انعكاسات الإلغاء المُحتمل للعقوبات الأمريكية على سوريا

الرئيسية مقالات
مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة
انعكاسات الإلغاء المُحتمل للعقوبات الأمريكية على سوريا

 

 

 

 

منذ تولي حكومة الرئيس السوري أحمد الشرع مقاليد السلطة في دمشق، بعد الإطاحة بالنظام السابق الذي كان يترأسه بشار الأسد، في ديسمبر 2024، شهدت سياسة الولايات المتحدة الأمريكية تجاه دمشق تغيراً كبيراً؛ إذ بدأت الإدارة الأمريكية برئاسة دونالد ترامب بإجراء تغييرات قانونية تهدف إلى تخفيف الضغط الاقتصادي على دمشق.

وكانت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، خلال الدورة الرئاسية الأولى للأخير في الفترة من 2017 حتى 2021؛ فرضت ما يُسمّى بـ”قانون قيصر”، عام 2019، على نظام الرئيس السوري السابق بشار الأسد، بدعوى “حماية المدنيين في سوريا”، من الممارسات القمعية لنظام الأسد؛ إذ كان القانون يستهدف فرض عقوبات على الأفراد والشركات التي تدعم أو تمول الأسد، كما يستهدف الصناعات السورية المرتبطة بالمجالات العسكرية ومجالات الطاقة والبنية التحتية والكثير من الكيانات الإيرانية والروسية التي كانت تقدم دعماً لنظام بشار الأسد.

واتساقاً مع النهج الجديد للإدارة الأمريكية الحالية؛ فقد سلك مجلس الشيوخ الأمريكي مساراً تشريعياً لإلغاء “قانون قيصر” بشكل نهائي، من خلال إدراج بند إلغائه ضمن قانون تفويض الدفاع الوطني (NDAA) الخاص بالعام المالي 2026. وقد صوّت مجلس الشيوخ على هذا القانون، في 10 أكتوبر 2025؛ حيث وافق عليه 77 مقابل 20 عضواً.

نهج مُختلف:

كما سبقت الإشارة، تبنت واشنطن نهجاً مختلفاً إزاء حكومة الرئيس أحمد الشرع في دمشق، ولا سيما فيما يتعلق بالعقوبات الأمريكية التي كانت مفروضة في السابق، وذلك على النحو التالي:

  1. إلغاء بعض العقوبات: إلى جانب التمهيد لإلغاء “قانون قيصر” كما سبقت الإشارة؛ فإن ثمة إجراءات أمريكية أخرى من شأنها تخفيف الضغوط الاقتصادية عن دمشق، ومنها قرار وزارة الخارجية الأمريكية، في 23 مايو 2025، بتعليق تنفيذ العقوبات الثانوية الإلزامية المرتبطة بـ”قانون قيصر” لمدة 180 يوماً (قابلة للتجديد)، ثم إصدار وزارة الخزانة الأمريكية عبر مكتب مراقبة الأصول الأجنبية (أوفاك) الرخصة العامة رقم 25، التي سمحت بإجراء بعض المعاملات التي كانت محظورة سابقاً بموجب لوائح العقوبات المفروضة على سوريا. وبعد ذلك، جاء القرار الأبرز، في 30 يونيو 2025، حين أصدر الرئيس الأمريكي الأمر التنفيذي رقم 14312، الذي ألغى ستة أوامر تنفيذية سابقة كانت تُشكل الأساس القانوني للعقوبات الأمريكية الواسعة على سوريا.
  2. من العقوبات الشاملة إلى الذكية: انتقلت واشنطن من فرض عقوبات شاملة على سوريا إلى فرض عقوبات ذكية؛ إذ كان النهج المعمول به في السابق، فرض العقوبات في إطار “قانون قيصر”، والتي تمنع حتى الجهات غير الأمريكية من التعامل مع القطاعات الاقتصادية السورية مثل: الطاقة والبنوك والطيران المدني؛ ما زاد من عزلة الاقتصاد السوري. ورغم أن الهدف المعلن من هذه العقوبات كان الضغط على النظام السوري السابق (نظام بشار الأسد) لحماية المدنيين ودفعه إلى تسوية سياسية؛ فإن النتيجة العملية كانت تعميق الانكماش الاقتصادي في سوريا، وارتفاع معدلات التضخم، وتوسّع السوق السوداء.

