التنمية المستدامة تتطلب تحسين ظروف المعيشة لجميع الناس دون زيادة استخدام الموارد الطبيعية بما يتجاوز قدرة الأرض على التحمل

الاستدامة .. طوق إنقاذ البشرية

الرئيسية مقالات
مركز تريندز للبحوث والاستشارات

 

اتجاهات مستقبلية
الاستدامة .. طوق إنقاذ البشرية

 

 

تُعرف الاستدامة باعتبارها فلسفة ذات رؤية جديدة للبحث عن بناءات اجتماعية ونشاطات اقتصادية وأنماط إنتاجية واستهلاكية وتقنيات تعمل على استدامة البيئة، وتُمكِّن الجيل الحالي وتحسن حياته وتضمن في ذات الوقت حياة ملائمة للأجيال القادمة. ولتحقيق ذلك، لا بد من إعادة صياغة النشاطات الحالية وخلق ابتكارات جديدة، ثم العمل على دمجها في البيئة القائمة لخلق تنمية مستدامة، على أن تكون مقبولة ثقافيًا وممكنة اقتصاديًا وملائمة بيئيًا وقابلة للتطبيق سياسيًا وعادلة اجتماعيًا. كما أن التشجيع على استهلاك الموارد باعتدال وكفاءة، وعدم استهلاك الموارد المتجددة بطريقة تؤذي البشر أو النظم الداعمة للحياة على الأرض، والتوسع في مجال الاعتماد على الطاقة النظيفة المتجددة، وإعادة تأهيل البيئات المتدهورة قدر المستطاع – كلها تعتبر من الأمور التي تكفل حق الإنسان في بيئة مستدامة له وللأجيال التي بعده.
وبالتالي، فإن التنمية المستدامة تشمل تلك الاحتياجات التي تلبي تطلعات الجيل الحاضر في التنمية من دون إضرار باحتياجات الأجيال المقبلة. فهي تقوم على الاستخدام الرشيد للموارد الموجودة في البيئة، بحيث لا يهدر أو يستنفد أحد الأجيال وحده هذه الموارد، وإنما يترك للأجيال المقبلة نصيبها منها، وذلك من باب العدالة والإنصاف، بما يمكن القول معه إن الاستدامة تمثل طوقًا لإنقاذ البشرية والحفاظ على رفاهيتها وعلى حق جميع الأجيال في أن تتمتع بالموارد الموجودة.
ويرى البعض إن هناك ربطًا محكمًا بين التنمية المستدامة والمحافظة على البيئة، وهو ربط ينمّ عن علاقة تكامل وتوازن بينهما، حيث تُعدّ البيئة وعاء التنمية، فالتردي الذي قد يعتري البيئة خلال تنفيذ خطط التنمية وعملياتها سيؤثر تأثيرًا مباشرًا على تلك الخطط ويعيق تلك العمليات. ومن هنا، فإن مراعاة صون الموارد الطبيعية وترشيد استغلالها سيترتب عليه نجاح خطط التنمية ورفع المستوى المعيشي وتوفير الرفاهية للمواطنين.
ولا يركز الحديث عن البيئة والتنمية المستدامة على قضايا التلوث فقط، كما قد يظن البعض، وإنما يركز أيضًا على الاستخدام الرشيد للموارد الطبيعية المختلفة، وإيلاء اهتمام جلي بحق الإنسان في الغذاء والماء وخدمات الصرف الصحي والصحة والسكن والتعليم، وذلك سعيًا إلى إيجاد نموذج عادل ومنصف للنمو الاقتصادي. لذا، فإن التنمية المستدامة تتطلب تحسين ظروف المعيشة لجميع الناس، من دون زيادة في استخدام الموارد الطبيعية إلى ما يتجاوز قدرة الأرض على التحمل؛ ما يمكن معه القول إن التنمية المستدامة في أي دولة تستند إلى ثلاثة محاور رئيسية، هي: التنمية الاجتماعية، والنمو الاقتصادي، وحماية البيئة التي توفّر الموارد الطبيعية والخدمات الأيكولوجية التي تعتمد عليها برامج التنمية.
وقد أولت دولة الإمارات العربية المتحدة اهتمامًا كبيرًا بملف الاستدامة والتنمية المستدامة، فسعت من خلاله إلى بلورة رؤية عالمية تستطيع من خلالها خلق بيئة آمنة أقل تلوثًا وأكثر اهتمامًا بحاجات الإنسان الحالية والمستقبلية، فكان “أسبوع أبوظبي للاستدامة 2023” أول فعالية عالمية بارزة في هذا المجال، بعد مؤتمر COP27، لتوحيد جهود العمل المناخي قبل مؤتمر COP28. حيث وفرت هذه الفعالية منصة حوار استثنائية أمام الجهات المعنية في العالم؛ بهدف توفير حلول عملية صديقة للبيئة تساعد على تنمية الجهود الرامية إلى تحقيق الحياد المناخي في المستقبل.
كما أعلن صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، عام 2023 «عام الاستدامة» في دولة الإمارات العربية المتحدة. تحت شعار «اليوم للغد»، من خلال الحث على تقديم مبادرات وفعاليات وأنشطة متنوّعة، بهدف تسليط الضوء على تراث دولة الإمارات الغني في مجال الممارسات المستدامة، منذ عهد المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان «طيب الله ثراه»، ونشر الوعي حول قضايا الاستدامة البيئية وتشجيع المشاركة المجتمعية في تحقيق استدامة التنمية ودعم الاستراتيجيات الوطنية في هذا المجال بما يسهم في بناء مستقبل أكثر رخاءً وازدهارًا.


تعليقات الموقع