تحتفل دولة الإمارات اليوم التاسع من فبراير بمرور عام على تسجيل اسمها بحروف من نور في سجلات التاريخ، بعدما أصبحت خامس دولة في العالم تنجح في الوصول إلى مدار المريخ ومن المرة الأولى، بعدما تمكن “مسبار الأمل” ضمن مشروع الإمارات لاستكشاف المريخ في مثل هذا اليوم من العام الماضي من الوصول إلى الكوكب الأحمر وسط متابعة عالمية غير مسبوقة.
ويمثل تزامن وصول “مسبار الأمل” مع احتفالات الدولة باليوبيل الذهبي عام 2021 أفضل انطلاقة للخمسين عاماً التالية كونه يؤسس لاقتصاد المستقبل القائم على المعرفة.
ونجح “مسبار الأمل” عند الساعة 7:42 مساء، التاسع من فبراير 2021 في الدخول إلى مدار الالتقاط حول الكوكب الأحمر، منجزاً بذلك أصعب مراحل مهمته الفضائية، بعد رحلة استغرقت نحو سبعة أشهر في الفضاء، قطع فيها أكثر من 493 مليون كيلو متر، ليشكل وصوله إلى الكوكب الأحمر حينها، استعداداً لبدء مهمته العلمية من خلال توفير ثروة من البيانات العلمية للمجتمع العلمي حول العالم، علامة فارقة في مسيرة دولة الإمارات التنموية المتسارعة، وليكون هذا الإنجاز علامةً فارقةً في احتفالات الدولة باليوبيل الذهبي لقيام الاتحاد، وملخصاً قصتها الملهمة، كدولة جعلت ثقافة اللامستحيل فكراً ونهج عمل وترجمةً حيةً على الأرض.
وبالوصول الناجح لمسبار الأمل في هذا اليوم التاريخي، أصبحت دولة الإمارات أول الواصلين إلى مدار الكوكب الأحمر ضمن ثلاث مهمات فضائية أخرى وصلت خلال شهر فبراير 2021 إلى المريخ، تقودها بالإضافة إلى الإمارات، كٌّل من الولايات المتحدة والصين.
وفي هذا اليوم كانت محطة التحكم الأرضية في مركز محمد بن راشد للفضاء في الخوانيج محط أنظار العالم، إذ جرى من خلالها إجراء مناورات دخول المسبار إلى مدار الالتقاط حول المريخ، وحرص صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي “رعاه الله”، وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة على متابعة اللحظة التاريخية من المحطة.
وتابع هذه اللحظات التاريخية الملايين في دولة الإمارات والوطن العربي والعالم، من خلال تغطية حية ضخمة نقلتها محطات التلفزيون ومواقع الإنترنت ومنصات التواصل الاجتماعي، ضمن فعالية كبرى نُظمت بدبي في محيط برج خليفة، والذي اكتسى إلى جانب المعالم الرئيسية في الدولة والعالم العربي بلون الكوكب الأحمر، وذلك لمتابعة اللحظات الحاسمة لوصول المسبار، بحضور وكالات الأنباء العالمية وممثلي وسائل الإعلام والمواقع الإخبارية المحلية والإقليمية ونخبة من المسؤولين وأعضاء فريق مشروع الإمارات لاستكشاف المريخ “مسبار الأمل”.
ومنذ اليوم الأول لوصوله إلى مدار المريخ وحتى الآن يواصل “مسبار الأمل” إمداد المجتمع العلمي حول العالم ببيانات علمية غير مسبوقة، وفي إطار سعي دولة الإمارات للمشاركة في مسيرة التقدم العلمي للبشرية، فقد جرى بالفعل إتاحة دفعتين من هذه البيانات عبر الموقع الإلكتروني لمشروع الإمارات لاستكشاف المريخ لكل العلماء والباحثين والمهتمين بعلوم الفضاء. وقد جرى نشر الدفعة الأولى من البيانات العلمية غير المسبوقة في أكتوبر 2021 وتضمنت الصور والمعلومات والملاحظات التي جمعها المسبار خلال الفترة الممتدة من 9 فبراير إلى 22 مايو في أكتوبر 2021، فيما نُشرت الدفعة الثانية مطلع يناير الماضي، وسوف يتوالى نشر هذه البيانات العلمية كل 3 أشهر.