إلا أن النهج الجديد للعقوبات الأمريكية على سوريا، شمل توسيع نطاق الأمر التنفيذي الأمريكي رقم 13894 الذي يسمح باستهداف أشخاص وكيانات محددة داخل سوريا، ضمن إطار جديد أطلق عليه اسم “عقوبات تعزيز المساءلة عن الأسد والاستقرار الإقليمي”؛ وقد تضمن هذا الإطار إعادة إدراج 139 شخصاً وكياناً على قوائم العقوبات، ويستهدف أفراداً وشبكات محددة مُتورطة في أنشطة غير قانونية، مثل تهريب الكبتاغون. هذا النهج الجديد يسمح بتحرير الأنشطة الاقتصادية الشرعية مثل التجارة والتحويلات المالية، مع الإبقاء على العقوبات التي تُوجه ضد الجهات المعرقلة للاستقرار.

لذلك، فإن التحول الجديد في فلسفة العقوبات يُمكن اعتباره نوعاً من تصحيح المسار وتخفيف الضغوط على المدنيين من تردي الوضع الاقتصادي، بشرط أن ترافقه إصلاحات داخلية حقيقية تحول دون استخدام الانفتاح الاقتصادي لصالح شبكات الفساد التي زادت خلال فترة الحرب السورية (2011-2024).

  1. إيقاف عملي وترحيب سوري: رغم أن الإلغاء الكامل لـ”قانون قيصر” لم يُصبح نافذاً بعد، كما سبقت الإشارة؛ فإن هذه التطورات منحت المستثمرين بعض الثقة؛ لأن العودة إلى فرض العقوبات الشاملة على سوريا في المسُتقبل ستتطلب مساراً تشريعياً مُعقَّداً وطويلاً، إلا أن الوضع الحالي للقانون لا يزال “بين بين” أو في منطقة رمادية: فالقانون ما زال موجوداً من الناحية القانونية حتى تكتمل دورة إلغائه تشريعياً بموافقة مجلس النواب الأمريكي عليه ثم موافقة الرئيس ترامب؛ لكن تطبيقه متوقف عملياً في أغلب المجالات.

هذه الحالة المزدوجة سببت إلى حد ما بيئة ضبابية؛ فهي بيئة قد تكون مُشجِّعة للمستثمرين المغامرين الباحثين عن أرباح عالية؛ لكنها في الوقت نفسه تُبقي المستثمرين التقليديين في حالة حذر إلى أن تتضح الأمور بشكل رسمي عبر تعليمات مالية ومصرفية واضحة، تشمل آليات التحويل المالي مثل نظام “سويفت” وتحديث قواعد التحويلات لدى البنوك.

من جانبها، رحّبت الحكومة السورية بهذه الخطوات؛ حيث وصف وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، ووزير المالية محمد يسر برنية هذه التحولات بأنها “استعادة أولى للأنفاس الاقتصادية” و”نجاح للدبلوماسية السورية”، وأشارت تصريحاتهم إلى أن دمج إلغاء “قيصر” ضمن موازنة الدفاع الأمريكية يمنحه حصانة سياسية؛ بما يُقلل من احتمال التراجع عنه مُستقبلاً؛ لكن هذه الفرصة تتطلب خطوات انتقالية مدروسة بدقة، لتفادي أي اضطرابات اقتصادية مُفاجئة قد تُنهي هذا الزخم قبل أن يُترجم إلى نتائج ملموسة.

