقي من خلال زيادة التعددية وتنسيق المواقف المشتركة بين الأطراف الخارجية، وأهمية تنسيق الجهود الإقليمية والدولية الهادفة إلى مكافحة القرصنة وتحقيق الأمن البحري في القرن الإفريقي واعتماد آليات جماعية مشتركة متفق عليها لتحقيق هذا الهدف. كما شددوا على ضرورة التصدي على وجه السرعة لتهديدات تغير المناخ من خلال زيادة المساعدات الإنسانية وتعزيز التعاون مع الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية في شرق إفريقيا “إيغاد”.

أهمية جيواستراتيجية كبيرة لمنطقة القرن الإفريقي

وقد بدأت أعمال الندوة بكلمة ترحيبية للدكتور محمد عبدالله العلي الرئيس التنفيذي لتريندز، حيث أشار إلى أن الندوة تناقش واحدة من القضايا، التي تشغل اهتمام المفكرين والسياسيين على السواء، وهي تلك المتعلقة بكيفية تحقيق الاستقرار والسلام والتنمية في منطقة القرن الإفريقي، ذات الأهمية الاستراتيجية الكبيرة لإفريقيا والشرق الأوسط والعالم ككل، وكيفية تنسيق الجهود والمبادرات والأدوار الخارجية الرامية لتحقيق هذا الهدف، وصولًا إلى أفضل النتائج الممكنة. وشدد على الأهمية الجيواستراتيجية الكبيرة التي تحظى بها منطقة القرن الإفريقي. وقال إن هذه الأهمية الجيواستراتيجية لمنطقة القرن الإفريقي جعلت منها نقطة جذب دولية، وساحة للتنافس السياسي بين القوى الإقليمية والدولية على الحضور وامتلاك النفوذ فيها حفاظًا على مصالحها. بل وصل الأمر إلى حد قيام دول كبرى، مثل الولايات المتحدة والصين وبريطانيا، بإيفاد مبعوثين خاصّين إلى منطقة القرن الإفريقي؛ تأكيدًا للأهمية التي تحظى بها، ضمن استراتيجياتها العالمية.

وأوضح الدكتور محمد العلي أن هذه المنطقة، عانت ولاتزال، العديد من الأزمات التي هددت، وتهدد، حالة الأمن والاستقرار فيها، مبينًا أن الأهمية الاستراتيجية لمنطقة القرن الإفريقي، وتعدد الأزمات التي تعانيها، شكلا عاملين دافعين لكثير من الدول والأطراف الخارجية، الإقليمية والدولية، للقيام بتحركات وتقديم مبادرات وتصورات؛ لحل أزمات هذه المنطقة الحيوية من العالم، وتعزيز الأمن والاستقرار فيها.

وأشار إلى أن بعض هذه الجهود حققت نجاحات مهمة، ولفت إلى أنه رغم أهمية هذه النجاحات، فإن زخم التنافس، وتضارب المصالح أحيانًا، بين بعض القوى الدولية والإقليمية المتدخلة في المنطقة، قد حدّ من النتائج المتوخّاة من هذه الجهود الإقليمية والدولية، المتنوعة والرامية لتحقيق الاستقرار الإقليمي في القرن الإفريقي، بل قد ساهم أحيانًا في تعقيد حدة الأزمات القائمة. وهو ما يطرح تساؤلات جادة حول كيفية التوفيق والتنسيق بين جهود الأطراف الخارجية ومبادراتهم، بما يؤدي في النهاية إلى تعزيز الاستقرار والتنمية في هذه المنطقة المهمة من العالم.

وقال الرئيس التنفيذي لمركز تريندز للبحوث والاستشارات، انطلاقًا من هذه النقاط والأفكار يأتي تنظيم مركز تريندز لهذه الندوة المهمة، ضمن رسالته واستراتيجيته البحثية الرامية إلى تقديم فهم أفضل وتحليل أدقّ لمختلف القضايا والتطورات التي يشهدها العالم واستشراف مستقبلها، معربًا عن أمله في أن تسهم هذه الندوة، بما تضمّه من خبراء ومتخصّصين رفيعي المستوى، في تحقيق الأهداف وتقديم تصورات ورؤى تستشرف مستقبل هذه المنطقة الحيوية، بما يعزز حالة الأمن فيها؛ ما سيسهم بدوره في تعزيز الاستقرار الإقليمي والعالمي.

