في أولى فعاليات منتدى تريندز "الاتجاهات المستقبلية: العالم في عام 2071"

الإمارات تقود التحول الإقليمي في تطوير مصادر الطاقة النظيفة والمستدامة

الإقتصادية الرئيسية

 

 

أبوظبي – الوطن:
نظم “مركز تريندز للبحوث والاستشارات”، ندوة عن بُعد تحت عنوان: “النماذج الجديدة لنمو الاقتصاد العالمي في الخمسين عاماً المقبلة”، بمشاركة نخبة من الخبراء الاقتصاديين الدوليين. وتعد هذه الندوة أولى فعاليات منتدى تريندز “الاتجاهات المستقبلية: العالم في عام 2071″، الذي أعلن عنه المركز بهدف استشراف مسارات التحولات العالمية خلال الخمسين عاماً المقبلة في المجالات كافة والسبل الكفيلة بمساعدة حكومات الدول على الاستعداد الأمثل لمواجهة تحديات المستقبل.
وفي مستهل فعاليات الندوة، أعرب الدكتور محمد عبدالله العلي، المدير العام لـ “مركز تريندز للبحوث والاستشارات” في كلمته الترحيبية التي ألقتها نيابة عنه الأستاذة مريم خوري، مساعد باحث في المركز عن ترحيبه بالخبراء المشاركين في فعاليات الندوة. وأكد العلي أن المركز يولي اهتماماً استثنائياً باستشراف المستقبل من أجل التوصل إلى المحددات الحاكمة والعوامل المؤثرة في صناعته لمساعدة صانعي السياسات على الاستعداد الجيد للتعامل مع السيناريوهات المستقبلية كافة في المجالات جميعها.
وقد أدار فعاليات الندوة الدكتورمحمد حمداوي، الباحث الاقتصادي في “مركز تريندز”، الذي أكد أن العالم يشهد تغيرات متسارعة والنماذج الاقتصادية التقليدية التي نجحت في قيادة النمو العالمي في العقود الماضية لم تعد مناسبة للتعامل مع المستقبل، وآن الآوان للبحث في النماذج المستقبلية التي تواكب التطورات والمستجدات الأخيرة.
الاحتمالات المستقبلية: مناهج جديدة للتنمية الاقتصادية
وبدأت فعاليات الندوة بالكلمة التي ألقاها الباحث بدر العبد القادر، وهو اقتصادي أول في هيئة تطوير المنطقة الشرقية في المملكة العربية السعودية، التي تناول خلالها المناهج الجديدة للتنمية الاقتصادية في المستقبل، حيث أشار إلى أن النماذج الاقتصادية المستقبلية ستركز بصورة أكبر على قيم الإبداع والابتكار والاستثمار في التكنولوجيات المتطورة.
وتوقف بدر العبد القادر بشكل مطوّل عند المقتضيات العملية لتحقيق تنمية اقتصادية حقيقية على المستوى العالمي، حيث شدد على ضرورة تكثيف الجهود البحثية حول استخدام الطاقة أساساً؛ نظراً إلى ما تشهده منظومتها من تجدد مستمر وكذلك للحاجة المتنامية إليها التي ستشهد نمواً أكبر خلال الخمسين عاماً المقبلة. ولفت العبد القادر الانتباه إلى ضرورة اعتماد مزايا ما بات يعرف بـ “الاقتصاد الدائري” والوعي المهم بدوره في المستقبل أيضاً، مؤكداً أن دول العالم تتوافر على قدرات تسمح لها بحسن تدبير الأزمات المفاجئة والشاهد على ذلك أن جائحة “كوفيد-19” جعلت مؤسساتنا أكثر صموداً وأكثر قدرة على التعامل مع التحديات المستقبلية في مجال الاقتصاد وما يرتبط به من مجالات أيضاً.
كما عبّر العبد القادر عن اعتقاده بأن النمذجة الاقتصادية خلال الخمسين عاماً المقبلة سيطالها الكثير من التغيير نظراً إلى وجود الكثير من الأعمال التي تجري حالياً على المستوى العالمي؛ وهي أعمال مرتبطة بتطوير المجالات المشتركة وتحقيق المنفعة لكل الدول وهذا ما يعزز من فرص بناء نمذجة مناسبة يمكنها أن تحقق الاستفادة الكبرى للبشرية، واعتبر أن التغيرات التي يشهدها مجال الطاقة من النماذج الاقتصادية المهمة التي يجب الإلمام بها؛ لكونها سيجعلها تخضع لسلسلة تحولات سوف تغير من صورها في المستقبل مع ما يعينه ذلك من بروز تداعيات محتملة في قطاعات أخرى مرتبطة بقطاع الطاقة.