آثار مُحتملة:

تُشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن الناتج المحلي الإجمالي السوري تراجع إلى أقل من نصف قيمته منذ 2011، وأن أكثر من 90% من السكان يعيشون تحت خط الفقر، فيما بلغت خسائر الاقتصاد نحو 800 مليار دولار خلال أربعة عشر عاماً. وقدّر الرئيس السوري أحمد الشرع تكلفة إعادة الإعمار بما يتراوح بين 600 و900 مليار دولار، مؤكداً أن سوريا في حاجة إلى شراكات واستثمارات ضخمة لتسريع عملية النهوض. وهكذا، يبدو أن إلغاء “قانون قيصر” لا يمثل فقط نهاية مرحلة من العقوبات الاقتصادية؛ بل بداية مُحتملة لانبعاث الاقتصاد السوري من جديد، شريطة استثمار الفرصة ببرامج إصلاحية شاملة تُعيد الثقة الداخلية والخارجية في مسار التعافي الوطني.

كما أن إلغاء هذا القانون يُمثل تحولاً نوعياً في البيئة الاقتصادية السورية؛ إذ يفتح المجال أمام رجال الصناعة والتجار لممارسة أنشطتهم ضمن إطار قانوني كامل، بعد أن كانت العمليات التجارية، خاصة عمليات الاستيراد، تُدار عبر قنوات غير رسمية وربما غير شرعية، نتيجة القيود المفروضة بموجب “قانون قيصر”؛ ومن ثم فإن خطوة الإلغاء هذه ستُسهم في تعزيز استقرار الأسواق المحلية، وتسهيل حركة الواردات، وضمان الحقوق القانونية للمتعاملين؛ بما يُحقق استمرارية في تدفق السلع والخدمات بصورة نظامية.

وفي هذا السياق، فإن أبرز التأثيرات المحتملة المترتبة على إلغاء “قانون قيصر”، يمكن استعراضها على النحو التالي:

  1. صدمة تجارية للصناعة المحلية: على الرغم من التأثيرات الإيجابية المحتملة لإلغاء القانون في السوق المحلية بسوريا؛ فإن الانفتاح المُفاجئ على الأسواق الخارجية، خاصة تجاه المنتجات الأوروبية التي توقفت عن دخول السوق السورية في السنوات الماضية، قد يؤدي إلى إغراق السوق المحلية بسلع مستوردة تحل محل المنتجات الوطنية، ويأتي هذا الخطر في وقت تعاني فيه الصناعة السورية من مشكلات بنيوية، أبرزها: تقادم خطوط الإنتاج، وارتفاع تكاليف التشغيل، وتراجع القدرة على المنافسة من حيث السعر والجودة، وضعف فرص التصدير. وهو أمر لا يدعو إلى رفض الانفتاح على العالم الخارجي؛ بل يستدعي ضرورة تنظيمه بشكل تدريجي ومدروس؛ بحيث تُصاغ سياسات صناعية تحمي المنتج المحلي السوري وتدعمه من جهة، وتفتح المجال للمنافسة العادلة من جهة أخرى.

وفي السياق ذاته؛ فإن المستثمرين الأجانب لن يقدموا على إنشاء مصانع أو مشروعات إنتاجية داخل سوريا، إلا إذا توفرت بيئة تنظيمية واضحة تشمل قوانين مصرفية وقضائية فعالة، ودراسة جدوى تقارن بين الإنتاج داخل سوريا والتصدير المباشر من الخارج إليها. وهنا يطرح بعض الاقتصاديين فكرة ربط الاستيراد بعوائد التصدير؛ أي أن يُلزم مستوردو السلع الكمالية أو التي لها بدائل محلية بتأمين تمويل وارداتهم من خلال إيرادات صادراتهم. هذه الآلية تُخفف الضغط على سوق العملات، وتُعزز الانضباط في استخدام النقد الأجنبي، وتُشجع المنتجين السوريين على البحث عن أسواق خارجية لتوسيع صادراتهم؛ الأمر الذي يفرض توازناً بين الطلب والعرض على الدولار.