الاستقرار في القرن الإفريقي

عقب ذلك انطلقت أعمال الندوة بعقد الجلسة الأولى تحت عنوان: «الاستقرار في القرن الإفريقي: المحددات والأسباب والدوافع»، التي أدارتها رهف الخزرجي نائب مدير إدارة النشر العلمي بـ “تريندز”، والتي أكدت أن ارتباط المنطقة بالقرن الإفريقي هو ارتباط تاريخي، وهو تعاون يمتد لقرن من الزمان.. مشيرة إلى أن منطقة القرن الإفريقي ضرورية لإفريقيا والعالم أيضًا.

وتناول كالب دميرو، مرشح دكتوراه بجامعة جنوب فلوريدا الأمريكية، في ورقة عمل حول “النخب والعنف: المحددات المؤسسية للاستقرار السياسي في القرن الإفريقي” – تناول المحددات المؤسسية للاستقرار السياسي، مشيرًا إلى أنها تشمل مستويات التخصيص مقابل مستويات إضفاء الطابع المؤسسي على آليات المحسوبية القائمة على الإيجارات، ومستويات التخصيص في أدوار النخبة، وخاصة تخصيص الوظائف الاقتصادية والسياسية والعسكرية، ومستويات مصداقية الاتفاقيات القائمة على الإيجارات.

وأكد أنه لزيادة الاستقرار السياسي، يجب أن تشتمل الآليات المؤسسية على توحيد امتيازات النخبة؛ مثل “سيادة القانون للنخب”، ونظام العقود الموثوق به (حقوق الملكية الآمنة، وتدوين القوانين النابعة من صفقات النخبة المؤسسية، وإضفاء الطابع الرسمي على الجهات الفاعلة، وما إلى ذلك)، ويجب سيطرة الدولة على جهاز سياسي – عسكري متخصص. وقال إن بناء الدولة في المنطقة بالغ التعقيدات؛ لذلك يجب أن تلتقي سياسة التنمية بالدول التي توجد فيها بدلًا من محاولة نسخ ولصق الهياكل المؤسسية من الغرب.

وتحدث في الجلسة الأولى أيضًا، ألكسي يلونين الباحث بمركز الدراسات الدولية بجامعة لشبونة البرتغالي، وقال إنه بالنظر إلي بعض المؤشرات المرصودة في القرن الإفريقي اليوم، نلاحظ هشاشة بعض الدول مثل الصومال وكذلك جنوب السودان، وهذا الضعف إرث خلّفه الماضي، وأضاف يلونين أن هناك ديناميات معينة تسهم في عدم الاستقرار بمنطقة القرن الإفريقي؛ ومنها حكم الأقلية، والسياسات المتعلقة بالهويات، وتهميش فئات مختلفة من المجتمع، مضيفًا أن هذا يعود إلى فترة الاستعمار.

وقال يلونين: «انطلقنا من الاستعمار إلى الحرب الباردة التي لها باع أيضًا وتأثير على منطقة القرن الإفريقي، وما شهدته هذه المنطقة من تدخل خارجي في هذه الحقبة في إطار المنافسة بين القوى الكبرى والحروب بالوكالة، حيث إنه خلال هذه الفترة تم دعم العديد من المجموعات المتمردة من قبل قوى خارجية، موضحًا أن ما يحدث اليوم، هو استمرار الدول الضعيفة على نهج إرث الماضي، بالإضافة إلى الإصرار على التمسك بالوضع الراهن من النخب المحلية المستفيدة اقتصاديًا مما يحدث في القرن الإفريقي، وأضاف أن كل ما سبق يشكل أسبابًا تدفع إلى عدم الاستقرار والنزاع، مبينًا أنه عند وضع حلول للأزمة المزمنة، يجب إدراك ضعف هذه الدول، والتأثيرات السلبية المحتملة للتدخلات الخارجية، وأهمية العمل على تعزيز شرعية دول القرن الإفريقي، والأمر في هذا الشق لا يتعلق بالسلطات فحسب بل بإطار شرعي من الحوكمة.

