تكيف دفاعي: قوة المهام الأمريكية الجديدة في الشرق الأوسط (TFSS)

الرئيسية مقالات
أحمد عليبه رئيس وحدة الاتجاهات الأمنية - مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة
تكيف دفاعي: قوة المهام الأمريكية الجديدة في الشرق الأوسط (TFSS)

 

تكيف دفاعي: قوة المهام الأمريكية الجديدة في الشرق الأوسط (TFSS)

 

 

 

أعلنت القيادة المركزية الأميركية في 3 ديسمبر 2025 عن إنشاء قوة المهام ” Task Force Scorpion Strike ” (TFSS)، وهي أول وحدة مخصصة لنشر سرب من الطائرات المسيرة الهجومية أحادية الاتجاه منخفضة التكلفة في الشرق الأوسط. ويعكس القرار رغبة واشنطن في التكيف مع بيئة أمنية متغيرة، تتسم بصعود تهديدات مسيرات رخيصة لكنها فعالة.

وفقاً لتقارير أمريكية فإن القوة في تشكيلها الأولي تعتمد على مسيرات (LUCAS) أو (FLM-136)، وهي منصات هجومية تم تطويرها عبر هندسة عكسية لمسيرة “شاهد-136” الإيرانية التي استولت عليها الولايات المتحدة في وقت سابق. (علماً بأن إيران أنتجت النموذج كمحاكاة لنموذج ألماني هو DAR المضاد للرادارات. ثم طورت نسخ أخري بناء على محاكاة النموذج الإسرائيلي للمسيرة Harpy).

وعلى الرغم من أن إيران تمثل نقطة البداية لقوة الدفع الأمريكية، لكن لا يمكن تجاهل أن الولايات المتحدة تنافس حالياً النسخة الروسية المطورة (جيران-2)، والتي شهدت تحديثات شملت (أنظمة اتصالات موجه بالأقمار الصناعية- بطاريات أطول عمراً، رؤوس حربية أكبر تصل إلى حوالي 50 كلجم)، مع الأخذ في الاعتبار أن روسيا لم تقدم هذه المسيرة لإيران خلال الحرب مع إسرائيل، وتحتفظ بأسرارها الجديدة لنفسها، على العكس من ذلك، كشفت تقارير عن أن إيران سعت إلى الوصول إلى نسخ من النماذج الأوكرانية المتقدمة والأصغر حجماً.

وفي مؤشر إضافي على وتيرة أكبر من التنافس العالمي، أجرت الصين هي الأخرى في 5 ديسمبر 2025 تجربة على المسيرة (Loong M9) التي تصنف ضمن الذخائر الجوالة، بنفس الشكل (الروسي- الأمريكي- الإيراني)، وهي مصممة لأدوار الاستطلاع والهجوم، والهجوم التكتيكي والتدريب على الأهداف الجوية. وباستخدام نظام إطلاق مقلاع بمساعدة الصواريخ.

مع ذلك؛ لم تخرج إيران من حلبة المنافسة (سباق تسلح)، ففي نوفمبر 2025 عرض الحرس الثوري بمعرض للدفاع في طهران نسخة من المسيرة ذات المحرك (النفاث) التي أدخلت على تعديل طراز (شاهد161) وهو أيضا نسخة مقلده من نظير أمريكي (سنتينال 170). وتعتبر الأولوية في هذا التطور هو زيادة عامل السرعة (بين 300 و350 كلم/س). كما يؤخذ في الاعتبار أن النسخة الإيرانية التي يجري الحديث حولها هي (شاهد 136 B) وهي نسخة كشف عنها في ديسمبر 2024، ما يشير إلى أن طهران عملت على تطوير النسخة قبل ذلك بالاستفادة من خبرات معارك الدرونز في الحرب   الروسية- الأوكرانية. في حين استخدمت النسخ السابقة منها في مساندة روسيا في الحرب، وفي التصعيد مع إسرائيل في ابريل 2024.

ويواكب هذا الاتجاه الأمريكي سياسات الدفاع المرحلية، ومنها: طبيعة المسيرة الهجومية وطبيعة الانتشار وفق توجهات (وزارة الحرب) الأمريكية، الاعتماد على دور أكبر للذكاء الاصطناعي (العسكري) في إطار مبادرات الابتكار الدفاعي، والإنتاج الكبير الارخض تكلفة ( 35 الف دولار، أي أن تكلفة انتاج 450 واحدة منها تعادل بناء واحدة فقط من مسيرات MQ-9 Reaper المستخدمة لدي الجيش الأمريكي، وأقل من نصف تكلفة الوحدة من نظيرتها الروسية والتي تصل إلى 75 ألف دولار تقريباً) ما يجعلها خياراً اقتصادياً يمكن إنتاجه ونشره بكميات كبيرة(تنتج روسيا حوالي أكثر 5 وحدة شهرياً في مصنع (يالابوغا في تتارستان).

