هل يتعارض تنامي التعاون بين الهند وتايوان مع مبدأ الصين الواحدة؟

الرئيسية مقالات
هل يتعارض تنامي التعاون بين الهند وتايوان مع مبدأ الصين الواحدة؟

 

غموض استراتيجي:

هل يتعارض تنامي التعاون بين الهند وتايوان مع مبدأ الصين الواحدة؟

 

 

 

شهدت الفترة الأخيرة تنامياً ملحوظاً في التفاعلات الاقتصادية والتجارية، فضلاً عن المواقف السياسية الهندية تجاه الوضع في مضيق تايوان، والتي تنم عن تزايد العلاقات بين الهند وتايوان. فقد انعقد الحوار الرابع بين الجانبين، في مومباي بالهند، في 31 أكتوبر 2025، لمناقشة قضايا التعاون الاقتصادي والتكنولوجي، وآليات تفعيل الأمن الاقتصادي، فضلاً عن إجراءات الدفاع عن السلام والاستقرار الإقليميين.

وهو ما يطرح التساؤل بشأن سياقات هذا التزايد الملحوظ في العلاقات بين نيودلهي وتايبيه في الفترة الأخيرة، ودوافعه، وتداعياته المحتملة، وموقف الصين تجاهه في ظل اعتراف الهند الرسمي بمبدأ الصين الواحدة؟

سياقات مُتنوعة:

شهدت السياسة الخارجية لكل من الهند وتايوان قبل عقد من الزمان تحولات جوهرية تمحورت في تحرك الأولى شرقاً، فيما اتجهت الثانية جنوباً؛ ما أدى إلى تعزيز التعاون بين نيودلهي وتايبيه، واللتان ترتبطان بعلاقات قوية تمتد إلى نحو ثلاثة عقود، مثلت انعكاساً للتحول الواضح في نهج سياستهما الخارجية. ويأتي تصاعد التعاون بين الطرفين مؤخراً في سياق مجموعة من التطورات والملامح التي تتسم بها علاقاتهما الثنائية، فضلاً عن تأثير البُعد المرتبط بالصين في هذه العلاقات. ويمكن توضيح ذلك في الآتي:

  1. علاقات سياسية غير رسمية: رغم عدم وجود تمثيل دبلوماسي رسمي أو سفارة هندية في تايوان، وكذلك الحال بالنسبة للأخيرة؛ فإن نيودلهي وتايبيه ترتبطان بعلاقات دبلوماسية غير رسمية، تتجلى في تبادلهما التمثيل في عاصمتيْهما عبر مكاتب تجارية وثقافية تحت مسميات مختلفة. ففي عام 1995، أنشأت الهند رابطة الهند- تايبيه (ITA) في تايبيه، فيما أنشأت تايوان في ذات العام مركز تايبيه الاقتصادي والثقافي (TECC) في نيودلهي؛ وذلك بهدف الإشراف على التبادلات التجارية والثقافية والتعليمية بين الجانبين.

ورغم عدم اعتراف الهند رسمياً بتايوان؛ فقد شهدت السنوات الأخيرة تنامياً ملحوظاً في العلاقات الاقتصادية والتجارية، والاتصالات الشعبية، فضلاً عن التبادلات غير الرسمية رفيعة المستوى. ففي يونيو 2024، هنأ الرئيس التايواني لاي تشينغ، رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، بفوزه في الانتخابات، مبدياً تطلعه إلى تعزيز الشراكة التايوانية- الهندية. فيما أعرب مودي عن تطلعه إلى توثيق العلاقات والعمل على بناء شراكة اقتصادية وتكنولوجية متبادلة المنفعة.

وفي مايو 2025، أرسلت الهند وفداً رسمياً يضم مسؤولين حكوميين من أربع ولايات هندية إلى تايوان، لمناقشة الاستثمار في مجالات الإلكترونيات والمركبات الكهربائية والذكاء الاصطناعي؛ ما عكس توجهاً جديداً من جانب الهند، يرتكز على التفاعل مع تايوان على مستوى الدولة؛ الأمر الذي مثل خروجاً عن الممارسات الهندية التقليدية السابقة في التعامل مع تايوان.