الأمن البحري والقرصنة في القرن الإفريقي

وناقشت الجلسة الثانية: «الأمن البحري والقرصنة في القرن الإفريقي: التحديات وكيفية المواجهة»، وقد أدارها ليوناردو جاكوبو، الباحث بقسم الدراسات الاستراتيجية بـ”تريندز”، الذي أشار فيها إلى أنه على الرغم من أن المبادرات الأمنية البحرية التي نفذتها جهات إقليمية ودولية أثبتت فاعليتها القصوى في مواجهة ظاهرة القرصنة الصومالية، فإن المجال البحري قبالة القرن الإفريقي بعيد كل البعد عن اعتباره منطقة خالية من المتاعب.

وفي مداخلة له أكد الدكتور أولي بيكا سورسا، الأستاذ المساعد ببرنامج الأمن الداخلي بأكاديمية ربدان أن منطقة القرن الإفريقي تعتبر منطقة حيوية للأمن البحري، ومهمة للتجارة والنقل الدوليين، لكنها لا تزال منطقة شديدة الخطورة أيضًا، مبينًا أن ذلك يعود إلى أنها حلقة وصل بين قارتي آسيا وأوروبا عبر الشرق الأوسط، وأضاف أنه عند الحديث عن القرصنة في خليج عدن، فمنذ عام 2018 لم يشهد محيط القرن الإفريقي العديد من حوادث القرصنة، ويرجع ذلك أساسًا إلى قيام الأطراف الثالثة بمكافحة القرصنة في المنطقة، وهذه الأطراف تشمل البحرية الدولية، ولاسيما البحرية الأمريكية، وفرنسا، والمملكة المتحدة، وبعض القوات البحرية الآسيوية، بما في ذلك القوات البحرية للصين واليابان وكوريا الجنوبية وإندونيسيا، مؤكدًا أن هذه القوات البحرية تلعب دورًا مهمًا في الإجراءات الأحادية الجانب لمكافحة القرصنة، إلى جانب إجراءات متعددة الأطراف، والأهم من ذلك مهمة الاتحاد الأوروبي. وعلاوة على ذلك، لعبت العديد من المنظمات التجارية دورًا بارزًا للغاية، لكنه مثير للجدل، في مكافحة القرصنة. وأوضح سورسا أن صناعة الشحن قللت من المخاطر العالية للقرصنة في المنطقة، وأن الأسباب الجذرية والعوامل الأساسية للقرصنة موجودة على الأرض وليس في البحر، وتشمل هذه العوامل: المؤسسات الضعيفة، والحكم الهش، والصراع الأهلي، والاضطرابات السياسية، والفساد، والفقر. وأضاف قائلًا: “إن التعامل مع أعراض مشكلة القرصنة في البحر غير كافٍ”، مشيرًا إلى أهمية تشجيع الصناعة البحرية ومعالجة الأسباب الجذرية على الأرض، التي تؤدي إلى القرصنة.

من جانبه أكد تيموثي بيتر إدموندز أستاذ الأمن الدولي بجامعة بريستول البريطانية في ورقة بعنوان “ما وراء القرصنة: تهديدات واستجابات الأمن البحري قبالة القرن الإفريقي”، أنه في حين تم احتواء القرصنة قبالة سواحل الصومال إلى حد كبير، لاتزال هناك تهديدات بحرية متعددة وانعدام للأمن، موضحًا أن التعاون الدولي بين القطاعين العام والخاص كان عاملًا أساسيًا في نجاح عمليات مكافحة القرصنة. وأشار أدموندز إلى أن استمرارية الشبكات الإجرامية البحرية، وظهور أشكال أخرى من الجريمة الزرقاء، بما في ذلك الصيد غير القانوني وغير المبلّغ عنه وغير المنظم “IUU”، والتهريب بمختلف أنواعه، والآثار غير المباشرة للصراعات والاحتكاكات الجيوسياسية – كل ذلك يشكل تحديات جديدة للمنطقة.

وشدد على أن هذه القضايا تتطلب جهودًا جديدة من أصحاب المصلحة الدوليين والإقليميين، بما في ذلك بناء القدرات والعمل على معالجة الأسباب الجذرية لانعدام الأمن البحري على اليابسة.

بدوره قال الدكتور فيجاي ساخوجا مدير كلية الدراسات الأمنية الساحلية والبحرية المتكاملة بجامعة راشتريا راكشا في ورقة عمل بعنوان ” التعددية البحرية: أداة للحد من القرصنة في القرن الإفريقي”، إن الأمم المتحدة والدول الأعضاء أخذت على عاتقها تسليم “السلع العامة في البحر” في شكل عمليات لمكافحة القراصنة الصوماليين وأرسلت القوات البحرية ووكالات إنفاذ القانون إلى المنطقة.