وفي 30 يونيو الماضي، كشف مشروع الإمارات لاستكشاف المريخ “مسبار الأمل” عن الصور الأولى من نوعها التي ترصد بشكل كامل وغير مسبوق ظاهرة الشفق المنفصل “Discrete Aurora” في الغلاف الجوي للمريخ أثناء الليل باستخدام الأشعة الفوق بنفسجية البعيدة “far ultraviolet”.
وتساهم هذه الصور الاستثنائية غير المسبوقة في إثراء معارف العلماء والباحثين عند دراسة التفاعلات بين الإشعاع الشمسي والمجال المغناطيسي للمريخ وغلافه الجوي.
وتضمنت البيانات العلمية المنشورة حتى الآن ملاحظات وبيانات لم تتوصل إليها أي مهمة استكشافية سابقة إلى المريخ، كما ضمت صوراً فريدة للكوكب الأحمر ترصد ملاحظات غير مسبوقة حول سلوك غازات الغلاف الجوي للكوكب الأحمر والتفاعلات التي تحدث بينها تظهر الملاحظات التي تم التقاطها بواسطة المقياس الطيفي بالأشعة ما فوق البنفسجية لمسبار الأمل اختلافات كبيرة في وفرة كل من الأكسجين الذري وأول أكسيد الكربون في الغلاف الجوي العلوي للمريخ في الجانب النهاري من الكوكب.
وهذه الاكتشافات الجديدة التي توصل إليها “مسبار الأمل” تسهم في تغيير المفاهيم السابقة للعلماء حول توزيع الضوء فوق البنفسجي المنبعث من الغلاف الجوي العلوي للمريخ حيث تظهر وجود هياكل شاسعة لوفرة الأكسجين الذري التي تختلف في مستوياتها عن المتوقع، وتشير أيضاً لاضطرابات جوية غير اعتيادية في الغلاف الجوي. وقد تم التقاط الصور في وقت كان المريخ قريباً من قمة مداره “الأكثر بعدا عن الشمس” بينما كان النشاط الشمسي منخفضاً إذ بينت الصور المشهد الاستثنائي لانبعاثات الأكسجين عند الطول الموجي 130.4 نانومتر.
كما أن هذه الهياكل الموجودة في الصور التي التقطتها الأجهزة التي يحملها المسبار على متنه قد تكون ناتجة عن تأثير سلبي للضوء ناتج عن موجات أشعة طويلة تم تصميم الأجهزة لرفضها، ولكن لوحظ انبعاثًا منتظمًا نسبيًا من الأكسجين عند الطول الموجي 130,4 نانومتر عبر الكوكب وهو عكس ما تم ملاحظته حيث كانت وفرة الأكسجين أعلى بنسبة 50 % من المتوقع لذلك يعمل الفريق العلمي حاليًا على تعديل نماذجه العلمية للغلاف الجوي للتوصل إلى تفسير أفضل وثابت لهذه النتائج.
ومع استمرار المهمة العلمية لمسبار الأمل لاستكشاف المريخ، والتي كانت قد بدأت في شهر مايو 2021 مع دخول المسبار إلى المدار العلمي حول الكوكب الأحمر والذي يتيح له أفضل موقع ممكن لرصد ودراسة مناخ المريخ وغلافه الجوي، يتواصل أيضاً تحقيق الأهداف العلمية التي تم إطلاق مشروع الإمارات لاستكشاف المريخ “مسبار الأمل” من أجلها، وسوف تستمر المهمة العلمية للمسبار حتى مايو 2023، مع إمكانية تمديدها على الأقل لمدة سنة مريخية جديدة (أي عامين أرضيين) حال اقتضت الضرورة ذلك.
ولتحقيق الأهداف العلمية لهذه المهمة الفضائية التاريخية، يحمل مسبار الأمل على متنه ثلاثة أجهزة علمية مبتكرة، قادرة على نقل صورة شاملة عن مناخ المريخ وطبقات غلافه الجوي المختلفة مما يمنح المجتمع العلمي العالمي فهماً أعمق للتغيرات المناخية التي يشهدها الكوكب الأحمر ودراسة أسباب تآكل غلافه الجوي.