  1. تنامي التعاون الاقتصادي والتجاري: يمثل التعاون في المجال الاقتصادي والتجاري أحد الأبعاد البارزة للعلاقات الثنائية بين الهند وتايوان. فعلى صعيد التبادل التجاري، تضاعف حجم التجارة الثنائية بين نيودلهي وتايبيه بصورة ملحوظة خلال السنوات الأخيرة؛ إذ وصل إلى مستوى قياسي بلغ 10.6 مليار دولار في عام 2024، مقارنة بنحو 8.2 مليار دولار في عام 2023؛ الأمر الذي يعكس تنامي الترابط والاعتماد الاقتصادي المتبادل بين الهند وتايوان.

وعلى صعيد التعاون الاستثماري، توجد نحو 200 شركة تايوانية تستثمر في الهند في مجالات صناعة الإلكترونيات وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات والبتروكيماويات. وقد استثمرت الشركات التايوانية نحو 5 مليارات دولار في قطاع التصنيع الهندي. وفي وقت سابق من العام 2025، كشفت شركة فوكسكون التايوانية، الموردة لشركة آبل، عن استثمار بقيمة 1.5 مليار دولار في وحدتها الهندية مع نقل المزيد من الإنتاج خارج الصين التي تعاني من التعريفات الجمركية. وعلى مدار العقد الماضي، ازداد اهتمام الشركات التايوانية بالاستثمار في الهند بشكل كبير؛ إذ تجاوز الاستثمار الأجنبي المباشر من تايوان 665 مليون دولار بين عامي 2018 و2024.

واتصالاً بما سبق، ترتبط الهند وتايوان بالعديد من الأطر والآليات التعاقدية في المجال الاقتصادي، وخاصة في مجال الموارد البشرية. ومنها اتفاقية الهجرة والتنقل المعقودة بين الجانبين في فبراير 2024، بشأن توظيف العمال الهنود في تايوان. ومن شأن هذه الاتفاقية أن تساعد على معالجة نقص العمالة في تايوان من جهة، وتوليد التحويلات المالية للهند من جهة أخرى.

  1. التبادلات التعليمية والثقافية: ترتبط الهند وتايوان بتبادلات تعليمية وثقافية قوية، يتجلى أبرز ملامحها في إطلاق تايبيه برامج منح دراسية للطلاب الهنود؛ بهدف جذب الأكفاء في مجالات العلوم والهندسة والتكنولوجيا، حيث يدرس أكثر من ثلاثة آلاف طالب هندي في مؤسسات التعليم العالي التايوانية. كما تؤدي الدورات اللغوية والمهرجانات الثقافية دوراً ملموساً في تعزيز التفاهم المتبادل بين الجانبين. فقد قامت تايوان بتأسيس 39 مركزاً لتعليم لغة الماندرين في الهند بحلول نهاية عام 2024؛ لتفعيل التعاون التعليمي واللغوي. وعلى الجانب المقابل، تحظى عناصر التراث الثقافي الهندية، بما في ذلك اليوغا والسينما الهندية والفنون التقليدية، بإقبال متزايد في تايوان؛ ما يعزز العلاقات الدبلوماسية غير الرسمية بين الجانبين.
  2. تقارب حَذِرْ بين الهند والصين: شهدت العلاقات بين الصين والهند في الفترة الأخيرة زخماً إيجابياً، تجلت أبرز مؤشراته في زيارة وزير الخارجية الصيني وانغ يي، في أواخر أغسطس 2025 إلى نيودلهي، والتي عُقد خلالها الاجتماع الرابع والعشرين للممثلين الخاصين بشأن مسألة الحدود بين نيودلهي وبكين، وتمخض عن استئناف التجارة بين الدولتين في ثلاثة مواقع حدودية، وتعزيز التنسيق متعدد الأطراف في منتديات البريكس ومنظمة شنغهاي للتعاون.