وأضاف أن مجموعة من المنظمات التجارية المرتبطة بصناعة الشحن وشركات الأمن البحري الخاصة “PMSC” قد انضمت لدعم الجهود الدولية لمكافحة القرصنة وضمان رحلات آمنة ومأمونة. وأكد أن نجاح أي مبادرة للأمن والسلامة البحرية يعتمد على جداول الأعمال التعاونية واستعداد الدول للاضطلاع ببناء قدرات الآخرين، ويقع هذا الالتزام في صميم “التعددية البحرية”.

الجهود والمبادرات لتأمين الاستقرار في القرن الإفريقي

وتوقفت الجلسة الثالثة عند «الجهود والمبادرات لتأمين السلام والاستقرار في القرن الإفريقي: الأسباب المنطقية والمصالح»، وأدارها سلطان ماجد محمد، نائب مدير الباروميتر العالمي بـ “تريندز”، مؤكدًا أن الدوافع وراء التاريخ غير المستقر للقرن الإفريقي تُظهر لنا إمكانية اندلاع النزاعات في القرن الإفريقي في البلدان المجاورة والتأثير على المنطقة بأكملها من خلال تدفقات اللاجئين وعدم الاستقرار السياسي، مشيرًا إلى أن هذا المحور سيناقش جهود ومبادرات الأطراف الثالثة، وتقييم ما إذا كانت هذه الجهود فعالة في منع تصعيد الصراع وإرساء أسس السلام والأمن في المستقبل.

من جانبه قدم ماركو دي ليدو، المحلل المسؤول عن مكتب إفريقيا، بمركز الدراسات الدولية “CESI” بإيطاليا، عرضًا بعنوان “المنافسة الاستراتيجية في القرن الإفريقي: مقاربات وأهداف الصين وروسيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وإيطاليا”ـ تطرق فيها إلى الدور الصيني الذي يعتمد على ثلاث استراتيجيات هي الاستمرارية، والتعزيز، والتوسع. وذكر أن الشراكات الجديدة من أجل التنمية بين الصين وإفريقيا تبحث عن زيادة التجارة الثنائية، وتحسين الحكم المتعدد المستويات “محلي، وإقليمي، وعالمي”، والتعاون في الأمن والمساعدة العسكرية، وتعزيز المشاركة السياسية والاجتماعية.

وقال إن هناك عقبات أمام تطوير الشراكة الصينية الإفريقية، أهمها تحديات ما بعد الوباء، والحرب في أوكرانيا، وما ينتج عنها من حالة عدم اليقين الاقتصادي، بالإضافة إلى التحديات السياسية والتنافس مع الولايات المتحدة، وأشار دي ليدو، إلى أن استراتيجية روسيا تعتمد على دبلوماسية الهجوم المضاد، مبينًا أن روسيا تستخدم أربع طرق في إفريقيا: الأولى دبلوماسية “فاغنر”، والثانية استراتيجية الحرب الهجينة، والثالثة منطقة الساحل كأولوية قصوى، وأخيرًا إريتريا والسودان كركائز روسية “ضعيفة” لاستراتيجية القرن الإفريقي. وقال إن إدارة الرئيس الأمريكي بايدن تعتمد استراتيجية أفريقية جديدة تقوم على ثلاث طرق: الأولى النهج السلبي من خلال مواجهة التهديدات الحكومية وغير الحكومية “الإرهاب، الصين، روسيا” الثانية النهج النشط من خلال العمل على جداول أعمال مشتركة؛ مثل تغير المناخ والسلام والأمن. والثالثة اللامركزية، حيث تبدأ محاولة تجديد صورة الولايات المتحدة في إفريقيا من خلال التعددية الأمريكية الجديدة، مع افتقار الاتحاد الأوروبي إلى نهج متكامل تجاه القرن الإفريقي. وبين أن الأولويات القصوى لأجندة الاتحاد الأوروبي في المنطقة تعتمد على منع الهجرة غير الشرعية، وتخفيف الأزمة الإنسانية، ومكافحة الإرهاب وعدم الاستقرار والقرصنة.