وترصد هذه الأجهزة، وهي كاميرا الاستكشاف الرقمية والمقياس الطيفي بالأشعة تحت الحمراء والمقياس الطيفي بالأشعة ما فوق البنفسجية، كل ما يتعلق بكيفية تغير طقس المريخ على مدار اليوم، وبين فصول السنة المريخية، بالإضافة إلى دراسة أسباب تلاشي غازي الهيدروجين والأوكسجين من الطبقة العليا للغلاف الجوي للمريخ، والتي تشكل الوحدات الأساسية لتشكيل جزيئات الماء، وكذلك تقصي العلاقة بين طبقات الغلاف الجوي السفلى والعليا لكوكب المريخ، ومراقبة الظواهر الجوية على سطح المريخ، مثل العواصف الغبارية، وتغيرات درجات الحرارة، فضلاً عن تنوّع أنماط المناخ تبعاً لتضاريس الكوكب المتنوعة.
ويعمل مسبار الأمل على جمع أكثر من 1000 غيغابايت من البيانات الجديدة عن كوكب المريخ، ويتم إيداعها في مركز للبيانات العلمية في الإمارات، ويقوم الفريق العلمي للمشروع بفهرسة وتحليل هذه البيانات وإتاحتها للبشرية لأول مرة، ومشاركتها مع المجتمع العلمي المهتم بعلوم المريخ حول العالم في سبيل خدمة المعرفة الإنسانية.
وتستحق القصة الملهمة لمشروع الإمارات لاستكشاف المريخ “مسبار الأمل” أن تروى، حيث كانت دولة الإمارات قد دخلت، مساء التاسع من فبراير 2021، التاريخ كأول دولة عربية تصل إلى المريخ، وخامس دولة في العالم تحقق هذا الإنجاز بعدما نجح مسبار الأمل، ضمن مشروع الإمارات لاستكشاف المريخ، في الوصول إلى الكوكب الأحمر، متوجةً بذلك الخمسين عاماً الأولى منذ تأسيسها عام 1971 بحدث تاريخي وعلمي غير مسبوق على مستوى المهمات المريخية السابقة، حيث تستهدف المهمة الاستكشافية الإماراتية تقديم بينات علمية لم يتوصل إليها الإنسان من قبل عن الكوكب الأحمر.
ونجح “مسبار الأمل” عند الساعة 7:42 مساء التاسع من فبراير 2021 في الدخول إلى مدار الالتقاط حول الكوكب الأحمر، منجزاً بذلك أصعب مراحل مهمته الفضائية، بعد رحلة استغرقت نحو سبعة أشهر في الفضاء، قطع فيها أكثر من 493 مليون كيلو متر.
وكانت اللحظات الحاسمة لمرحلة الدخول إلى مدار الالتقاط حول الكوكب الأحمر قد بدأت عند الساعة 7:42 مساء بتوقيت دولة الإمارات، مع قيام مسبار الأمل ذاتياً، وفقاً لعمليات البرمجة التي كان فريق العمل قد أجراها مسبقاً قبل إطلاقه، ببدء تشغيل محركاته الستة للدفع العكسي “دلتا في” لإبطاء سرعته من 121 كيلومتر إلى 18 ألف كيلومتر في الساعة، مستخدماً نصف ما يحمله من وقود، في عملية استغرقت 27 دقيقة. وانتهت عملية حرق الوقود عند الساعة 7:57 مساء ليدخل المسبار بأمان إلى مدار الالتقاط، وعند الساعة 8:08 مساءً تلقت المحطة الأرضية في الخوانيج إشارة من المسبار بنجاح مرحلة الدخول إلى مدار المريخ، لتكتب دولة الإمارات اسمها بحروف بارزة في تاريخ المهمات الفضائية لاستكشاف الكوكب الأحمر.
ومع نجاح مرحلة الدخول إلى مدار الالتقاط، بدأ مسبار الأمل يومه الأول حول كوكب المريخ، وأصبح فريق المحطة الأرضية قادراً على التواصل مع المسبار للتأكد أن هذه المرحلة، التي كانت أكثر مراحل المهمة الفضائية دقة وخطورة، لم تؤثر على المسبار وأنظمته الفرعية والأجهزة العلمية التي يحملها.