فضلاً عن زيارة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي إلى الصين، وهي الأولى له منذ سبع سنوات، للمشاركة في قمة منظمة شنغهاي للتعاون في تيانجين، في سبتمبر 2025، ولقائه مع الرئيس الصيني شي جين بينغ، والذي عزز الزخم الإيجابي في العلاقات.

ورغم هذا الزخم الإيجابي للعلاقات؛ فقد برز اختلاف بين الدولتين بشأن قضية تايوان؛ الأمر الذي عكس استمرار الشكوك وغياب الثقة المتبادلة بين بكين ونيودلهي؛ حيث أفاد البيان الصيني عن زيارة وانغ يي لنيودلهي، أن الهند اعترفت بأن تايوان جزء من الصين؛ وهو ما يعني دعمها لمبدأ الصين الواحدة. ورغم ذلك؛ أوضح المسؤولون الهنود لاحقاً أن موقف نيودلهي تجاه تايوان لم يتغير، مؤكدين أن الهند ستواصل تعزيز التعاون الاقتصادي والعلمي والتكنولوجي والثقافي مع تايبيه.

دوافع اقتصادية واستراتيجية:

ثمَّة تشابه في رؤية كل من الهند وتايوان حيال ما تمثله الصين من تحدٍّ لهما؛ وهو ما يدفعهما إلى ترقية التعاون بهدف تعزيز مصالحهما المُشتركة في منطقة الإندوباسيفيك، ولا سيما توفير سلاسل توريد بديلة، وخيارات استراتيجية لدول المنطقة. في هذا السياق، هناك العديد من المصالح الاستراتيجية المشتركة التي تدفع نيودلهي وتايبيه إلى تفعيل علاقاتهما الثنائية. ويمكن توضيح ذلك في الآتي:

  1. تعزيز التعاون الاقتصادي والتكنولوجي: ترغب الهند وتايوان في تفعيل تعاونهما الاقتصادي بمختلف مجالاته وأبعاده. فمن جانبها، تطمح الهند إلى أن تصبح ثالث أكبر اقتصاد في العالم بحلول عام 2028، ودولة متقدمة بحلول عام 2047؛ الأمر الذي يدفعها إلى محاولة جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية. ومن شأن مبادرة تايوان لإنشاء مناطق صناعية في الخارج أن تتيح آفاقاً جديدة للاستثمار في الهند. كما يمكن للهند أن تستفيد من تعاونها مع شركات صناعة التكنولوجيا الرائدة في تايوان في بناء مرافق مشتركة لتصنيع أشباه الموصلات، خاصة وأن الهند تطمح في أن تصبح مركزاً عالمياً لأشباه الموصلات. كما يكمن للجانبين التعاون في مجال التقنيات النظيفة والابتكار الأخضر لمواجهة تغير المناخ.

وفي المقابل، تسعى تايوان إلى تعزيز حضورها التكنولوجي في الهند في السنوات المقبلة، عبر مضاعفة صادراتها من الرقائق والإلكترونيات إلى نيودلهي في ظل نمو صادرات الهواتف الذكية نتيجة تزايد الطلب الأمريكي، والتي بلغت قيمتها نحو 8.43 مليار دولار في الأشهر الخمسة الأولى من السنة المالية التي بدأت في إبريل 2025، بزيادة قدرها 40% مقارنة بعام 2024.

كما أبدت تايوان مؤخراً تطلعها إلى استيراد المعادن الأرضية النادرة من الهند، في مقابل تقديم خبراتها في مجال أشباه الموصلات إلى نيودلهي؛ وذلك بهدف تعزيز سلسلة توريدها العالمية من خلال الاستثمار بكثافة في الهند، فضلاً عن دعم صناعاتها عالية التقنية، بما في ذلك المركبات الكهربائية، والدفاع، والطاقة المتجددة. وبدورها، تعمل الهند على الاستفادة من المعادن الأرضية النادرة في إطار استراتيجيتها للتحول إلى الطاقة النظيفة والاعتماد على الذات في مجال الدفاع.