السياسات التحوُّلية اللازمة لاقتصاد المستقبل
وتطرق د. خوسيه رونالدو جونيور، مدير سياسات وبحوث الاقتصاد الكلي في معهد البحوث الاقتصادية التطبيقية في البرازيل، في كلمته أمام الندوة إلى “السياسات التحوُّلية اللازمة لاقتصاد المستقبل”، مشيراً إلى أن الاستثمار بكثافة في التعليم والتكنولوجيا الرقمية عامل مهم في كسر فجوة التعليم والتنمية بين الدول النامية والمتقدمة والاستعداد للمستقبل.
وأوضح د. خوسيه رونالدو جونيور أنه في العقود المقبلة ستكون الروبوتات والتقنيات المتطورة وتطبيقات الذكاء الاصطناعي المختلفة أدوات رئيسية لزيادة إنتاجية القطاع الزراعي. وأكد أهمية التعليم في التنمية الاقتصادية ودوره في تقليص الفجوات الفاصلة بين دول العالم التي صارت منقسمة إلى دول غنية وأخرى نامية، بعد أن أصبحت محركات النمو الاقتصادي هي الرأسمال البشري، إضافة إلى عوامل أخرى أهمها التقدم التكنولوجي وهذه أشياء مرتبطة بالسياسة التعليمية ومدى نجاعتها.
ورأى د. خوسيه رونالدو جونيور أن الكثير من المتخصصين تناولوا مسألة البطء الاقتصادي من زوايا مختلفة تتعلق بعوامل التركيبة السكانية والتمييز وعدم المساواة وكذلك نمط استخدام الطاقة وقوة الإبداع ودور الذكاء الاصطناعي الذي له دور في تراجع الطلب على القوة العاملة وعلى العمل بوجه عام، وهذه عوامل تتفاوت دول العالم فيها؛ ما يؤثر في درجة تقدمها، فالهوة بين الدول المتقدمة والنامية يمكن تقديرها زمنياً بنحو خمسين عاماً. لذلك فإن الدول النامية مطالبة باستخدام التقنيات الحديثة ما يعني الحاجة إلى نظم تعليمية قوية ذات جودة عالية، مع تبنّي سياسات اجتماعية فعالة تسهم في إعداد الموارد البشرية وتأهيلها من حيث اعتماد المرونة في قواعد التوظيف وتنظيم سوق العمل وضمان الحد الأدنى لدخل العائلات مع توفير ظروف الحياة المناسبة لهم.
في السياق ذاته، أشار د. سيميون دجانكوف، نائب رئيس الوزراء، وزير المالية الأسبق في بلغاريا، زميل أول في معهد بيترسون للاقتصاد الدولي في الولايات المتحدة الأمريكية، إلى ضرورة زيادة الدور التدخلي للدولة في إدارة الاقتصاد من خلال السياسات والمحفزات المالية والتخطيط المستقبلي له، والاستثمار بكثافة في مجالات الأبحاث والتطوير والتحول الرقمي، التي تعد أبرز ملامح التحول الاقتصادي المحتمل في المستقبل.
وأوضح د. سيميون دجانكوف أن تزايد دور الدولة في تنفيذ السياسات الاقتصادية والمالية، يختلف كثيراً عما كان سائداً خلال العقود الماضية. وقد جاء تنامي دور الدولة في ظل جائحة “كوفيد-19” التي تطلبت أن تقدم الدول حزماً مالية تحفيزية من أجل تحقيق التعافي الاقتصادي من الأزمة، ومن المتوقع أن يستمر هذا الاتجاه الجديد طوال عقود مقبلة.
وأشار د. دجانكوف إلى الحزم التحفيزية التي قدمتها الولايات المتحدة ومعظم دول العالم لتحقيق التعافي الاقتصادي من جائحة “كوفيد-19″، التي بلغت في الولايات المتحدة نحو 25% من قيمة إجمالي الدخل القومي الأمريكي، وهو ما يؤكد مدى تنامي دور الدولة في وضع السياسات الاقتصادية والمالية. والشاهد على ذلك أن هذه الدول عندما قدمت هذه المساعدات لم تكن تريد تحقيق التعافي الاقتصادي في الأجل القصير فقط، وإنما رغبت في أن يأتي ذلك في إطار إجراءات وسياسات طويلة الأمد أيضاً، تتعلق بالتحول في مجال الطاقة وتطوير سياسات التعليم، حيث ترغب الحكومات الآن في إنفاق أموال طائلة من أجل صياغة اقتصاد المستقبل.
وأضاف د. دجانكوف أن هناك اتجاهاً عالمياً آخر يتعلق بالاستثمار المكثف في مجال الأبحاث والتطوير سواء من قِبل القطاع الحكومي أو القطاع الخاص، والجديد هنا أن القطاعين سيسيران معاً في هذا المجال المهم، وهو أمر نتج بسبب تفشي جائحة “كوفيد-19″، والحاجة التي ظهرت إلى تضافر جهود القطاعين الحكومي والخاص من أجل مواجهة الأزمة. كذلك هناك اتجاه آخر متنامٍ يتعلق بمسألة التكنولوجيا الرقمية ودورها في رفع الإنتاجية في القطاعات المختلفة. كما أن هناك اتجاهاً يبرز بشأن المدن التي تقطن فيها غالبية السكان وتوجد فيها معظم الأنشطة الاقتصادية، فالمدن التي تمثل جزءاً أساسياً من الاقتصاد العالمي تمر بعدد من التحولات، خاصة مع إشارة الكثيرين في ظل جائحة “كوفيد-19” إلى أنهم لا يرغبون في العيش في المدن التي كانت مركزاً لانتشار الوباء، وأنهم يرغبون في الانتقال إلى مناطق أخرى في ظل القدرة على العمل من المنزل ومن ثم لم تعد هناك حاجة للبقاء في المدن. والتساؤل هل سيستمر هذا الاتجاه ما بعد الجائحة أم لا؟