  1. شرعنة النظام المصرفي والتحويلات: من أبرز التغيّرات التي يُتوقع أن تترتب على تعليق العقوبات المفروضة بموجب “قانون قيصر” هو تحرير القنوات المصرفية الرسمية؛ فإعادة انضمام سوريا إلى شبكة التحويلات المالية العالمية “سويفت” ستُسهم في تقليل تكاليف التحويلات وزمن إنجازها، وستُضعف من ظاهرة التحويلات عبر السوق السوداء، التي كانت تُغذي الكثير من حالات الاحتيال والاستغلال.

وبالتوازي مع قرار مجلس الشيوخ الأمريكي، أعلن مصرف سوريا المركزي عن الانضمام إلى منصة “بُنى” الإقليمية لتسوية المدفوعات العابرة للحدود؛ الأمر الذي يُعد تطوراً نوعياً؛ لأنه يُتيح استخدام عملات عربية ودولية بشكل أكثر كفاءة وشفافية، ويؤسس لبيئة مصرفية أكثر التزاماً بالمعايير الدولية. هذا بدوره يُشجّع المغتربين السوريين على تحويل أموالهم عبر القنوات الرسمية بدلاً من الوسائل غير الرسمية، ويمهد لعودة التحويلات بأحجام أكبر، ولا سيما مع التوقعات بعودة تدريجية لبعض اللاجئين السوريين، وما يتطلبه ذلك من إنفاق على الإسكان والاستهلاك.

مع ذلك، تُشير التقديرات إلى أن أي تحسن في سعر صرف الليرة السورية سيبقى محدوداً ما لم ترافقه تدفقات مالية كبيرة من الخارج، سواء على شكل استثمارات أم قروض ميسّرة. ويبدو أن استقرار سعر الصرف في السوق الموازية سيكون مرهوناً بإقرار إلغاء “قانون قيصر” بشكل نهائي في واشنطن، وبوتيرة الإصلاحات الاقتصادية داخل سوريا، وبقدرتها على التواصل بفعالية مع النظام المالي العالمي.

  1. تنمية القطاعات الاقتصادية: على مستوى الطاقة والبنية التحتية، فإن العقوبات السابقة كانت عائقاً كبيراً أمام قدرة الحكومة السورية على جذب استثمارات في قطاعات حيوية مثل الإسكان وإعادة الإعمار، إلى جانب تعطيل استيراد قطع الغيار والتقنيات اللازمة لقطاعات الطيران والطاقة؛ ومن ثم فإن رفع أو تخفيف العقوبات يفتح الباب أمام استثمارات خليجية وتركية وأوروبية، وقد ظهرت بوادر ذلك في اتفاقيات مع السعودية بقيمة 6 مليارات دولار تشمل مشاريع في البناء والاتصالات، وصفقة مع قطر لتوليد الكهرباء بقيمة 7 مليارات دولار، ومذكرة تفاهم مع شركة موانئ دبي بدولة الإمارات العربية المتحدة لتطوير ميناء طرطوس السوري.

وفي القطاع الزراعي، ورغم أن الضرر من العقوبات لم يكن كبيراً مقارنة بالقطاعات الأخرى؛ فإن إلغاء القانون سوف يفتح المجال أمام إدخال معدات وتقنيات متطورة يمكن أن تُحدث فرقاً كبيراً في الإنتاجية الزراعية وتُقلّل من نسب الفاقد. كما أن تسهيل عمليات الاستيراد يرفع من تنوع السلع الغذائية المتاحة ويُعزز الأمن الغذائي، خاصة إذا تم دعم سلاسل القيمة الزراعية بالتصدير إلى أسواق خارجية وفق معايير جودة ومطابقة محددة.