وقد دفعت القيود التي فرضتها الصين مؤخراً على صادرات المعادن النادرة تايوان والهند إلى التقارب؛ حيث تسعى كل منهما إلى تقليل اعتمادها على بكين في الحصول على هذه المعادن. كذلك، أعربت تايوان عن رغبتها في إبرام اتفاقية تجارة حرة مع الهند؛ مما يمهد الطريق أمام ضخ الشركات التايوانية مزيداً من الاستثمارات في الهند في قطاعات أشباه الموصلات، وغيرها من قطاعات التكنولوجيا المتقدمة؛ وهو ما سيساعد على خفض الرسوم الجمركية. كما يمكن لتايوان مساعدة الهند في خفض وارداتها من المكونات الإلكترونية من الصين؛ ومن ثم خفض العجز في ميزانها التجاري مع بكين.

واتصالاً، هناك إمكانية كبيرة لتقوية التعاون بين الهند وتايوان في مجالات الذكاء الاصطناعي، وتقنية الجيل الخامس (G5)، والتكنولوجيا الحيوية. خاصة وأن تايوان تُعد مقراً لبعض شركات تصنيع أشباه الموصلات الرائدة عالمياً، بما في ذلك شركة TSMC، التي تُنتج أكثر من 60% من الإنتاج العالمي للرقائق المتطورة.

  1. مواجهة “الصعود الصيني”: ثمة عامل استراتيجي مهم يدفع كلاً من الهند وتايوان إلى تعزيز الشراكة بينهما، يتمثل فيما يعتبرانه “الدور الصيني المتنامي” في منطقة الإندوباسيفيك، وتحديداً في مناطق المجال الحيوي لكل من نيودلهي وتايبيه. في هذا السياق، يمثل ما تصفه الهند وتايوان بـ”النفوذ الصيني المتزايد” في جنوب آسيا والمحيط الهندي تحدياً لمكانة الهند في المنطقة؛ مما دفعها إلى ترقية سياستها “النظر شرقاً” إلى “التحرك شرقاً”؛ لمواجهة ما ترى أنه “أهداف توسعية” للصين. وهناك رؤية عبر عنها دبلوماسيون هنود سابقون مفادها أنه يجب أن يصبح أي شيء يحدث في مضيق تايوان جزءاً لا يتجزأ من سياسة الأمن القومي الهندية. كما أشارت تحليلات هندية إلى أن الهند ومنطقة تايوان تشتركان في التحديات نفسها الناجمة عن حرب بكين المعرفية، ودعت إلى شراكة هندية في مجال الأمن السيبراني مع تايوان؛ وهي الرؤى التي تتسق مع نتائج استطلاع الرأي الذي أجرته مؤسسة ORF بين الشبان الهنود حول السياسة الخارجية لعام 2024، والتي اعتبرت الصين أكبر مصدر قلق يواجه الهند على صعيد السياسة الخارجية.

في الوقت نفسه، صاغت تايوان “السياسة الجديدة المتجهة جنوباً”، والتي ركزت بشكل أكبر على بناء شراكات في جنوب شرق آسيا، بما فيها الهند؛ وذلك بهدف إنهاء اعتمادها على الصين. وقد أدت هذه التحولات في السياسة الخارجية لكل من الهند وتايوان إلى تقارب تصوراتهما لما يعتبرانه “تهديداً صينياً” لمصالحهما الجيواقتصادية المشتركة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ؛ ومن ثم ضخ مزيد من الزخم والحيوية في العلاقات الهندية التايوانية؛ وهو ما أثار ردود فعل قوية من جانب الصين.

