عندما كان العالم متعطّشاً إلى استعادة يوميّات الحياة الطبيعية، كان آسر عباسي، الأب المتفاني وخبير التكنولوجيا المتمرّس، يأمل في إدخال بعض أجواء الفرح إلى قلوب أطفاله من خلال زيارة لمدينة الملاهي ليلة رأس السنة. لم يكن يومَها يعلم أن جولة الأفعوانية لن تقتصر على الحماسة، بل ستتسبّب له بانزلاق غضروفي يهدّد مستقبله.
أجمعت آراء ثلاثة خبراء طبيين في دولة الإمارات العربية المتحدة على استنتاج صاعق: سيُصاب آسر بالشلل مدى الحياة. لكنّ ذلك لم يحبطه ولم يرَ فيه النهاية، بل على العكس كانت تلك نقطة البداية بالنسبة إليه.
يقول عباسي مستذكراً محنته: “غالباً ما نهمل صحّتنا ولا نوليها الاهتمام الكافي”.
أصبح عمل آسر في مجال التكنولوجيا، والذي يتطلب نشاطاً ذهنياً وابتكاراً مستمراً، ركيزةً لشفائه الجسدي. وقد تطلّبَ الأمر عامين شاقّين من إعادة التأهيل لكي يتمكن من إعادة بناء حياته انطلاقاً من حافة الشلل الدائم.
“أنت محظوظ لأنك تمشي، اكتفِ بالمشي!” هذه كانت نصيحة أحد الأطباء، لكنّ آسر كان في عالمٍ آخر يضع نصب عينيه خوض الماراثونات جرياً. أما اليوم، فهو لا يمشي فحسب، بل يركض، وهذا ما سيفعله من جديد في نهاية هذا الأسبوع في سباق “وينغز فور لايف” العالمي الخيري في مدينة إكسبو دبي. ويكتسي هذا السباق الضخم أهمية كبرى من خلال القضيّة الإنسانية السامية الذي أبصر النور من أجلها: إيجاد علاج لإصابات النخاع الشوكي. ومن خلال مشاركته، لا يركض آسر ليجسّد انتصاره على الشدائد فحسب، بل هو يحمل معه آمال الكثيرين الذين أقعدهم القدر جانباً.
وتشكّل مشاركة عباسي في السباق جزءاً من مشروع واسع النطاق: خوض جميع سباقات الماراثون الستة الكبرى بنجاح، في انعكاس ساطع لروحه المتّقدة وعزيمته التي لا تُقهر. وبفضل عشقه للرياضة وتفانيه الذي لا يتزعزع في التمرين، إلى جانب نظام دعم مناسب من الأطباء والأسرة والأصدقاء، حوّل مسيرة تعافيه إلى وسيلة للتركيز على أهدافه أكثر من أي وقت مضى.
وقد أصبح آسر مثالاً يحتذى للمرونة والتصميم، مصطحباً ابنه معه في جولاته الرياضيّة، ومرسِّخاً قيمة المثابرة في عقول الشباب، ومردّداً: “أريد أن أكون مصدر إلهام للآخرين، وبخاصةٍ أطفالي”.
ويجمع سباق “وينغز فور لايف”، وهو الأضخم من نوعه في العالم، العدائين ومستخدمي الكراسي المتحركة في مختلف بقاع الأرض، بصيغته الممتعة والفريدة وقضيّته الإنسانة السامية. ويشارك أشخاص من حول العالم بشكل متزامن، كلّ بحسب الوتيرة التي تناسبه والأهداف التي يتطلّع إليها، ويتحركون سوياً لتقترب الإنسانية شيئاً فشيئاً من إيجاد علاج لإصابات النخاع الشوكي، نظراً إلى أن 100% من رسوم المشاركة في السباق تُخصّص لأبحاث النخاع الشوكي.
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.