وبعد التأكد من كفاءة المسبار وأنظمته الفرعية وأجهزته العلمية، قام فريق المشروع ببدء تنفيذ المرحلة التالية من رحلة المسبار وهي الانتقال إلى المدار العلمي عبر مجموعة عمليات لتوجيه مسار المسبار لنقله إلى هذا المدار بأمان، وذلك باستخدام المزيد من الوقود الذي كان المسبار يحمله على متنه، وقد تبع ذلك عمليات رصد دقيقة لموقع المسبار للتأكد من وجوده في المدار الصحيح، وبعدها تم إجراء عمليات معايرة شاملة لأنظمة المسبار، تشبه تلك التي كان الفريق قد أجراها عقب عملية إطلاق المسبار إلى الفضاء في العشرين من يوليو 2020، ، وتم معايرة كل نظام على حدة، علماً بأن كل عملية تواصل مع المسبار في هذه المرحلة كانت تستغرق ما بين 11 إلى 22 دقيقة نظراً لبعد المسافة بين كوكبي الأرض والمريخ.
وبعد إنجاز كل هذه العمليات بدأت المرحلة الأخيرة في رحلة المسبار وهي المرحلة العلمية التي بدأت في مايو 2021، حيث قام مسبار الأمل بتوفير أول صورة كاملة عن مناخ المريخ والظروف الجوية على سطحه على مدار اليوم وبين فصول السنة، ما جعله فعلياً أول مرصد جوي للكوكب الأحمر.
وكانت رحلة مشروع الإمارات لاستكشاف المريخ “مسبار الأمل” قد بدأت فعلياً كفكرة قبل نحو 9 سنوات، من خلال خلوة وزارية استثنائية دعا لها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم في جزيرة صير بني ياس في أواخر العام 2013، حيث قاد سموه عصفاً فكرياً مع أعضاء مجلس الوزراء وعدد من المسؤولين استعرض فيه معهم جملة أفكار للاحتفال باليوبيل الذهبي لقيام الاتحاد في العام، وقد تبنت الخلوة يومها فكرة إرسال مهمة لاستكشاف المريخ، كمشروع جريء، ومساهمة إماراتية في التقدم العلمي للبشرية، بشكل غير مسبوق.
مشروع الإمارات لاستكشاف المريخ “مسبار الأمل” هي مبادرة استراتيجية وطنية أعلن عنها صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات وصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي في 16 يوليو 2014. وتتجلى أهداف المشروع في تطوير برنامج فضائي وطني قوي، وبناء موارد بشرية إماراتية عالية الكفاءة في مجال تكنولوجيا الفضاء، وتطوير المعرفة والأبحاث العلمية والتطبيقات الفضائية.
تقوم وكالة الإمارات للفضاء بالإشراف على الإجراءات والتفاصيل اللازمة لتنفيذ المشروع فيما يتولى مركز محمد بن راشد للفضاء “MBRSC” عملية التنفيذ والإشراف على كافة مراحل عملية تصميم وتنفيذ وإرسال مسبار الأمل إلى الفضاء.
وعلى مدى أكثر من ست سنوات من العمل على “مسبار الأمل”، تصميما وتنفيذا وبناء من الصفر، شهد المشروع تحديات جمّة، شكل تخطيها قيمة مضافة له. وكانت أولى هذه التحديات إنجاز المهمة الوطنية التاريخية لتصميم وتطوير المسبار خلال 6 سنوات، حتى يتزامن وصوله مع احتفالات الدولة بيومها الوطني الخمسين، في حين أن المهام الفضائية المثيلة يستغرق تنفيذها ما بين 10 أعوام إلى 12 عاماً، حيث نجح فريق مسبار الأمل من كوادر وطنية عالية الكفاءة في هذا التحدي، محولين الدعم اللامحدود من القيادة الرشيدة إلى حافز إضافي دفعهم لبذل المزيد من الجهد.
