اتجاهات مستقبلية
مستقبل غامض: ماذا ينتظر تنظيم “داعش” بعد مقتل زعيمه؟
لا تزال أزمة القيادة تطارد تنظيم داعش الإرهابي، في ظل عدم قدرة التنظيم الإرهابي على الحفاظ على قادته وحمايتهم من العمليات العسكرية التي تستهدفهم، والتي كان آخرها إعلان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في 30 أبريل الماضي، القضاء على زعيم داعش الإرهابي المدعو “أبو الحسين القرشي” في عملية للاستخبارات التركية بسوريا، وهو ما يعني استمرار حلقات استهداف زعماء داعش، والتي بدأت بإعلان الولايات المتحدة الأمريكية في أكتوبر 2019، مقتل الزعيم الأول للتنظيم أبو بكر البغدادي، ثم إعلانها في فبراير 2022، مقتل الزعيم الثاني أبو إبراهيم القرشي، وفي نوفمبر 2022 أعلن داعش مقتل زعيمه أبو حسن الهاشمي وتعيين أبو الحسين القرشي خليفةً له، وهو ما يعنى مقتل أربعة زعماء للتنظيم منذ نهاية 2019، بعضهم لم يمر على توليه المنصب سوى بضعة أشهر.
لا تشير عملية استهداف الاستخبارات التركية لزعيم داعش القرشي إلى تواصُل فشل التنظيم الإرهابي في الحفاظ على زعمائه، بقدر ما تشير إلى تغلغل الاختراقات الأمنية داخل التنظيم، نظرًا إلى أنه من المتعارف عليه داخل التنظيمات الإرهابية بشكل عام وتنظيم داعش بشكل خاص، أن القيادة تكون محاطة بدائرة ضيقة للغاية من المقربين والموثوق بهم تحيط بها، هي وحدها مَن يمكنها الوصول إليه، مما يعنى أن تحديد مكان إقامتها لا يمكن حدوثه غالبًا دون مساعدة من تلك الدائرة، مما يعكس اتساع دائرة الاختراقات الأمنية داخل التنظيم من قِبل استخبارات دولية وإقليمية، وربما هذا ما تؤيده تصريحات الرئيس أردوغان الأخيرة، التي قال فيها إن جهاز الاستخبارات التركية كان يتابع “أبو الحسين القرشي” منذ فترة طويلة.
من ناحية أخرى، فإن توالي مقتل زعماء داعش سيؤدى إلى اهتزاز الثقة في القيادة، في ظل توالى البيعات لشخصيات مجهولة، والتي يطلق عليها في بعض الأدبيات المتطرفة مسمي “البيعات المُجَهَّلة”، وخصوصًا أن طلب مثل تلك البيعات من الفروع في أوقات متقاربة قد تصل في بعض الأحيان إلى بضعة أشهر سيكون له تأثير كبير على حالة التماسك التنظيمي، نظرًا إلى أن تلك الفروع حتى لو تجاوزت في قبول مثل هذه البيعات مرة –من باب الضرورة الأمنية– سيكون من الصعب عليها الاستمرار في تكرار تلك البيعات، وخاصة أن مفهوم البيعة يحتاج إلى نوع من الاستقرار والديمومة المعقولة، للحفاظ على هيبته ومكانته.
هناك دلالة أخرى مهمة أيضًا، يعكسها استمرار نزيف القيادات داخل تنظيم داعش الإرهابي ، هي أن التنظيم على أعتاب مرحلة نضوب القيادات التاريخية، التي شاركت في تأسيسه وبناء هيكله التنظيمي، وتتمتع بولاء معظم العناصر داخل سوريا والعراق، واحترام الفروع الخارجية وتقديرها، وهو ما يعكسه توسع التنظيم مؤخرًا في استعمال أسماء حركية لقادته الجدد، واستخدام كُنى وأسماء حركة شائعة، لا تعبّر عن أي مضمون أو هوية جغرافية أو ثقافية، وهو ما قد يفقد التنظيم الأم جزءًا كبيرًا من ثقة الفروع فيه، وهو ما قد يترتب عليه إضعاف حالة الولاء التنظيمي.
وأخيرًا، يمكن القول إن الإعلان عن مقتل الزعيم الرابع لتنظيم داعش الإرهابي لا يُعدُّ مجرد ضربة قوية للتنظيم ستؤثر على بنيانه وتماسكه التنظيمي فحسب، وإنما هي بمنزلة استمرار لمسلسل الهزائم والانكسارات التي يتعرض لها التنظيم الأم في سوريا والعراق، والتي بدأت أولى حلقاتها بهزيمته في العراق عام 2017، ثم في سوريا عام 2019، وانهيار خلافته المزعومة، وهو ما يعني اتجاه التنظيم نحو مزيد من الضعف، هذا في الوقت الذي تتصاعد فيه قوة بعض فروعه على غرار غرب أفريقيا ووسطها وكذلك أفغانستان، مما يعني أنه من غير المستبعد انتقال القيادة إلى أحد فروع التنظيم القوية في المستقبل، ومن ثم انتقال مقر الخلافة المزعومة من الشام إلى منطقة أخرى جديدة.
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.