المرحلة التالية لما بعد عملية الانتقال السياسي ستكون بمثابة مرحلة انتقالية أخرى لاختبار الاستقرار الليبي

الانتخابات الليبية.. تحصين دولي ومخاوف مشروعة    

الرئيسية مقالات
مركز تريندز للبحوث والاستشارات

 

اتجاهات مستقبلية      

الانتخابات الليبية.. تحصين دولي ومخاوف مشروعة    

 

 

 

 

تتواصل الجهود الدولية والإقليمية للحثّ على إجراء الانتخابات الرئاسية الليبية في موعدها، وهي الجهود التي بات ينظر إليها كثير من الليبيين على أنها تسعى لرسم خريطة البلاد على نحو ما تم في مؤتمر جنيف الذي أثمر السلطة التنفيذية المؤقتة الحالية، إذ قطعت البلاد شوطاً كبيراً باتجاه انتخاب أول رئيس للبلاد في تاريخها المعاصر، لكن ما تبقَّى من خطوات لاكتمال هذا الشوط بات محفوفاً بالمخاطر، مع تزايد أعداد الطامحين إلى مقعد الرئيس المقبل في غياب مرشح توافقي، ولا يبدّد هذه المخاطر إلا الأمل المتنامي في انتصار إرادة الجموع الليبية التي تتوق إلى عودة الدولة الغائبة، وإنجاح التجربة السياسية للعيش في ظل قيم الدولة المدنية.

ففي الثاني عشر من نوفمبر الجاري انعقد في باريس ختام المؤتمرات الهادفة إلى التأكيد على تنفيذ أولويات الاستحقاقات المرحلية المتمثلة في إنجاز الانتخابات الليبية الرئاسية والتشريعية في موعدها، والتصدي لمحاولات تأجيلها أو عرقلتها، والتأكيد على القبول بنتائجها، ليشكّل تراكماً جديداً لتوافق الإرادة الدولية حول ليبيا، ومرجعية جديدة لتسوية الأزمة الليبية سياسياً، وتحكمها واقعية سياسية تتمثل في الحفاظ على المكتسبات التي تم تحصيلها خلال المرحلة الانتقالية منذ التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار في أكتوبر من العام الماضي، وترحيل الملفات المعقدة إلى ما بعد المرحلة الانتقالية.

بات واضحاً أن ثمة إجماعاً دولياً وإلحاحاً ليبياً شديداً على تحصين موعد الانتخابات المقررة في الرابع والعشرين من ديسمبر المقبل، وعدم القبول بتعديله أو تأجيله استجابة لرغبة بعض القوى والأطراف السياسية، بل تم التوافق على فرض عقوبات على الأطراف التي ستعمل على عرقلة الانتخابات؛ لأن استحقاقات المرحلة القادمة غدت أهم من كل الاعتبارات؛ فالحاجة إلى استكمال خريطة الطريق التوافقية بشكل جدّي تتطلب، وفقاً للمراقبين، وجود رئيس يمثل الأغلبية، ووجود سلطة شرعية منتخبة، وأن المرحلة التالية لما بعد عملية الانتقال السياسي ستكون بمثابة مرحلة انتقالية أخرى لاختبار الاستقرار الليبي، من خلال تحسين الأوضاع بشكل متدرج.

لكن المخاوف لم تنتهِ بعد، رغم كل هذا التوافق الدولي والإرادة الوطنية، وأدوات الصراع لاتزال موجودة، كالفصائل المسلحة التي تحتاج إلى مكابح داخلية وبدائل استراتيجية لاستيعابها في منظومة أمنية وطنية جديدة. كما أن وجود المرتزقة والمقاتلين الأجانب لم ينتهِ على الأرض، فبينما أبدت روسيا استعداداً للتجاوب مع هذا الملف، لم تَزَلْ تركيا تراهن على الإبقاء على مرتزقتها كورقة ضغط يمكن استغلالها فيما بعد المرحلة الانتقالية، في حال وصول سلطة غير متوافقة معها، إذ حينها يتوقع المراقبون أن تركيا ستعيد توظيف أدواتها مرة أخرى لإعادة إنتاج الصراع المسلح أو التوتر الأمني والسياسي بشكل عام.

ومع تزايد أعداد الطامحين لمقعد الرئيس المقبل، ثمة جانب من مخاوف الليبيين من افتقارهم إلى “المرشح التوافقي”، فضلاً عن تصاعد نبرة “التحزُّب الإقليمي ورفض الآخر”، فكل جبهة تتمسك بممثلها في هذا الاستحقاق، وما عداه لا يُعتدُّ بترشُّحه؛ ما قد يفتح الباب لسيناريوهات عدة، أقلّها التشكيك في نتائج الانتخابات، ومن ثمّ الدخول إلى عالم مجهول قد لا يكون احتكام البعض إلى قوة السلاح بعيداً عنه.

إزاء كل هذا التحصين الدولي للاستحقاق الليبي القادم، والاعتراف بجملة المخاوف القادرة على إضعاف الاستحقاق أو إفشاله، قد يكون من الواجب اليوم على كافة القوى الليبية الاستماع لصوت العقل والمنطق، ويتوجَّب عليها النظر إلى من يستطيع قيادة هذه المرحلة الصعبة بكل اقتدار وبأقلّ الأضرار؛ لأن الأخطار كبيرة والمتربصين بليبيا وبالليبيين كُثُر، يختلفون باختلاف أجنداتهم ومصالحهم، ولديهم من المساعي ما يهدّد التوافق الدولي ويعيد ليبيا إلى بداية عشرية أزمتها.


تعليقات الموقع