  1. بلورة دور سوريا كمعبر تجاري إقليمي: من الناحية الجغرافية، تُعد سوريا دولة ذات موقع استراتيجي يصلح لتكون ممراً مهماً للطاقة والبضائع نحو أوروبا، خصوصاً فيما يتعلق بخطوط الغاز والنفط (مثل خط كركوك–بانياس)، وفي حال توفر بيئة قانونية ومالية مستقرة، يمكن أن يعود نشاط الترانزيت والموانئ السورية إلى سابق عهده؛ مما ينعكس إيجابياً على تكلفة الشحن والتأمين والخدمات اللوجستية؛ لكن هذا السيناريو الإيجابي يرتبط بتجاوز عدد من العقبات الداخلية والخارجية، منها احتمالية تغير السياسات الخارجية الأمريكية، وبقاء العقوبات الأوروبية، ومشكلات الامتثال للقواعد الدولية عبر الحدود.
  2. تهيئة الأوضاع الأمنية والسياسية: الإجراءات الأمريكية الحالية لتعليق أو إلغاء “قيصر” تتضمن شروطاً تتعلق بالوضع السياسي والأمني داخل سوريا، من قبيل مكافحة الإرهاب، احترام حقوق الأقليات، عدم شنّ هجمات غير مبررة على دول الجوار، ووقف دعم الجماعات المصنفة إرهابية، كما يتطلب الأمر إجراء تحقيقات جادة في انتهاكات حقوق الإنسان منذ بداية عام 2024. والالتزام بهذه الشروط ليس مجرد تفاصيل قانونية؛ بل هو عامل حاسم في تحديد ما إذا كانت سوريا ستنتقل من كونها “منطقة محظورة اقتصادياً” إلى “منطقة مخاطر قابلة للإدارة”. وبناءً عليه؛ فإن أي انتكاسة أمنية أو تقصير حكومي في تنفيذ هذه المتطلبات قد يؤدي إلى تراجع كل المكاسب، وعودة العقوبات من جديد، وفقدان ثقة الممولين.

سيناريوهات مُستقبلية:

بعد استعراض التطورات الأخيرة المتعلقة بالتمهيد لإلغاء “قانون قيصر” والآثار الاقتصادية المُتوقعة، يمكن تصوّر ثلاثة سيناريوهات رئيسية لمستقبل الاقتصاد السوري في ضوء هذا التحول، يمكن الإشارة إليها على النحو التالي:

  1. الإنفاذ الكامل والانضباط الداخلي (سيناريو التفاؤل الحذر): هذا السيناريو يُفترض فيه أن تنجح الولايات المتحدة في إتمام المسار التشريعي لإلغاء “قانون قيصر” دون وضع قيود إضافية، مع توقيع الرئيس الأمريكي على القانون قبل نهاية 2025. كما يصدر عن وزارتيْ الخزانة والخارجية الأمريكية حزمة لوائح تنظيمية توضّح تفاصيل العودة التجارية والمصرفية لسوريا، مع تحديث قوائم العقوبات لتبقى مركّزة على الأفراد والكيانات المتورطة في انتهاكات خطرة ضمن إطار عقوبات تعزيز المساءلة عن الأسد والاستقرار الإقليمي.

وبالتوازي مع ذلك سوف تقوم الحكومة السورية بإطلاق برامج حكومية واضحة لإدارة الانفتاح التجاري بشكل تدريجي، من خلال ربط الاستيراد بعوائد التصدير، وفرض رسوم حماية مُؤقتة على بعض السلع، وتقديم حوافز للمصدّرين وفق معايير الجودة. كما تُبادر إلى تأسيس دوائر قضائية مُتخصصة لفض النزاعات التجارية بسرعة وشفافية، إلى جانب تطوير أدوات اتصال واضحة للمستثمرين تتضمن أدلّة إجراءات ونافذة موحدة.

وإذا ما تم ذلك فالنتيجة ستكون تزايد الاتفاقيات الخليجية والإقليمية مع سوريا لتنتقل من مرحلة التفاهمات العامة إلى مشاريع تنفيذية في مجالات الطاقة، الموانئ، الإسكان، والاتصالات، يرافقها انخفاض تدريجي في تكاليف الاستيراد، استقرار سعر الصرف ضمن نطاق ضيق، زيادة التحويلات عبر القنوات الرسمية، وانتعاش نسبي في الاستثمار الأجنبي، خاصة في القطاعات سريعة العائد.