وكان هناك تحد جديد تمثل في كيفية نقل المسبار إلى محطة الإطلاق في اليابان بالتزامن مع تفشي جائحة فيروس كورونا المستجد “كوفيد19” عالمياً، وهو ما ترتب عليه إغلاق المطارات والموانئ حول العالم، ووضع قيود صارمة على التنقل بين الدول ضمن الإجراءات الاحترازية لمكافحة تفشي الفيروس، وكان على فريق العمل أن يضع خططاً بديلة لنقل المسبار في الموعد في ضوء هذا التحدي المستجد، حتى يكون جاهزاً للإطلاق في التوقيت المحدد سلفاً في منتصف يوليو 2020، وهنا سجل الفريق إنجازاً جديداً في مسيرة تخطي التحديات، إذ نجح في نقل المسبار إلى محطة تانيغاشيما اليابانية، في رحلة استغرقت أكثر من 83 ساعة براً وجواً وبحراً، ومرت بثلاث مراحل رئيسية، روعي خلالها اتخاذ تدابير وإجراءات لوجستية محكمة، لضمان إيصال المسبار إلى وجهته النهائية قبل الإطلاق في وضعية مثالية.
ثم جاءت اللحظة الحاسمة التي ظل فريق العمل يترقبها بفارغ الصبر طوال ست سنوات من العمل الدؤوب، وهي لحظة الإطلاق التي تحدد لها الساعة الأولى من صباح يوم 15 يوليو 2020 بتوقيت الإمارات، ولكن مسلسل التحديات استمر، إذ تبين أن الظروف الجوية غير ملائمة لإطلاق الصاروخ الذي سيحمل المسبار، ليقوم فريق العمل بإعادة جدولة موعد الإطلاق ضمن “نافذة الإطلاق” الممتدة من 15 يوليو وحتى 3 أغسطس، علماً بأن عدم نجاح الفريق في إنجاز عملية الإطلاق خلال هذه الفترة كان يعني تأجيل المهمة بأكملها لمدة عامين. وبعد دراسات دقيقة لتنبؤات الأحوال الجوية بالتعاون مع الجانب الياباني قرر الفريق إطلاق مسبار الأمل في 20 يوليو 2020، عند الساعة 01:58 صباحاً بتوقيت الإمارات.
ولأول مرة في تاريخ المهام الفضائية لاستكشاف الفضاء يتردد العد التنازلي باللغة العربية، إيذاناً بإطلاق مسبار الأمل، وسط متابعة مئات الملايين من الدولة والمنطقة والعالم الحدث التاريخي، وحبس الجميع أنفاسهم انتظاراً للحظات الحاسمة التي سيصعد خلالها الصاروخ مخترقاً الغلاف الجوي للأرض بسرعة 34 ألف كيلومتر في الساعة حاملاً مع مسبار الأمل، وما هي إلا دقائق حتى تأكد نجاح عملية الإطلاق، ثم انفصال المسبار عن صاروخ الإطلاق بنجاح، ومن ثم استلام أول إشارة من المسبار في رحلته التي امتدت سبعة أشهر التي قطع خلالها أكثر من 493 مليون كيلومتر. كما تلقى المسبار أول أمر من محطة التحكم الأرضية بالخوانيج في دبي بفتح الألواح الشمسية وتشغيل أنظمة الملاحة الفضائية وإطلاق أنظمة الدفع العكسي، ليشكل ذلك فعلياً بداية رحلة المسبار الفضائية إلى الكوكب الأحمر.
وبعد الإطلاق الناجح، انتقل مسبار الأمل إلى المرحلة الثانية من رحلته، والمعروفة بمرحلة العمليات المبكرة، وفيها بدأت سلسلة من الأوامر المعدة مسبقاً بتشغيل “مسبار الأمل”. وشملت هذه العمليات تنشيط الكمبيوتر المركزي، وتشغيل نظام التحكم الحراري، وفتح الألواح الشمسية واستخدام المستشعرات المخصصة لتحديد موقع الشمس، لتبدأ بعدها مناورة تعديل موضع المسبار وتوجيه الألواح نحو الشمس، من أجل بدء عملية شحن البطاريات الموجودة على متن المسبار. وفور انتهاء العمليات السابقة بدأ “مسبار الأمل” في إرسال سلسلة من البيانات هي أول إشارة تصل إلى كوكب الأرض، وهذه الإشارة تم التقاطها من ِقبل شبكة مراقبة الفضاء العميق وبالأخص المحطة التي تقع في العاصمة الإسبانية مدريد.