كما يتجه الجيش الأمريكي نحو توسعة هذه القوة وتعميم نموذجها على وحدات الجيش الأمريكي قبل نهاية العام المالي 2026، بحيث تصبح كل وحدة مجهزة بمسيرات هجومية أحادية الاتجاه. كما يرجح أن تتطور قدرات LUCAS تدريجياً نحو نسخ ذات مكونات استشعار أدق ومدى أطول وتكامل أفضل مع الأنظمة الأمريكية الموجودة.

أولاً: انعكاسات مباشرة

  1. تغير قواعد اللعبة: يمثل إعلان القيادة المركزية الأمريكية إنشاء قوة المهام الجديدة Scorpion Strike وتحريك أول سرب من الطائرات الهجومية أحادية الاتجاه تحولاً نوعياً في مقاربة الولايات المتحدة لمشهد الطائرات المسيرة في الشرق الأوسط، ما يشير إلى دخول واشنطن مرحلة جديدة من الاعتماد على أنظمة منخفضة التكلفة مشابهة لتلك التي يستخدمها خصومها.
  2. دوافع مرحلية: جاءت هذه الخطوة بعد توجيهات وزير الحرب الأمريكي بيت هيغسيث بتسريع اقتناء تقنيات مسيرات اقتصادية، في ظل إدراك واشنطن أن منظوماتها عالية التكلفة لا توفر توازناً فعالاً أمام المسيرات الإيرانية “شاهد-136″، ما دفعها لإعادة ضبط عقيدتها في مواجهة التهديدات غير المتكافئة.
  3. هندسة عكسية لمعادلة الخصم: يعتمد السرب الجديد على مسيرات LUCAS/FLM-136، التي طورت من خلال الهندسة العكسية لطائرة إيرانية مستولى عليها، ما يعكس انتقالاً أمريكياً من موقع المتلقي للهجمات إلى موقع من يوظف التقنية ذاتها بأسلوب محسن، في خطوة وصفت بأنها “قلب السيناريو”، إضافة إلى الاستفادة من خبرة الحرب الروسية الأوكرانية في هذا السياق.
  4. رسالة ردع مباشرة: تحمل هذه الخطوة رسالة ردعية، كما أكد الأدميرال براد كوبر قائد القيادة الوسطي الأمريكية، فامتلاك واشنطن لمنظومات مشابهة لتلك التي تستعملها إيران ووكلاؤها يهدف لخلق توازن جديد وإظهار أن الولايات المتحدة مستعدة لمواجهة السلاح ذاته بأسلوب أكثر تطوراً.
  5. تكامل مع مبادرات الابتكار: يتناغم تشكيل “Scorpion Strike ” مع مبادرات أخرى مثل قوة المهام المشتركة للنشر السريع والابتكار (Rapid Employment Joint Task Force)، بما يعكس توجهاً أمريكياً شاملًا لتسريع إدخال الابتكار وتحديث الهيكل التنظيمي المخصص لدمج المسيرات في الأنشطة العملياتية اليومية.
  6. دلالات جيوسياسية وإقليمية: يحمل نشر هذه المسيرات بعداً جيوسياسياً مهماً، إذ يشير إلى نية واشنطن تعزيز حضورها في ساحة تعد مركزاً عالمياً لاستخدام الطائرات الانتحارية، في الوقت الذي تمتلك فيه روسيا أكبر مصنع في العالم لانتاج هذه الطائرات.
  7. تأثيرات محتملة على سباق التسلح: قد تدفع هذه الخطوة القوى الإقليمية إلى مراجعة منظوماتها الدفاعية والهجومية الخاصة بالمسيرات، ما قد يؤدي إلى سباق تطوير جديد يشمل تعزيز الدفاعات القصيرة المدى، والحرب الإلكترونية، وأنظمة مواجهة هجمات الأسراب.
  8. متغير مستقبلي في العقيدة الأمريكية: تخطط الولايات المتحدة لتسليح كل وحدة عسكرية بمسيرات هجومية أحادية الاتجاه بحلول 2026، ما يؤكد أن FLM-136 ليست مشروعاً تجريبياً بل بداية لعقيدة جديدة تعتمد على مسيرات اقتصادية قابلة للتوسع، ستغير ملامح العمليات الأمريكية في الشرق الأوسط وخارجه.