تداعيات وسيناريوهات محتملة:

هناك العديد من التداعيات التي يمكن أن تترتب على استمرار العلاقات بين الهند وتايوان، ويمكن تسليط الضوء على أبرزها على النحو التالي:

  1. سيناريو تعميق العلاقات: يفترض هذا السيناريو سعي كل من الهند وتايوان نحو توثيق التعاون المُستقبلي بينهما، وذلك بالنظر إلى اشتراك الطرفين في القيم الديمقراطية والتزامهما بنظام دولي قائم على القواعد؛ مما يجعلهما شريكين طبيعيين في الأمن الإقليمي والأطر الاقتصادية. هذا بجانب تنوع المجالات المهمة التي تتيح للطرفين إمكانية تعزيز علاقاتهما المستقبلية، بما في ذلك: مرونة سلاسل التوريد العالمية، الأمن البحري، تعزيز الاتفاقيات الاقتصادية والتجارية، أشباه الموصلات والصناعات عالية التقنية، فضلاً عن التعليم والبحث والذكاء الاصطناعي؛ وهو ما يتناغم مع استراتيجية الهند لتعميق العلاقات الاقتصادية الإقليمية، بما في ذلك مع تايوان، مع الحفاظ على التوازن الدبلوماسي عبر التعاون مُتعدد الأطراف، واحترام مبدأ “الصين الواحدة” والاستقرار الإقليمي.

ومن الخطوات التي يمكن أن تلجأ إليها الهند وتايوان لتعميق العلاقات بينهما التوصل إلى اتفاقية شراكة اقتصادية، وتفكير نيودلهي في إبرام اتفاقية تجارة حرة مع تايوان، وذلك على غرار اتفاقيات التجارة الحرة التي أبرمتها مؤخراً مع شركاء، مثل المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي وأستراليا.

  1. سيناريو الغموض الاستراتيجي: يفترض هذا السيناريو، الذي صاغه أحد المراكز البحثية الهندية الشهيرة، بمناسبة مرور 30 عاماً على العلاقات غير الرسمية بين الهند وتايوان؛ أن تنتهج الهند استراتيجية تحوُّط مرنة تستغل الترابط الاقتصادي غير المُتكافئ مع تايوان مع الحفاظ على غموضها الاستراتيجي، مُشيراً إلى أن هذه الاستراتيجية تُعظم المكاسب الاقتصادية والاستراتيجية المحدودة للهند دون إثارة غضب الصين.

ومن الدلائل على هذا السيناريو، تجنب الهند الإفصاح عن مواقف سياسية رسمية بشأن تايوان، فضلاً عن السياسة الحذرة والغامضة التي وظفتها الهند في تعاملها مع تايوان مراعاة لحساسيات السياسة الصينية. وقد أتاحت هذه السياسة لنيودلهي ضمان ألا تؤدي قضية تايوان إلى إخراج العلاقات الصينية الهندية عن مسارها.

ومع ذلك، فإن التحركات الصينية لعزل تايوان دولياً، يمكن أن تدفع بكين للضغط على نيودلهي لجعل مواقفها المحلية متناغمة مع صياغة بكين الرسمية لمبدأ الصين الواحدة. ورغم نجاح الهند في الفترات السابقة في توظيف سياسة الغموض الاستراتيجي بشأن مبدأ الصين الواحدة، وهو ما أتاح لها إقامة علاقات إيجابية مع الصين في العديد من المجالات؛ فإن سعي بكين المتزايد لمطالبات بشأن تايوان قد يجعل قضية تايوان تتحول إلى قضية شائكة في العلاقات الصينية الهندية؛ مما قد يعرقل التقارب الدائم.

ومن الجدير بالذكر أنه رغم تأييد الهند مبدأ الصين الواحدة في الماضي؛ فإنها دأبت منذ عام 2010 على تجنب الإشارة المباشرة إلى هذا المبدأ في البيانات المشتركة مع الصين، مفضلةً بدلاً من ذلك الحفاظ على الغموض الاستراتيجي؛ حيث تتبنى نهج الانفتاح على الحوار مع بكين، وفي الوقت ذاته تتواصل مع تايوان عبر قنوات غير رسمية، وخاصة في مجالي التجارة والابتكار، في مؤشر ينم عن حرصها على تأكيد استقلاليتها في العلاقات الخارجية.