وفور تلقي المحطة الأرضية في دبي هذه الإشارة، باشر فريق العمل بإجراء سلسلة من الفحوصات للتأكد من سلامة المسبار استمرت لمدة 45 يوماً، فحص خلالها فريق العمليات والفريق الهندسي للمسبار جميع الأجهزة للتأكد من عمل الأنظمة والأجهزة الموجودة على متن المسبار بكفاءة. وفي هذه المرحلة، تمكن فريق “مسبار الأمل” من توجيهه ليكون في أفضل مسار صوب الكوكب الأحمر، حيث نجح الفريق في إجراء أول مناورتين، الأولى في 11 أغسطس والثانية في 28 من أغسطس 2020.
وبعد إنجاز مناورتي توجيه المسار بنجاح، بدأت المرحلة الثالثة في رحلة “مسبار الأمل”، عبر سلسلة من العمليات الاعتيادية، إذ تواصل الفريق مع المسبار عبر محطة التحكم الأرضي بواقع مرتين إلى ثلاث مرات في الأسبوع، مدة كل منها تتراوح ما بين 6 إلى 8 ساعات. وفي الثامن من نوفمبر الماضي، أنجز فريق عمل مسبار الأمل بنجاح مناورة توجيه المسار الثالثة، ليتحدد على إثرها موعد وصول المسبار إلى مدار المريخ يوم 9 فبراير 2021 عند الساعة 7:42 مساء بتوقيت الإمارات.
وخلال هذه المرحلة أيضاً قام فريق العمل بتشغيل الأجهزة العلمية لأول مرة في الفضاء وفحصها وضبطها، وذلك عبر توجيهها نحو النجوم للتأكد من سلامة زوايا المحاذاة الخاصة بها، والتأكد من أنها جاهزة للعمل بمجرد وصولها إلى المريخ. ومع نهاية هذه المرحلة اقترب “مسبار الأمل” من المريخ لتبدأ أهم مراحل مهمته التاريخية لاستكشاف الكوكب الأحمر وأكثرها خطورة، وهي مرحلة الدخول إلى مدار المريخ.
وكانت مرحلة الدخول إلى مدار المريخ والتي استغرقت 27 دقيقة قبل وصول المسبار بنجاح إلى مداره المحدد حول الكوكب الأحمر من أصعب وأخطر مراحل المهمة، وتعرف هذه المرحلة بـ”الدقائق العمياء”، حيث كان التحكم فيها تلقائياً من دون أي تدخل من المحطة الأرضية، إذ عمل المسبار طوال هذا الوقت بشكل ذاتي.
وفي هذه المرحلة، ركز فريق العمل على إدخال مسبار الأمل في مدار الالتقاط حول المريخ بشكل آمن، ومن أجل إتمام هذه المهمة بنجاح تم حرق نصف كمية الوقود الموجودة في خزانات المسبار لإبطائه إلى الحد الذي يسمح بإدخاله في مدار الالتقاط، واستمرت عملية حرق الوقود باستخدام محركات الدفع العكسي “دلتا في” لمدة 27 دقيقة لتقليل سرعة المسبار من 121,000 كم/ساعة إلى 18,000 كم/ساعة، ونظراً لكونها عملية دقيقة، فقد تم تطوير أوامر التحكم لهذه المرحلة عبر دراسة عميقة من الفريق حددوا في كل السيناريوهات التي يمكن أن تحدث بالإضافة الى كل الخطط التحسينية لتكون الأوامر جاهزة لهذه اللحظة الحرجة. وبعد نجاح هذه المهمة دخل المسبار في مداره الأولي البيضاوي الشكل، حيث تصل مدة الدورة الواحدة حول الكوكب فيه إلى 40 ساعة، وسيتراوح ارتفاع المسبار أثناء تواجده في هذا المدار من 1000 كيلومتر فوق سطح المريخ إلى 49380 كيلومتراً.
ويستمر المسبار في هذا المدار لعدة أسابيع لإعادة فحص واختبار جميع الأجهزة الفرعية الموجودة على متن المسبار قبل الانتقال إلى المرحلة العلمية.
