صعود اليمين المتشدد مجدداً للمشهد السياسي الأوروبي، وخاصة فرنسا، واقترابه لأول مرة في تاريخه من سدة الحكم يعكس التحول المتزايد في مزاج الناخب الأوروبي في اتجاه أيديولوجيات اليمين المتشدد

صعود اليمين المتشدد مجدداً في أوروبا.. كيف سَتُحكَم أوروبا؟

الرئيسية مقالات
مركز تريندز للبحوث والاستشارات

اتجاهات مستقبلية

 

صعود اليمين المتشدد مجدداً في أوروبا.. كيف سَتُحكَم أوروبا؟

 

 

 

 

 

 

 

فاز اليمين المتشدد في الانتخابات الأوروبية التي جرت في يونيو الماضي في دول ألمانيا واليونان وبولندا وإسبانيا وبدرجة أقل المجر، إذ صوت مئات الملايين من الأوروبيين في النصف الأول منه لاختيار 720 عضوًا في البرلمان الأوروبي، وأسفرت النتائج الصادمة لليمين المتشدد عن ردود أفعال سياسية واسعة من منافسيه، فأعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الدعوة إلى إجراء انتخابات برلمانية مبكرة في فرنسا في الفترة من 30 يونيو وحتى 7 يوليو الجاري، لتُعلن مارين لوبان، زعيمة حزب “التجمع الوطني” اليميني المتشدد عن استعداداها لتولي السلطة في فرنسا.. إذا منحها الفرنسيون ثقتهم.

وقد شهدت خريطة الانتخابات الأوروبية – ويبدو أن الفرنسية تتجه لمحاكاتها في ضوء نتائج الجولة الأولى منها – تحولات معتبرة بفعل تلك الانتخابات؛ أهمها عودة اليمين المتشدد بصورة أكثر تأثيرًا عن ذي قبل، إذ هزم حزب التجمع الوطني اليميني المتشدد في فرنسا تحالف ماكرون، كما زادت حصة مجموعة حزب الشعب الأوروبي اليمينية التي تعد الكتلة الكبرى في البرلمان الأوروبي بـ13 مقعدًا أكثر مقارنة بعام 2019، حيث حصلت على 184 مقارنة بـ 177 مقعدًا في 2019، ومن أهم تلك التحولات التي شهدتها الانتخابات هو سوء أداء حزب الخضر في النمسا وألمانيا بصورة أكثر مما كان متوقعًا لها، إذ خسر 20 مقعدًا مقارنة بعام 2019، وحصل على 52 مقعدًا بعد أن كان له 72 مقعدًا، وهو ما قد يلقي بظلاله على انحسار هذا التيار إقليميًا، والتفات الناخبين بعيدًا عنه لصالح التوجُّهات المتشددة أيديولوجيًّا، وانعكاسات ذلك على تراجع البُعد البيئي في السياسة.

وقد انعكست النتائج الأوروبية بوضوح على الانتخابات الفرنسية، التي فاز في جولتها الأولى حزب مارين لوبان اليميني المتشدد كما كان متوقعًا، وحل تحالف اليسار ثانيًا، أما ائتلاف ماكرون فجاء ثالثًا، ولكن التساؤل الأهم الذي يثيره فوز لوبان حول مدى إمكانية تأمين لوبان الأغلبية المطلقة التي يمكن أن تدفع حزبها لقيادة السياسة الفرنسية للمرة الأولى في تاريخ الجمهورية الخامسة للسنوات الخمس المقبلة، وانعكاسات ذلك على السياسة الأوروبية الداخلية والخارجية، خاصة في ظل ما أثارته فترتا ماكرون من احتجاجات واسعة ضد سياساته في عدد من القضايا الداخلية في الأساس؛ كقانون رفع سن التقاعد، والبطالة، وغلاء المعيشة، والتغير المناخي، وأزمة المزارعين، وخاصة في ضوء أن توجهات اليمين المتشدد مغايرة بصورة جلية في تلك القضايا، وعلى وجه الخصوص قضايا الهجرة والسياسة الاقتصادية الاجتماعية.

في النهاية، إن صعود اليمين المتشدد مجددًا للمشهد السياسي الأوروبي، وخاصة فرنسا، واقترابه لأول مرة في تاريخه من سدة الحكم يعكس التحول المتزايد في مزاج الناخب الأوروبي في اتجاه أيديولوجيات اليمين المتشدد، والتي يمكن تفسيرها بفعل قضايا خارجية في الأساس، كملفات الهجرة واللاجئين وتنامي الجاليات المهاجرة، إلا أنها في الأساس تستهدف حماية الداخل الأوروبي في مواجهة تلك الموجات التفكيكية “للهوية الأوروبية” و”الفرنسية” بحسب رؤيته، وهو ما يقود المجتمعات الأوروبية نحو اتساع الهوة السياسية وانعكاسات ذلك على انتعاش متشددي الفكر، واتجاه المواطن الأوروبي للاحتماء القومي من نِصَالِ العولمة.

 


تعليقات الموقع