اتجاهات مستقبلية
أهمية استعادة السلام والاستقرار في السودان
يأتي اندلاع الاشتباكات بين طرفي المكون العسكري في السودان، الجيش وقوات الدعم السريع، في وقت شديد الحساسية والخطورة، ليس فقط على الدولة السودانية ولكن أيضًا على الدول الأفريقية، بل وعلى العالم برمته. فمما لا شك فيه أن الأحداث الجارية في الخرطوم سوف تلقى بظلالها على المجتمع الدولي على مختلف الأصعدة، سوء أكانت سياسية أو أزمة إنسانية محتملة.
فعلى الصعيد السوداني، تشهد البلاد منذ فترات طويلة أزمة اقتصادية طاحنة أدت إلى ارتفاع معدلات التضخم والبطالة، وارتفاع حالات السخط المجتمعي على النخبة التي تدير البلاد في المرحلة الانتقالية، وارتفاع معدلات الدَّين الخارجي، وعجز الموازنة العامة للدولة. وسياسيًا، لم تستطع النخبة السودانية قيادة المرحلة الانتقالية بدون صراعات وانشقاقات، بشأن الاتفاقيات الموقّعة بين المكون المدني والمكون العسكري؛ الأمر الذي أدى إلى تعثر عملية الانتقال الديمقراطي، وفشل الاتفاق الإطاري، وعدم قدرة الحكومات المتعاقبة على الخروج من أزمات متتالية يشهدها الوضعان الاقتصادي والسياسي بالسودان. ذلك في الوقت الذي كان فيه السودان على مشارف مرحلة سياسية جديدة تتضمن خروج المكون العسكري من العملية السياسية، وتشكيل حكومة مدنية تدير فترة انتقالية لمدة عامين، تنتهي بإجراء انتخابات عامة في البلاد، وتسليم مقاليد السلطة لحكومة منتخبة، كانت ستعمل على إعادة تشكيل هياكل السلطة الانتقالية، ومحاولة حل الأزمة الاقتصادية، وتنفيذ اتفاق السلام، والاندماج في الاقتصاد العالمي.
وما زاد الوضعَ تعقيدًا هو انتقال حالة الانقسام السياسي والتشرذم الداخلي بين الطبقة السياسية إلى اقتتال بين أطراف المكون العسكري نفسه، في ظل محاولات الاستقطاب والسيطرة من كل طرف على الآخر. وما يزيد الأمور تعقيدًا هو احتمالية تفجُّر الوضع في دارفور، وما قد يسفر عنه من مأساة إنسانية جديدة، تضاف إلى المآسي التي شهدها السودان خلال العقود الماضية، والتي أدت إلى تفككه إلى دولتين، بإعلان استقلال دولة جنوب السودان؛ الأمر الذي قد يحدث مرة أخرى في حال انزلاق الوضع الجاري بين الجيش وقوات الدعم السريع إلى أمد طويل.
وعلى صعيد القارة الأفريقية، فإن الأزمة في السودان قد يكون لها بعض التداعيات الإقليمية، خاصة في منطقة القرن الأفريقي، إذ قد يمتد هذا الصراع إلى دول الجوار، التي بينها وبين السودان امتدادات طبيعية، وشبكة معقدة من المصالح والحدود المتنازع عليها. يضاف إلى ذلك التداعيات الإنسانية المحتملة في حال امتداد المعارك إلى داخل المدن الرئيسية في البلاد، الأمر الذي قد ينذر بعمليات تهجير أو لجوء السكان إلى دول الجوار من أجل النجاة من مخاطر الاشتباكات الجارية؛ ما قد يشكل عبئًا إضافيًا على دول الجوار التي تعاني بالفعل أزمات اقتصادية طاحنة.
أما على الصعيد الدولي، فإن البيئة الدولية الآن في غني عن المزيد من الصراعات، خاصة في ظل استمرار الحرب الروسية الأوكرانية، وتصاعد الصراع بين القوى الكبرى في منطقة بحر الصين الجنوبي، ومنطقة جنوب شرق آسيا، وتفجُّر الأزمات الطبيعية مثل الكوارث والزلازل التي خلفت وراءها مئات الآلاف من المفقودين، ومليارات الدولارات من الخسائر الاقتصادية.
وبناء على هذه المعطيات، فإن هناك ضرورة دولية ملحة لسرعة التحرك من قبل الفاعلين الدوليين النافذين لدى طرفي الأزمة لوأد الفتنة بين الفُرقاء في المكون العسكري السوداني لتجنب مخاطر قد تهدد العالم بأسره وليس فقط الشعب السوداني، الذي يتطلع إلى استكمال عملية الانتقال الديمقراطي، وتوحيد قواته المسلحة، والبدء في عملية تنموية للخروج من الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي ضربت البلاد – ومازالت – منذ عدة سنوات.