وحالياً يتخذ “مسبار الأمل” خلال المرحلة العلمية مداراً بيضاوياً حول المريخ على ارتفاع يتراوح ما بين 20000 إلى 43000 كيلومتراً، ويستغرق فيه المسبار 55 ساعة لإتمام دورة كاملة حول المريخ. ويعد المدار الذي اختاره فريق مسبار الأمل مبتكراً للغاية وفريداً من نوعه، وسيسمح لمسبار الأمل بإمداد المجتمع العلمي بأول صورة متكاملة عن الغلاف الجوي لكوكب المريخ وطقسه خلال عام كامل. وتقتصر عدد مرات اتصال “مسبار الأمل” مع المحطة الأرضية على مرتين فقط في الأسبوع وتتراوح مدة الاتصال الواحد ما بين 6 إلى 8 ساعات، وتمتد هذه المرحلة حتى مايو 2023، ويواصل المسبار خلالها مجموعة كبيرة من البيانات العلمية عن الغلاف الجوي للمريخ وديناميكياته. وسيتم توفير هذه البيانات العلمية إلى المجتمع العلمي عبر مركز البيانات العلمية التابع لمشروع الإمارات لاستكشاف المريخ.
وتضمنت رحلة مسبار الأمل منذ وصوله إلى مدار الالتقاط حول المريخ في التاسع من فبراير 2021 عدداً من المحطات المضيئة، يمكن تلخيصها في التالي:
– أول صورة..
في يوم 14 فبراير 2021 تم نشر أول صورة التقطها مسبار الأمل لدى وجوده في مدار المريخ للكوكب الأحمر وفقاً للخطط الزمنية الموضوعة، مدشناً بذلك بداية مرحلة جمع 1000 غيغابايت من البيانات الجديدة عن كوكب المريخ. وقد تابع هذه الصورة الملايين في دولة الإمارات والوطن العربي والعالم بشغف، وستخلد في كتب التاريخ باعتبارها أول صور يلتقطها مسبار عربي يصل إلى أبعد نقطة في الكون، وأول صورة تُلتقط لكوكب المريخ بأجهزة علمية حديثة ومبتكرة تديرها وتشغلها كفاءات وطنية إماراتية عربية ضمن مهمة “مسبار الأمل” الأساسية في توفير معلومات وبيانات وصور حول الغلاف الجوي لكوكب المريخ. وكان استقبال فريق عمل مشروع الإمارات لاستكشاف المريخ “مسبار الأمل” للصورة الأولى للكوكب الأحمر ونشرها دليلاً على كفاءة المسبار وأنظمته الفرعية وأجهزته العلمية وجودتها، والتواصل السلس والفعال مع مركز التحكم في منطقة الخوانيج في دبي، مما يؤكد أن مهمة المسبار تمضي وفق الخطط الموضوعة والمدروسة.
وتظهر الصورة التي التقطت عند شروق الشمس بركان “أوليمبوس مؤنس”، الذي يعد أكبر بركان على كوكب المريخ وأكبر بركان في المجموعة الشمسية. وقد التقطت الصورة على ارتفاع حوالي 25,000 كيلومتر فوق سطح المريخ، ويظهر في الجزء العلوي من يسار الصورة القطب الشمالي للمريخ، ويمكن رؤية بركان “أوليمبوس مؤنس” في وسط الصورة مع بزوغ ضوء الشمس. كما تظهر الصورة بشكل واضح البراكين الثلاثة القريبة من خط الاستواء على المريخ وهي قمة اسكريوس وقمة بافونيس وقمة أرسيا.
عمليات المناورة
في 14 أبريل 2021، نجح مسبار الأمل في الانتقال من مدار الالتقاط إلى مداره العلمي، عبر مجموعة من عمليات المناورة جرى فيها تشغيل محركات المسبار لمدة 510 ثانية. وبعد هذا النجاح أصبح مسبار الأمل الآن في مداره النهائي حول المريخ، وجاهزاً لتحقيق الهدف الرئيسي للمهمة عبر جمع البيانات العلمية لمدة عامين، وفي هذه المرحلة يتخذ المسبار مداراً بيضاوياً حول المريخ على ارتفاع يتراوح ما بين 20000 إلى 43000 كيلومتراً، ويستغرق 55 ساعة لإتمام كل دورة كاملة حول المريخ.