ركائز اقتصاد المستقبل: المعرفة والاستدامة
وتناول د. جياكومو لوشياني، مستشار علمي لدراسات الماجستير لدى كلية باريس للشؤون الدولية، أستاذ مساعد في الدراسات متعددة التخصصات لدى المعهد العالي للدراسات الدولية والإنمائية، في جنيف، في كلمته أمام الندوة “ركائز اقتصاد المستقبل”، مشيراً إلى أن دولة الإمارات العربية المتحدة كان لها الدور الريادي في توظيف الطاقة النووية في إنتاج الكهرباء وقيادة التحول الإقليمي في تطوير مصادر الطاقة النظيفة والمستدامة.
وركز د. لوشياني على موضوع الاستدامة الذي يعد على درجة من الأهمية لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية ومنطقة الشرق الأوسط. وأوضح أنه دائماً ما توصف اقتصادات دول الخليج بأنها ليست مستدامة بسبب اعتمادها بشكل كبير على النفط والغاز وهما وقود أحفوري يترتب على استخدامه انبعاثات الكربون بشكل كبير، وهناك حاجة من ثم إلى التخلص من ذلك، والتركيز على استدامة التنمية بالتوجه إلى الطاقة النظيفة والمتجددة وتنويع مصادر الدخل.
وأكد د. لوشياني أن اقتصادات دول الخليج والدول المنتجة للنفط والغاز تواجه تحدياً فيما يتعلق بمسألة الكربون وتأثيره في قضية الاستدامة، مشيراً إلى أنه لن يكون هناك اقتصاد مستدام ما لم يكن هناك تغيير في الاقتصادات التي تعتمد على النفط والغاز. وأكد أنه يتعيّن على دول الخليج أن تتبنّى سياسات جديدة لمواجهة مشكلة الكربون وتحقيق الاستدامة حتى تتمكن من مواصلة مسيرة الازدهار والتقدم. وأشار لوشياني إلى أن هناك وعياً متنامياً بهذه القضية في هذه الدول، سواء من خلال الإجراءات التي تتخذها في هذا الشأن خاصة في المشروعات التي تعمل من أجل تقليص الكربون، أو من خلال دعمها الجهود العالمية المبذولة في قضايا الاستدامة، كما تشدد على أنها تبذل الجهود لمواجهتها.
وشدد د. لوشياني على الحاجة إلى مبادرات من أجل إنتاج الهيدروجين الأخضر في دول الخليج من موارد الطاقة المتجددة والنظيفة، وعلى ضرورة العمل لتوليد الكهرباء من مصادر صديقة للبيئة ومتجددة، مشيراً إلى أن دولة الإمارات العربية المتحدة كان لها دور بارز في هذا المجال حيث تنتج الكهرباء من الطاقة النووية ومن مصادر الطاقة المتجددة.
المشهد الاقتصادي خلال الأعوام الخمسين المقبلة
واستشرف د. دان ميتشيل، رئيس مركز الحرية والازدهار في الولايات المتحدة، في كلمته أمام الندوة ملامح المشهد الاقتصادي خلال الخمسين عاماً المقبلة، مشيراً إلى أن العالم شهد تغيرات ديموغرافية كبيرة في الخمسين عاماً الماضية ومن المتوقع أن تستمر معدلات النمو السكاني بصورة مقلقة في المستقبل مع تغير في شكل الهرم السكاني وهو أمر يشكل تحدياً كبيراً للنمو الاقتصادي المستقبلي.