  1. تحدي مبدأ الصين الواحدة: يتحدى التعاون بين الهند وتايوان مبدأ الصين الواحدة، الذي تعتبره الصين الأساس القانوني الذي أقره المجتمع الدولي للاعتراف بأن هناك صين واحدة في العالم وأن تايوان تُعد جزءاً لا يتجزأ من الأراضي الصينية. ولطالما حثَّت الصين الهند بشكل مُتكرر على الالتزام بمبدأ “الصين الواحدة”.

وبالتالي، فإن العلاقات الهندية التايوانية تثير قلق بكين لكونها لا تمثل فقط اختباراً لما ترى بكين أنه خطوط حمراء، وإنما أيضاً اختباراً لعلاقات الصين مع الهند. وطبقاً لتقديرات إعلامية هندية، فإن الصين تنظر إلى استراتيجية الهند تجاه قضية تايوان باعتبارها تتمثل في الحفاظ على خطاب دبلوماسي غامض – لا يتحدى صراحةً مبدأ الصين الواحدة ولا ينكر التبادلات الوثيقة المتزايدة مع تايبيه- ومن ثم محاولة التنقل بمرونة في المنطقة الرمادية مع تعظيم المكاسب الاقتصادية وتقليل المخاطر السياسية؛ ومع ذلك يكمن التحدي بالنسبة للصين في كيفية الرد على هذه الاستراتيجية طالما لم يتم تجاوز الخطوط الحمراء المتمثلة في “الاعتراف الرسمي” و”التحالف العسكري”.

ورغم امتلاك الصين للعديد من عناصر الضغط على الهند، بما في ذلك قضية الحدود، والتبعية الاقتصادية، ونفوذها في جنوب آسيا، وبيئة الأمن الداخلي في الهند. يرى الكثيرون في الصين أنه في مواجهة بيئة خارجية معقدة، وفي ظل إعادة هيكلة سلاسل التوريد العالمية والمنافسة الصينية الأمريكية المستمرة؛ فإن الزخم الإيجابي في العلاقات الصينية الهندية لا ينبغي أن يتأثر بما يسمونه “استفزازات دون المستوى المطلوب”.

وفي التقدير، يمكن القول إن تزايد التعاون بين الهند وتايوان في الفترة الأخيرة يسبب قلقاً واضحاً بالنسبة للصين، التي تنظر إلى تايوان باعتبارها منطقة تابعة لها؛ وهو ما انعكس سلباً على العلاقات بين نيودلهي وبكين، والتي رغم الزخم الإيجابي الذي شهدته مؤخراً؛ فإن ثمَّة شكوكاً وغياباً للثقة يطرأ عليها بين الحين والآخر؛ بسبب ما ترى الصين أنه عدم التزام من جانب الهند بمبدأ الصين الواحدة الذي يجعل تايوان تابعة لبكين.

وفي مواجهة هذه المعضلة، تتبنى نيودلهي سياسة الغموض الاستراتيجي إزاء مبدأ الصين الواحدة، عبر انتهاج سياسات ومواقف مرنة وبراغماتية ضمن المنطقة الرمادية تتيح لها إظهار التزامها بهذا المبدأ من جهة، وعدم إغضاب الصين من جهة أخرى؛ ومع ذلك فإن هذا التوجه المتناقض قد لا يستمر في المستقبل في ظل تزايد الضغوط السياسية والعسكرية الصينية ضد تايوان؛ ما يجعل الهند تواجه خيارين أحلاهما مر، إما الاستمرار واقعياً في علاقتها غير الرسمية مع تايبيه كغيرها من العديد من دول العالم، وإما التعرض لضغوط من الصين لإثنائها عن هذه العلاقة.

 

 

 


اترك تعليقاً