مستقبل العمل الإنساني في ظل الكوارث الطبيعية

الرئيسية مقالات
مركز تريندز للبحوث والاستشارات
مستقبل العمل الإنساني في ظل الكوارث الطبيعية

 

اتجاهات مستقبلية

مستقبل العمل الإنساني في ظل الكوارث الطبيعية

 

 

 

 

 

 

برغم فداحة الخسائر المادية والبشرية التي تُسببها الكوارث الطبيعية، فإنه لا يمكن إغفال الدور الكبير الذي يلعبه العمل الإنساني في التخفيف من حدة هذه الخسائر، وهو ما تأكد بشكل واضح بعد وقوع الزلزال المدمر الذي ضرب الأسبوع الماضي كلًا من تركيا وسوريا، مُخَلفًا آلاف القتلى والمصابين ودمارًا شديدًا بالبنية التحتية في كلا البلدين.

وبمجرد الإعلان عن الزلزال والخسائر الهائلة التي خلّفها في البلدين، سارعت العديد من المنظمات الدولية وكذلك مختلف دول العالم إلى الإعلان عن استعدادها لتقديم المساعدات العاجلة اللازمة، بل إن بعض الدول بادر بإرسال فرق الإنقاذ المتخصصة في انتشال الأفراد من تحت الأنقاض في محاولة لإنقاذ أكبر عدد ممكن منهم، خاصة مع ارتفاع عدد المباني التي دُمِّرت بفعل الزلزال. غير أن اللافت في تحرك المجتمع الدولي هو نجاحه في تنحية أي خلافات سياسية جانبًا أثناء تعامله مع التداعيات الهائلة التي خلفها الزلزال في البلدين.

فبرغم الخصومة الشديدة بين الجارتين تركيا واليونان، كانت الأخيرة من أوائل الدول التي أرسلت مساعدات إلى جارتها، وذلك بعد ساعات فقط من وقوع الكارثة، كما اتصل رئيس وزراء اليوناني، كيرياكوس ميتسوتاكس، بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وعرض إرسال مساعدات عاجلة، وأرسل وزير خارجيته نيكوس ديندياس إلى أنقرة للبحث في طرق زيادة المساعدات. كذلك وبرغم الخلاف السياسي القائم بين تركيا والسويد، بسبب موقف أنقرة المعارض لانضمام استكهولم إلى حلف الناتو، فقد أكد رئيس الوزراء السويدي أولف كريسترسون استعداد بلاده لتقديم الدعم اللازم، وسبقه وزير خارجيته توبياس بيلستروم، الذي أكد أن الاتحاد الأوروبي الذي تتولى بلاده رئاسته هذا العام، سيمد يد العون لتركيا وسوريا لتنسيق جهود المساعدة.

كما أكد المجتمع الدولي تضامنه مع سوريا، فأعلن العديد من المنظمات الدولية والحكومات في مختلف دول العالم رغبتها في تقديم يد العون إلى دمشق في مواجهة التداعيات التي خلفها الزلزال، وسارعت هذه الجهات إلى تجاوز التعقيدات الناتجة عن الأزمة التي تمر بها البلاد، فيما أبدى النظام السوري – من جهته – انفتاحًا كبيرًا ورغبة حقيقية في وصول المساعدات إلى كافة المناطق التي تعاني من جراء آثار الزلزال؛ الأمر الذي أسهم في بدء تدفق المعونات إلى السوريين المتضررين من الزلزال في كافة المناطق.

تُبرز هذه الحالة المتنامية من التضامن الإنساني العالمي مع كل من تركيا وسوريا، الدور الكبير الذي يمكن أن يلعبه العمل الإنساني الدولي في تبريد الأزمات وتخفيف الصراعات؛ فالموقف الذي اتخذته كل من اليونان والسويد إزاء تركيا قد يكون مدخلًا لتحقيق انفراجة في العلاقات بين هذه الدول، بحيث تكون قادرة على تجاوز خلافاتها وخصوماتها. كما أن رغبة المجتمع الدولي والأسرة الدولية في تجاوز التعقيدات التي تحيط بالحالة السورية وانفتاح النظام ورغبته في التعاون مع الجهود الدولية قد تشكل مدخلًا مهمًا للبحث في تسوية للأزمة التي تعيشها سوريا منذ سنوات طويلة.

وتؤكد هذه التطورات أنه لا غنى عن العمل الإنساني الدولي بمختلف صوره، وأن هناك حاجة ماسة إلى نشر ثقافته وتعزيزه وإبراز الدور الكبير الذي يقوم به. فمن الأهمية بمكان تعزيز الدور الحيوي الذي تلعبه المنظمات الحكومية وغير الحكومية في هذا المجال، ليس فقط أثناء الكوارث الطبيعية، وإنما أيضًا في مختلف الأزمات، بالإضافة إلى تعزيز فكرة التعاون والتضامن بين الدول من أجل مواجهة الكوراث والأزمات التي باتت ذات طبيعة عالمية.

لقد فتح زلزال تركيا وسوريا وما تلاه من تبعات كارثية فرصًا جديدة لاستعادة الزخم الكبير الذي حققه العمل الإنساني الدولي بعد الحرب العالمية الثانية، خاصة وأن المجتمع والأسرة الدولية أثبتا أنهما قادران على تجاوز أي خلافات أو تعقيدات لصالح التضامن والتعاون من أجل تقديم الدعم المطلوب في مواجهة الأزمات؛ ما يفرض ضرورة توافر الإرادة الدولية اللازمة، وتعزيز دور المنظمات الدولية والإقليمية المختصة، وكذلك تفعيل القانون الدولي الإنساني؛ للتأكيد على روح التعاون والتنسيق التي يجب أن تسود بين الدول والشعوب.