وأوضح ميتشيل أن المؤشرات الديموغرافية سترسم ملامح المشهد الاقتصادي المستقبلي، خاصة في ظل التباين الواضح في معدلات الأشخاص الذين هم في عمر العمل بين القوى الاقتصادية الكبرى، حيث يختلف ذلك في اليابان عن أوروبا، وهذا سيؤثر في سوق العمل المستقبلي وسياسات الرعاية الاجتماعية في هذه الدول. في الوقت ذاته، فإن مؤشرات الزيادة السكانية التي تختلف من دولة إلى أخرى ستؤثر في مستقبل الاقتصاد العالمي خلال الخمسين عاماً المقبلة أيضاً، لأن المتغيرات المرتبطة بالسكان سواء تلك الخاصة بالتركيبة العمرية ومن هم في سن العمل ومن هم في سن التقاعد أو أولئك الذين يعانون ظاهرة البطالة، كل هذا من شأنه إحداث تغييرات ضخمة في السياسات الاقتصادية المستقبلية، وخاصة فيما يتعلق بسياسات الرعاية الاجتماعية والصحية.
في السياق ذاته، أشار هيكتور بوليت، رئيس قسم النمذجة في جامعة كامبريدج، كلية الاقتصاد القياسي في المملكة المتحدة، إلى أن الاتجاهات الكبرى التي ستؤثر في الاقتصاد العالمي خلال الخمسين عاماً المقبلة تتمثل في وظائف المستقبل والتغيرات التكنولوجية والتغير المناخي والعولمة والجوانب الصحية التي ترتبت على جائحة “كوفيد-19″، فهذه المجالات ستكون محور السياسات الاقتصادية والاجتماعية، وسيتعين على الحكومات الاستعداد لها من الآن.
وخلص المشاركون في الندوة إلى أن النماذج الجديدة لنمو الاقتصاد العالمي في الخمسين عاماً المقبلة ستعتمد بالأساس على الإبداع والابتكار والتميز والتعليم النوعي والتكنولوجيا المتطورة، وخاصة الذكاء الاصطناعي، فضلاً عن الاستثمار في مجال الأبحاث والتطوير والمعرفة، والاستثمار في الثروة البشرية وتنمية المهارات والمعارف باعتبارها أهم عوامل التقدم والاستدامة.
وفي نهاية فعاليات الندوة، أعرب الدكتور محمد عبد الله العلي، مدير عام “مركز تريندز للبحوث والاستشارات” عن شكره جميع المتحدثين في الندوة على مداخلاتهم القيّمة والأفكار التي طرحوها والتي قدمت رؤى استشرافية ثرية حول ملامح نماذج النمو الاقتصادي خلال الخمسين عاماً المقبلة، والمرتكزات التي ستعتمد عليها، والتي من شأنها مساعدة صانعي القرار والجهات والمؤسسات المعنية على الاستعداد لإدارة التحولات المحتملة في المشهد الاقتصادي العالمي في المستقبل.


تعليقات الموقع