بدوره قال فيديريكو دونيلي من جامعة جنوة الإيطالية، في مداخلة بعنوان “الجهود والمبادرات لتأمين السلام والاستقرار في القرن الإفريقي: الأسباب المنطقية والمصالح”، إن النهج التركي يعتمد على التعامل مع القضية بشكل فردي. واستغلال صورة الوسيط والتفاوض مع إثيوبيا بشأن قضايا متعددة “البنية التحتية والتجمعات الصناعية والأسلحة”، موضحًا أن الدور التركي يرتكب بعض الأخطاء في التعامل مع القضية لأنه لا يشارك المتنازعين الآخرين، ويسعى إلى الظهور، ولا يوجد تنسيق مع الجهات الفاعلة الأخرى خارج المنطقة. لكن الجانب التركي يتمتع بخبرة في قضايا السياسة المائية، والعلاقة مع الاتحاد الإفريقي، والقدرة على المساومة تجاه إثيوبيا. ومع ذلك، فقد فشل بسبب ضعف قناعته وموارده، ونقص المعرفة بالصورة الكبيرة، ومحدودية التواصل مع السودان ومصر. وتوقف دونيلي عند موقف دولة الإمارات مشيرًا إلى أن نهجها يعتمد على كسب ثقة جميع الأطراف، والتركيز على إيجاد حل تفاوضي لأزمات المنطقة، وبصورة خاصة التفاوض بشأن الخلافات حول سد النهضة والفشقة، مع ربط المفاوضات بالترويج لمشاريع التنمية.

من جانبه أوضح الدكتور بريندون كانون، الأستاذ المساعد بجامعة خليفة، في مداخلة له أشار فيها إلى التاريخ الطويل وغير المستقر للقرن الإفريقي، ملاحظًا أنه من خلال العديد من النزاعات، حققت المنطقة ككل نجاحًا محدودًا مع الحلول التي يتم الترويج لها داخليًا أو من قبل جهات خارجية. وأوضح أن هناك نزاعات عديدة تقوض الاستقرار في القرن الإفريقي، وربما أهمها الآن: النزاع في إثيوبيا، حيث أدت الحرب على مدار سنوات طويلة إلى زعزعة الاستقرار في المنطقة، والنزاع بين إثيوبيا والسودان على الحدود. ورغم توصلهما لاتفاقية، ولكن هذا الاتفاق زاد من العداء بين الحكومة وجبهة تيغراي. وتطرق إلى الجهات التي تقوم بدور الوساطة، مثمنًا دور دولة الإمارات الإيجابي، مشيرًا إلى أنها تتمتع بعلاقات جيدة مع مختلف الأطراف؛ لذا يمكنها أن تلعب دورًا بنَّاء في هذا النزاع. وكذلك الأمر بالنسبة لقضية سد النهضة.

وتحدث كانون حول جهود مجموعة الوساطة “3+” التي اقترحت بنودًا على مجلس الأمن لنزع فتيل الأزمة. كما شدد على دور الاتحاد الإفريقي في حل النزاعات، حيث يضم شخصيات بارزة لديها تأثير واضح ومؤثر في مساعي

حل النزاعات عبر الحوارات البناءة، حيث تم التوصل إلى اتفاق بوساطة الاتحاد الإفريقي، والذي تضمن نزع السلاح في تيغراي. وقال: “لسنا متأكدين من ضمان استمرار هذا الاتفاق”.

وذكر أن دور المنظمات الحكومية الدولية مهم لتسوية النزاعات ومعالجة تحديات الأمن والتنمية الاقتصادية في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، كما تكتسب المنظمات الحكومية الدولية غير الرسمية أهمية، لكنها لاتزال في مرحلة النشوء.

