اتجاهات مستقبلية

الرئيسية مقالات
اتجاهات مستقبلية

 

اتجاهات مستقبلية

تحركات عالمية لحوكمة الذكاء الاصطناعي

 

 

أعلنت الصين مطلع هذا الأسبوع أنها تخطط لتشديد القواعد المنظمة لاستخدام الذكاء الاصطناعي الشبيه بالبشر، من خلال إلزام مقدّمي هذه الخدمات بضمان أن تكون أخلاقية وآمنة وشفافة. حيث أفادت هيئة الرقابة على الفضاء السيبراني في الصين، في بيان نُشر على موقعها الإلكتروني يوم السبت وتداولته وكالات الأنباء حول العالم، بأنه لابد من إبلاغ المستخدمين بأنهم يتعاملون مع نظام ذكاء اصطناعي عند تسجيل الدخول إلى أي خدمة، وكذلك كل ساعتين، أو عند رصد مؤشرات على الاعتماد المفرط على النظام، وأعلنت الهيئة أن هذه المقترحات ستظل مفتوحة للنقاش العام حتى 25 يناير.

كما أضافت هيئة الفضاء السيبراني الصينية أن أنظمة الذكاء الاصطناعي المصممة للتصرف على نحو شبيه بالبشر يجب أن تطبق أنظمة صارمة للأمن والمراجعة الأخلاقية، وأن تعمل بما يتوافق مع «القيم الاشتراكية الجوهرية»، وأن تمتنع عن نشر أي محتوى قد يهدد الأمن القومي. ووفقًا لمسودة المقترحات، يتعين على مقدّمي الخدمات إجراء تقييم أمني وتقديم تقرير إلى إدارة الفضاء السيبراني على مستوى المقاطعة عند إطلاق أي خصائص للذكاء الاصطناعي الشبيه بالبشر. كما يُشترط تقديم تقرير مماثل للخدمات التي يصل عدد مستخدميها إلى مليون مستخدم مسجّل أو 100 ألف مستخدم نشط شهريًّا.

ولعل الجهود الصينية لا تنفصل عن الجهود العالمية في هذا الصدد، وفي صدارتها الجهود الإماراتية السباقة في الاتجاه نحو حوكمة الذكاء الاصطناعي محليًّا وعالميًّا، حيث أصدرت حكومة دولة الإمارات في سبتمبر 2024 ما يُعرف بوثيقة “موقف دولة الإمارات في سياسة الذكاء الاصطناعي”، وهي الوثيقة التي تعد نموذجًا رائدًا في تحديد ملامح هذه الحوكمة المأمولة عالميًّا، إذ تهدف الوثيقة إلى “تحديد المبادئ التي تشكل أساس تطوير ونشر وحوكمة الذكاء الاصطناعي في دولة الإمارات، ورسم خطوط عريضة لموقف دولة بشأن الذكاء الاصطناعي” و”تعزيز موقع دولة الإمارات كمركز لابتكارات الذكاء الاصطناعي من خلال التعاون الدولي عن طريق الحوكمة الأخلاقية والمسؤولة ونشر تقنيات الذكاء الاصطناعي استنادًا إلى مبادئ التقدم، والتعاون، والمجتمع، والأخلاق، والاستدامة، والسلامة. إذ تعد هذه الوثيقة امتدادًا استراتيجيًّا لميثاق الإمارات للذكاء الاصطناعي، حيث تُبنى هذه السياسة على ميثاق دولة الإمارات لاستخدام وتطوير الذكاء الاصطناعي؛ الأمر الذي يوفر إطارًا استراتيجيًّا يدمج الأهداف المحلية للإمارات مع طموحاتها الدولية، ولاسيما الابتكار في الذكاء الاصطناعي.

أما على مستوى الولايات المتحدة الأمريكية، فقد شهدت منتصف الشهر الجاري زخمًا مماثلاً في ذات الإطار؛ إذ إن الأمر التنفيذي الذي أصدره الرئيس الأمريكي دونالد ترامب -الساعي لمنع قوانين الولايات المتعلقة بالذكاء الاصطناعي التي يرى الرئيس أنها تُبطئ الابتكار- قد واجه معارضة سياسية وقانونية من الولايات التي تسعى للحفاظ على حقها في تنظيم هذه التكنولوجيا السريعة النمو؛ الأمر الذي يُعتبر انتصارًا لشركات التكنولوجيا، التي ترى أن تعدد قوانين الولايات يعوق قدرة الولايات المتحدة على منافسة الصين في مجال الذكاء الاصطناعي، حيث توجّه إحدى آليات الإنفاذ الرئيسية في أمر ترامب وزارة التجارة إلى منع الولايات التي تفرض لوائح مُرهقة بشأن الذكاء الاصطناعي من الاستفادة من برنامج “الإنصاف في الوصول إلى النطاق العريض ونشره” (BEAD) البالغة قيمته 42 مليار دولار.

ففي عام 2025، ارتفع عدد الإشارات التشريعية إلى الذكاء الاصطناعي بنسبة 21.3% عبر 75 دولة مقارنة بعام 2023، مسجلًا زيادة بمقدار تسعة أضعاف منذ عام 2016. ويعكس هذا النمو المتسارع في الاهتمام التنظيمي إدراكًا عالميًّا متزايدًا بأن حوكمة الذكاء الاصطناعي ليست عائقًا أمام الابتكار، بل تمثل الأساس لاعتماد مستدام ومسؤول لهذه التقنيات. كما تشير تقديرات إلى أن 97% من المؤسسات التي تعرضت لاختراقات مرتبطة بالذكاء الاصطناعي كانت تفتقر إلى ضوابط التحكم في الوصول إلى أنظمة الذكاء الاصطناعي، بينما 63% منها لم تكن لديها سياسة رسمية لحوكمة الذكاء الاصطناعي؛ وهو ما يوضح أن المخاطر الواقعية تنبع من ضعف تنفيذ الحوكمة وليس من قصور القدرات التقنية للذكاء الاصطناعي نفسه.

في النهاية، تشهد حوكمة الذكاء الاصطناعي تبنيًا عالميًّا متسارعًا مع وجود نحو 90 دولة تمتلك الاستراتيجيات أو الأطر الرسمية لهذه الحوكمة حتى نهاية 2025، لكن ثمة فجوة واضحة بين الاستخدام والسيطرة التنظيمية؛ الأمر الذي يعكس أزمة نضج عالمية في إدارة المخاطر الأخلاقية والأمنية المرتبطة بالذكاء الاصطناعي، رغم التوسع السريع في تبني هذه التقنية عبر الحكومات والقطاع الخاص؛ وهو ما يفرض على المجتمع الدولي ضرورة التحرك الجماعي نحو صياغة إطار عالمي لحوكمة شاملة تحقق الاستدامة المسؤولة للذكاء الاصطناعي.


اترك تعليقاً