ميكافيلي.. المعلم الأول “للإخوان”
مركز تريندز للبحوث والاستشارات نشر الأسبوع الماضي دراسة غير تقليدية في فهم طريقة تفكير تنظيم الإخوان المسلمين الإرهابي حملت عنوان “جماعة الإخوان المسلمين والعلوم الاجتماعية والإنسانية: هل قرأ البنا جوستاف لوبون وميكافيلي؟!” من إعداد الدكتور وائل صالح الخبير في مجال الإسلام سياسي بالمركز.
الدراسة توصلت في استنتاجاتها إلى تأكيد على ميكافيلية تنظيم الإخوان المسلمين الإرهابي وأزيد هنا من نفسي الأمر ينطبق على أخوات “الأخوات الإخوان” من تيارات الإسلام السياسي الأخرى، فكلها يجمعها مبدأ “الغاية تبرر الوسيلة”، بل لا يجيدون عيباً أن يتلونوا وفق المساحة الموجودة فلو أحسوا أنه بإمكانهم طرح فكرهم المتطرف علنية دون أي رادع أمني ستجد أصواتهم العالية في إخراج المجتمع من الإسلام في المقابل يعطوا لنفسهم العذر إن شعروا بأنهم سيفقدون مكانتهم، والأمثلة كثيرة وما زالت حية في مجتمعاتنا العربية.
واستند الدكتور وائل في دراسته وثقتين نشرت الأولى في عام 1928 والثانية في العام 1940 في استقصاء إن كان تنظيم الإخوان المسلمين يطبقون أفكار الفلاسفة الغربيون في مجتمعاتنا والوثيقة الثانية كانت تحمل عناوين الكتب التي ينبغي على متدربي تنظيم الإخوان المسلمين قراءتها وكان اللافت في تلك القائمة أنها قائمة طويلة بالمراجع وكذلك متعددة المشارب من بينها للفيلسوف الفرنسي جوستاف لوبون صاحب كتاب “سيكولوجية الجماهير”وله كتب أخرى مثل روح الثورة وروح الاجتماع.
أما تأثر منتمي هذه التنظيمات الإرهابية بفكر الفيلسوف السياسي الإيطالي نيكولا ميكافيلي صاحب كتاب “الأمير” والمعروف بمقولته الشهيرة: “الغاية تبرر الوسيلة” فهو نتيجة للمقررات الكثيرة التي اعتمدها التنظيم من المعارف الغربية لمتدربيه وبالتالي فإن سلوكيات أعضاء هذا التنظيم يمكن أن تلمح فيها هذا النوع من السلوك الميكافيلي، إذا ماركزت بشكل بسيط حول “الترحال في مواقفهم بين فكر أو آخر”، بل عليك ألا تنخدع عندما يتنكرون لفكر الفيلسوف الإيطالي ميكافيلي.
ما أريد قوله فيما سبق، أنه لم يعد الأمر طرح نظري أو اعتقاد شفهي بأن تيارات الإسلام السياسي: “ميكافيلون” وأحيانا أكثر من ميكافيلي نفسه، بل إن الميكافيلية هو منهج عمل في التنظيم وفق المتابعات التي رأيناها خلال فترة محاربته التي تعدت العام، وعليه فإن الدراسة المبنية على حقائق تعزز ما يطرح في التحليلات واستنتاجات المراقبين. لأن أسلوبهم هو نفس ما يطرحه ميكافيلي في تعامل مع المجتمعات وحتى بين أفراده.
المدهش في الموضوع، أن تيارات الإسلام السياسي كانت تقدم نفسها للناس ما يشير بأنهم أخلاقيون وينطلقون من مبادئ الدين الإسلامي، ولكن الممارسة وأفعالهم ليست مطابقة لأقوالهم ومع ذلك كان لهم تأثير ربما هذا يرجع إلى أن عقلية الإنسان العربي القابلة للتلقين في مقال أنها ترفض العقلية نقدية أو تلك العقلية التي تستعين بمنهج المقارنة في توضيح النظري بالتطبيق بقدر ما أنها عقلية تستقبل الحديث العاطفي والديني وبالتالي فما تفعله “مراجعات مركز تريندز” أنها لا تخرج سوى أنها تعمل على توضيح الحقيقة للشعوب من خلال تحريك العقل لفهم هذا التنظيم وغيره من التيارات المتطرفة.
ما يفعله مركز تريندز للبحوث والاستشارات حالياً من خلال هذه المراجعة التي أعتقد أنها “قيمة مضافة” على ما تم خلال الفترة الماضية التي شهدت حالة من التوعية المجتمعية بمخاطر هذا التنظيم أنه يقوم بعملين اثنين لهما علاقة في تأكيد القضاء على هذا التنظيم وكل أذرعه وهما.
العمل الأول: أنه يقدم أكبر خدمة للمجتمعات الباحثة عن الاستقرار من خلال تحريك “العقل” والفكر في مرحلة استئصال هذا التنظيم وأخواته، بل واستئصال كل الافكار المتطرفة التي تتلاعب بالدين باستخدام أدوات يحرمونها على المجتمع لأنها بعيدة عن الأخلاق في حين يسمحون لأنفسهم ليس فقط بقراءتها وإنما باستخدام ما فيها من أفكار لتطبيقها على المجتمع.
العمل الثاني في مشروع المراجعة الفكرية لتنظيم الإخوان: أنهم يقدمون خدمة للتاريخ من خلال العودة إلى الأساسيات الفكرة لهذا التنظيم وكيف استطاع من اختراق المجتمعات الإنسانية بما فيها المجتمعات الغربية وتسبب في تأزيمها لمدة ثمانية عقود تقريباً فهذا التنقيب والكشف إنما هو بداية الوصول إلى الحقيقة التي كانت مغيبة عن عامة الناس الذين هم أساس مشاريع هذا التنظيم وأخواته وذلك من خلال عمل بحثي رصين يؤدي نحو الخلاص من فكرهم الذي يحتاج إلى وقت واستمرارية.
معظم ما قُدم في مواجهة هذا التنظيم خلال الفترة الماضية كان عبارة الدوران في حلقة مكررة من نفس الطرح الفكري حتى بدا للناس أن الحديث عن نهاية خطر تنظيم الإخوان مسألة مؤقتة مؤجلة وأنهم سيعودون مرة أخرى وربما بأقوى مما كانوا، ولكن بهذه المراجعة وهي المراجعة الثانية خلال أقل من شهر الأولى حملت عنوان: “خريطة المقاربات الأكاديمية الغربية لظاهرة التطرف الإسلامي المؤدي للعنف” فإنها تؤكد: أننا أمام تناول بحثي جديد يعمق من جراح تنظيم الإخوان المسلمين الإرهابي وسيكون الحديث عن هذا التنظيم وغيره بعد ذلك من: التاريخ!!.