عمليات تقدير درجات الخطر الإرهابي تتطلب النظر إلى خارطتين رئيسيتين بكل ما تحملانه من تفاصيل دقيقة ومعطيات كمية وكيفية

الصومال والحاجة إلى انخراط دولي فاعل لمواجهة الإرهاب

الرئيسية مقالات
مركز تريندز للبحوث والاستشارات

اتجاهات مستقبلية
الصومال والحاجة إلى انخراط دولي فاعل لمواجهة الإرهاب

 

 

تتطلب عمليات تقدير درجات الخطر الإرهابي النظر إلى خارطتين رئيسيتين بكل ما تحملانه من تفاصيل دقيقة ومعطيات كمية وكيفية، ألا وهما؛ خريطة الانتشار الجغرافي للإرهاب، من حيث البؤر الإرهابية الأكثر سخونة والدول التي يضربها الإرهاب أكثر من غيرها. ثم خريطة التنظيمات الإرهابية من حيث عددها ومستوى نشاطها، ومدى تأثير هجماتها على المجتمعات المحلية، وأيضًا على الصعيد الدولي؛ في حال التنظيمات التي يتمدد نشاطها إلى خارج بيئتها المحلية.
التدقيق في محصلة هاتين الخريطتين على مستوى العالم يشي بأن الصومال كان ولا يزال من أكثر الدول التي تعاني خطر الإرهاب. والمفارقة أن هذا البلد الذي يتميز بموقعه الجغرافي الفائق الأهمية لم يخرج طيلة العقد الأخير، على الأقل، من قائمة الدول العشر الأكثر تأثرًا بالإرهاب على مستوى العالم. بل الأنكى أنه لم يغادر قائمة الدول الخمس الأولى على مستوى العالم طيلة السنوات الثلاث الأخيرة باستثناءات نادرة سجلتها بعض شهور هذه السنوات الثلاث، حيث خرج فيها البلد من تلك القائمة ليحتل المركز السادس عالميًّا. وتعود تلك المأساة في معظمها إلى نشاط حركة الشباب التي تعد من أعتى فروع شبكة القاعدة الدولية وأكثرها فتكًا وخطورة.
فعلى سبيل المثال في عام 2022، تمددت تلك الحركة الإرهابية نحو مساحات شاسعة من جنوب الصومال ووسطه، ونفذت فيه بعض أسوأ هجماتها على امتداد تاريخها، حتى أن مناطق إقليم شرق ووسط إفريقيا احتلت في ذلك العام المركز الأول عالميًّا من حيث ضحايا الإرهاب. وكانت الحركة وحدها مسؤولة عن (297) هجومًا إرهابيًّا في 2022، لتحتل بذلك المركز الثالث عالميًّا داخل قائمة التنظيمات الأكثر نشاطًا والتي تضم نحو 57 تنظيمًا على مستوى العالم. وبرغم أن الإرهاب ضرب نحو 9 دول من دول شرق ووسط إفريقيا في 2022، فإن الصومال حازت نصيب الأسد، حيث شهدت أراضيها ما يقترب من 40% من الهجمات الإرهابية التي شهدها الإقليم.
الأخطر من ذلك كله ما أشار إليه معهد الأبحاث السويسري؛ “المبادرة العالمية لمكافحة الجريمة العابرة للحدود الوطنية” عن حركة الشباب، إذ ذكر في تقرير له قبل نحو عام، أن الحركة أنشأت نظام تمويل متطور جعلها الفرع الأغنى والأكبر والأكثر فتكًا للقاعدة، وذلك من خلال إنشاء آلية فاعلة للغاية لتحصيل الضرائب تقوم على تغلغل عميق في المجتمع الصومالي، إذ يجري الاختراق على مستويات عدة؛ مستوى المجتمع المدني والخدمات المدنية التي تقدمها “حركة الشباب” للسكان، ومن خلال الآليات الأمنية التي أنشأتها المنظمة، ومن خلال اختراق التركيبة القبلية للمجتمع.
بل إن الحادث الأخير الذي راح ضحيته شهداء الوطن والواجب من أبناء الإمارات يسلط الضوء على الأساليب المتطورة التي تستخدمها حركة الشباب لاختراق قوات الأمن الصومالية. وحقيقة أن المهاجم كان عضوًا في الكتيبة 28، وهي وحدة دُرّبت مؤخرًا في أوغندا، تزيد من تعقيد الرواية، وتسلط الضوء على نقطة الضعف الحرجة في استراتيجية مكافحة الإرهاب، حيث يوجد العدو في الداخل.
ويُعدّ ذلك كله تذكيرًا صارخًا بالمخاطر التي تواجهها القوات الدولية المتعاونة في المناطق التي مزقتها الصراعات، ويؤكد الحاجة إلى تكاتف دولي وانخراط أممي أكثر فاعلية من أجل صياغة استجابة منسقة واستراتيجية أكثر نجاعة لمواجهة الإرهاب ليس في الصومال وحدها، ولكن في جميع مناطق العالم التي تعاني وطأة جرائم الإرهاب وتنظيماته.


تعليقات الموقع