بدء المهمة العلمية
في 23 مايو 2021، أعلن مشروع الإمارات لاستكشاف المريخ “مسبار الأمل” عن إنجاز الاستعدادات اللازمة لبدء المهمة العلمية للمسبار بعد إجراء الاختبارات اللازمة للتأكد من دقة وسلامة الأجهزة العلمية التي يحملها على متنه، والتي أثبتت أن أداء هذه الأجهزة يفوق التوقعات. وقد انطلقت رسمياً المهمة العلمية لمسبار الأمل في اليوم نفسه وتستمر لمدة عامين بهدف الحصول على أول صورة كاملة لمختلف طبقات الغلاف الجوي للمريخ خلال النهار والليل وكل فصول السنة المريخية التي تعادل عامين أرضيين.
وجاءت هذه الخطوة، بعد أن كان قد جرى بنجاح تفعيل الأجهزة العلمية الثلاثة التي يحملها المسبار يوم 10 أبريل 2021، أي قبل الموعد المحدد سلفا، ليتبع ذلك مرحلة المعايرة والاختبار.
والتقطت كاميرا الاستكشاف الرقمية EXI التي يحملها المسبار أكثر من 500 صورة للمريخ منذ انتقال المسبار إلى المدار العلمي في أوائل أبريل 2021، وتركز الكاميرا الآن على رسم خرائط لسحب المياه الجليدية في الغلاف الجوي للمريخ تزامنا مع دخول الكوكب الأحمر “الموسم الغائم” إذ يتشكل حزام من الغيوم بالقرب من خط الاستواء، ويتمتع “مسبار الأمل” رؤية فريدة لهذه الغيوم من خلال موقعه المتميز وقدرته على مراقبة الديناميكيات المتغيرة للغلاف الجوي خلال الدورات اليومية والموسمية.
وبالنسبة للمقياس الطيفي بالأشعة تحت الحمراء “EMIRS”، فمنذ دخول “مسبار الأمل” إلى مدار المريخ عمل المقياس الموجود على متن المسبار على جمع بيانات علمية توضيحية، ومعايرة المقياس بشكل صحيح إضافة إلى معالجة البيانات التي يتم جمعها بصورة روتينية ودورية.
وفي المجمل قام المقياس بجمع أكثر من 130000 صورة طيفية منذ وصوله إلى المريخ ومد فريق العمل بأكثر من 40 ملاحظة علمية توضيحية مخطط لها من قبل، تغطي جزءا كبيرا من فترات اليوم على المريخ.
ويرصد هذا المقياس كوكب المريخ من خلال حزم الأشعة تحت الحمراء ودرجة حرارة السطح، ودرجة الحرارة في الغلاف الجوي، وقياس العمق البصري للغبار والسحب الجليدية ووفرة بخار الماء في الغلاف الجوي، وذلك على مدار يوم المريخ، وعلى نطاقات زمنية شبه موسمية.
وتوفر هذه البيانات، جنبا إلى جنب مع تلك البيانات الخاصة بالمقياس الطيفي للأشعة فوق البنفسجية وكاميرا الاستكشاف الرقمية، نظرة تفصيلية وغير مسبوقة عن مناخ المريخ وتفسر أسباب عمليات تلاشي الغلاف الجوي للكوكب الأحمر.
أما المقياس الطيفي بالأشعة ما فوق البنفسجية “EMUS”، فقد تمكن منذ وصول “مسبار الأمل” إلى مدار المريخ من جمع بيانات علمية توضيحية مهمة، تتمثل في نحو 14000 صورة طيفية مكانية للغلاف الجوي، بما يعادل 1.6 مليون طيف فردي.. وقد أظهر التشغيل الأولي لأربعة أنواع مختلفة من العمليات العلمية بواسطة هذا الجهاز أنه يعمل بشكل مثالي ويتتبع بدقة المستهدفات في مجال رؤيته.
ويستمر المقياس في جمع هذه الملاحظات العلمية طوال المرحلة العلمية ليساعد في فهم تكوين وهيكل الغلاف الجوي العلوي للمريخ وما يطرأ عليه من تغيرات خلال الفصول المختلفة.
ويدور مسبار الأمل حالياً في مداره العلمي المخطط له حول المريخ بين 19.974 إلى 42.651 كيلو متراً، وبزاوية 25 درجة. وام
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.