ثانياً: تداعيات محتملة

  1. استراتيجية وعملياتية:
  • تقليص فاعلية تكتيكات الخصوم: على سبيل المثال طورت إيران فلسفتها القتالية على مبدأ “الإرباك الرخيص”، باستخدام مسيرات منخفضة التكلفة لإحداث خسائر غير متماثلة. وبالتالي فإن نشر واشنطن لمسيرات مشابهة قد يبطل هذا التكتيك ويجبر إيران على البحث عن تقنيات بديلة أو تطوير مسيرات ذات قدرات أعلى.
  • سرعة المرونة: سعة مدى المسيرات الأمريكية – وفق النموذج الأول- (نحو 700 كم) وهو ما يمنح الولايات المتحدة قدرة عملياتية أكبر لاستهداف مواقع بعيدة دون الحاجة إلى تحريك طائرات مأهولة أو تعريض قواتها للخطر. لاسيما في عمليات الظل، وليس المعارك فقط، كاستهداف عمليات تهريب الأسلحة، أو بنية لوجستية.
  • مخاطر التصعيد غير المقصود: زيادة انتشار المسيرات الانتحارية لدى أطراف متعددة قد يخلق بيئة يسهل فيها سوء التقدير. هجوم مجهول المصدر قد يتهم به الخصم ويقود إلى تصعيد واسع، خصوصاً في مناطق الاحتكاك مثل سوريا والعراق والبحر الأحمر.
  1. حالة التسلح:
  • متغير جديد في ميزان الردع: والذي يشهد تطورات متسارعة ربما لم تشهدها أي مرحلة مماثلة من قبل. ويشكل دخول الولايات المتحدة مجال المسيرات الانتحارية منخفضة التكلفة تحولاً استراتيجياً قد يعيد صياغة ميزان الردع مع إيران ووكلائها. فامتلاك واشنطن للسلاح ذاته الذي اعتمدت عليه طهران لسنوات يقلص ميزة التفوق الإيراني في هذا النوع من القدرات.
  • زيادة الطلب على أنظمة الدفاع المضادة: وجود أسراب من مسيرات منخفضة التكلفة، سيضع أنظمة الدفاع الجوي التقليدية في موقف صعب. وبالتعبية سيزيد الطلب على الأنظمة مرتفعة الكلفة وغير فعالة دائماً في مواجهة أسراب من المسيرات الصغيرة والسريعة.
  • تأثيرات على سلاسل التوريد للصناعات الدفاعية: نظراً لانخفاض تكلفة هذه المسيرات مقارنة بالأنظمة الأمريكية الأخرى، قد تعيد شركات السلاح تركيز إنتاجها نحو منصات بسيطة وقابلة للتصنيع السريع، ما يغير شكل الصناعة الدفاعية على المدى المتوسط.

ثالثاً: اتجاهات مستقبلية

  1. تعميم القدرات: تشير الاستراتيجية الأمريكية إلى أن هدفها بحلول نهاية السنة المالية 2026 هو تزويد كل وحدة قتالية بمسيّرات هجومية أحادية الاتجاه. هذا يعني أن FLM-136 لن تبقى محصورة في مسرح الشرق الأوسط، بل ستصبح جزءًا عضويًا من بنية الجيش القتالية في مختلف الساحات.
  2. تطور جيلي: من المتوقع أن يكون LUCAS المرحلة الأولى فقط، يتبعها نماذج أكثر تطوراً تشمل: (حساسات أدق- ملاحة ذاتية متقدمة- بصمة راداريه أقل- قدرات للتنسيق الجماعي باستخدام (AI) لشن هجمات شبكية متزامنة من أسراب كبيرة) وهو ما سيفتح الباب لثورة في مسيرات الهجوم الجماعي الرخيصة.
  3. تطور عملياتي: ظهور عقيدة عملياتية أميركية جديدة، إذ من المتوقع تطور سيتطور استخدام المسيرات الهجومية ليصبح جزءًا من منظومات استطلاع وهجوم موحدة، وعنصراً رئيسياً في عمليات “الدفاع النشط” للقواعد العسكرية في مختلف المناطق، وسيلة للردع التكتيكي وقلب المعادلة في بيئات التهديد العابر للحدود، مما سيعيد تشكيل شكل العمليات الأمريكية في الشرق الأوسط.
  4. زيادة الاستثمارات: لاسيما في الدفاع ضد الأسراب، فإلى جانب تطوير المسيرات الهجومية، تشير تقديرات أمريكية إلى اتجاه للاستثمار في (الليزر التكتيكي قصير المدى- أنظمة التشويش الكهرومغناطيسي- الذكاء الاصطناعي لاعتراض الأسراب- صواريخ اعتراضية رخيصة).
  5. الإدماج في أنظمة القيادة الذاتية: يوجد اتجاه أخر يتنبأ بدمج المسيرات مع الذكاء الاصطناعي القادر على اتخاذ القرار في ساحة المعركة، ومنظومات القيادة والسيطرة الرقمية، شبكات الاتصال المشفرة عالية المرونة، مما سيجعلها جزءًا من “ساحة قتال ذاتية” تتمتع باستقلالية أكبر.

 


Leave a Reply