التوصيات الختامية.. خريطة طريق مقترحة

عقب ذلك عُقدت جلسة ضمت جميع متحدثي الجلسات الثلاث السابقة على مائدة مستديرة بإدارة الدكتور بنجامين ديفيس، الخبير الاقتصادي بمركز تريندز، حيت تمت مناقشة «الجهود والمبادرات المستقبلية لتأمين السلام والاستقرار في القرن الإفريقي: خريطة طريق مقترحة»، وقدم الخبراء في ختام هذه الجلسة توصيات أكدت بالنسبة للموضوع الأول: “الاستقرار في القرن الإفريقي: المحددات والأسباب والدوافع”، على المساعدة في بناء القدرات المؤسسية والفنية لتقوية سلطة الحكومات الوطنية وزيادة مرونتها وقدرتها على التعامل مع التحديات الخارجية. وتفضيل المناهج الوقائية التي تعالج مجموعة من الدوافع المحتملة لعدم الاستقرار، وضرورة الحد من التنافسات المزعزعة للاستقرار بين الدول الثالثة في القرن الإفريقي من خلال زيادة التعددية وتنسيق المواقف المشتركة بين الأطراف الخارجية، واقتراح إنشاء صندوق إقليمي للتنمية الاقتصادية بتمويل من جامعة الدول العربية والأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي ودول مجلس التعاون الخليجي لتعزيز النمو الاقتصادي والاستقرار في منطقة القرن الإفريقي. وسيركز هذا الصندوق على القطاعات التي توفر فرص العمل (مثل الزراعة والصناعة) ودعم الشراكات بين القطاعين العام والخاص لتنفيذ شبكات الكهرباء وشبكات النقل المتكاملة إقليميًا. إضافة إلى التصدي على وجه السرعة لتهديدات تغير المناخ، بما في ذلك الجفاف وانعدام الأمن الغذائي والتصحر، من خلال زيادة المساعدات الإنسانية وتعزيز التعاون مع الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية في شرق إفريقيا “إيغاد”.

وفي الموضوع الثاني: «الأمن البحري والقرصنة في القرن الإفريقي: التحديات وكيفية المواجهة»، أوصى الخبراء بتنسيق الجهود الإقليمية والدولية الهادفة إلى مكافحة القرصنة وتحقيق الأمن البحري في القرن الإفريقي واعتماد آليات جماعية مشتركة متفق عليها لتحقيق هذا الهدف، ورفع مستوى القدرات الفنية الوطنية في مجال الأمن البحري من خلال الدعم الفني من طرف ثالث والتعاون بين القطاعين العام والخاص لتعزيز أمن المواني، والتدريب على إنفاذ القانون، وبناء القدرات.

 

أما فيما يتعلق بالموضوع الثالث الذي تمت مناقشته وهو «جهود ومبادرات السلام والاستقرار في القرن الإفريقي: الأسس المنطقية والمصالح»، فأوصى الخبراء بوضع آلية لتسوية المنازعات بين دول القرن الإفريقي وتقديم الدعم اللازم لضمان فاعلية هذه الآلية، وأهمية تقديم الدعم السياسي لدور الاتحاد الإفريقي في حل النزاعات القائمة في القرن الإفريقي، وربط مساعدات التنمية الأجنبية الجديدة (باستثناء المساعدات العاجلة والإنسانية) بالتحسينات في الشفافية والمساءلة وسيادة القانون والحكم الرشيد لتعزيز سلطة الحكومات الوطنية وشرعيتها.

وفي الموضوع الرابع: «الجهود والمبادرات المستقبلية لتأمين السلام والاستقرار في القرن الإفريقي: خريطة طريق مقترحة» فقد شدد الخبراء على ضرورة تشجيع الحوار الداخلي وإجراءات بناء الثقة بين حكومات القرن الإفريقي من أجل إرساء أسس التكامل الإقليمي والتعاون الاقتصادي، وتركيز الأطراف الثالثة على تحقيق الاستقرار في منطقة القرن الإفريقي من خلال زيادة التنسيق الدولي وتشجيع القوى الكبرى للحد من المنافسة الاستراتيجية الثنائية، واقترحوا تشكيل تجمع أمني (على غرار مجموعة الساحل G5 على سبيل المثال) لإدارة التعاون بين دول المنطقة لمكافحة الإرهاب ومعالجة المسائل الأمنية الأخرى والعمل على إضفاء الطابع المؤسسي على الحوار الاستراتيجي مع الأطراف الخارجية، إضافة إلى تطوير استراتيجيات إعلامية لتقوية العلاقات الثقافية والتاريخية المشتركة بين شعوب القرن الإفريقي لتثبيت النسيج الاجتماعي ومكافحة التطرف وتعزيز التكامل الإقليمي. واقترح الخبراء عقد ندوة سنوية حول “الجهود والمبادرات لتأمين السلام والاستقرار في القرن الإفريقي” على أساس سنوي لمتابعة التوصيات.


تعليقات الموقع