  1. السيناريو الثاني: التعثُّر التشريعي (حالة عدم اليقين): في هذا السيناريو، قد يفشل الكونغرس الأمريكي في توحيد موقفه، أو قد يتم تفريغ النص من مضمونه أو تأخير التوقيع الرئاسي؛ ما يعني بقاء الوضع الحالي الذي يقوم على التعليق التنفيذي القابل للتغيير في أي لحظة. هذا الغموض يُضعف التزام البنوك الدولية بالتعامل مع سوريا، ويُبقي على العقوبات الأوروبية، ويؤدي إلى استمرار التردد في الاستثمار في سوريا، ولعل النتائج المحتملة هنا تشمل تقلبات حادة في سعر الصرف، وانكماشاً في إقبال المستثمرين على الدخول للسوق السورية، وتأجيل تنفيذ الاتفاقات الكبرى التي تم توقيعها خلال الفترة الماضية، إضافة إلى تمدد السوق الموازية، وضعف ثقة المستهلكين والمنتجين، وتباطؤ في التحويلات الرسمية، لكن لتقليل آثار هذا السيناريو، يجب على الحكومة السورية أن تعتمد خطاباً شفافاً وحذراً في إدارة التوقعات، وتُفعّل أدوات داخلية لتقليل الضغط على العملة الصعبة، مثل إلزام مُستوردي السلع بربطها بعوائد تصديرية، وتنظيم عمليات الاستيراد، وتقديم دعم انتقائي للمدخلات الإنتاجية.
  2. السيناريو الثالث: الانفتاح السريع غير المُدار: هذا السيناريو يفترض أن يتم رفع العقوبات بشكل سريع دون قدرة الحكومة السورية على وضع سياسات واضحة لإدارة عملية الانفتاح، فيحدث انفتاح تجاري شامل من دون توازن نقدي وصناعي، وفي هذه الحالة، يُتوقع حدوث ما يُسمى بـ”الصدمة التجارية”؛ إذ سيتم إغراق السوق السورية بالسلع المستوردة؛ ما يهدد القاعدة الإنتاجية الهشة، ويرفع العجز التجاري، ويزيد الضغط على سعر الصرف، كما قد تُصاب السوق بحالة من الفوضى تمنع المستثمر الأجنبي من ضخ استثمارات طويلة الأجل، وتُحوّل الانفتاح إلى مجرد دورة من “الاستيراد-الاستهلاك” دون تنمية إنتاجية حقيقية.

ولعل السياسات المطلوبة من قبل الحكومة السورية لتجنّب هذا السيناريو تتمثل في فرض آليات فورية لربط الاستيراد بعوائد التصدير، وتطبيق حوافز جمركية وضريبية مرنة تكافئ سلاسل القيمة المحلية، وإنشاء مرصد وطني سوري لتنافسية الصناعة يتابع التكلفة والجودة ويُوجه الدعم إلى القطاعات الحيوية.

وفي التقدير، فإن إيقاف “قانون قيصر” لا يُمثّل نهاية الأزمة الاقتصادية في سوريا؛ بل هو بداية اختبار جديد للحكومة السورية وللمجتمع الدولي، فهذا التحول يُشكّل فرصة حقيقية لإعادة دمج الاقتصاد السوري في النظام المالي العالمي، وعودة التحويلات، وتحسين الحالة المعيشة للمواطن؛ لكنه في الوقت نفسه يحمل مخاطر حقيقية إذا لم يُدر بطريقة دقيقة؛ لذا فالطريق الأمثل هو انفتاح اقتصادي مدروس ترافقه سياسات مالية وصناعية ذكية، وإصلاحات قانونية ومصرفية تُعيد الثقة للمستثمرين، وتُحوّل سوريا إلى وجهة أعمال جاذبة وآمنة. أما الاكتفاء بإلغاء العقوبات دون إصلاحات داخلية؛ فقد يؤدي إلى انتكاسات سريعة تُعيد الأزمة إلى نقطة الصفر.

 

 


اترك تعليقاً