منطق الحوار والتفاوض هو نهج الإمارات منذ تأسيس دولة الاتحاد بل إن سلوكها السياسي يعبر عن هذا المنطق من خلال مشاركاتها المتعددة في المؤتمرات لحل النزاعات المسلحة

الإمارات.. ومنطق الحوار لحل الخلافات

الرئيسية مقالات
محمد خلفان الصوافي:كاتب إماراتي

 

الإمارات.. ومنطق الحوار لحل الخلافات

 

 

 

يتم تعليم طلبة العلوم السياسية في الجامعات بأن هدف النظريات السياسية التي يضعها فلاسفة العلوم الاجتماعية على مدى التاريخ وبمختلف معتقداتهم السياسية والدينية أنها لا تخرج عن هدفين اثنين، الهدف الأول، إما تغيير الواقع الذي يعيشه الفيلسوف أو المفكر لأنه لا يمكن أن يتخيل واقعاً غير موجود ويجعله يمارس التنظير فيه أو وضع أفكاره، أما الهدف الثاني: هو المحافظة على الواقع الذي يتواجد فيه الفيلسوف وفي كلا الهدفين لا بد من دراسة وتقييم الواقع وفق معايير محددة ينطلق منها المفكر أو المنظر كي لا يكون طرحه خيالي.

وبما أن التغيير وفق النظريات التطويرية سواءً على المستوى الفردي أو الوطني أو الدولي هو: الثابت الوحيد في كل المراحل التاريخية، وبما أن حديثنا هنا ملتزم على التغيير في الجانب الدولي فإن هناك وسيلتين اثنين فقط للتغيير، هما:

الوسيلة الأولى: التغيير السلمي، بمعنى أن هناك قيادات تؤمن بوجود الخلافات كما تؤمن أيضاً بوجود اختلاف في وجهات النظر، ولكنها تعتقد أن أفضل وسيلة لمعالجة كل الخلافات يكمن في الحوار والتفاوض والطرق الدبلوماسية، وهذا الإيمان أو الاعتقاد مبني على أن كل التجارب الصراعية التي مرت على البشرية كانت تُختم بالتفاوض والحوار، كما أن هذا الإيمان مبني على النتائج الكارثية التي تتركها الوسائل غير السلمية على الأمن والاستقرار الوطني والدولي وبالتالي لا يريدون تكرار المآسي الإنسانية.

منطق الحوار والتفاوض هو نهج دولة الإمارات العربية المتحدة منذ تأسيس دولة الاتحاد، وهذا هو خطابها السياسي الذي تردده في كل المحافل الدولية وعلى رأسها الجمعية العامة للأمم المتحدة، بل إن سلوكها السياسي يعبر عن هذا المنطق من خلال مشاركاتها المتعددة في المؤتمرات التي تعقد لحل النزاعات المسلحة وكان آخرها المؤتمر الذي عقد في القاهرة خلال شهر يوليو الماضي لحل الأزمة السودانية، كما أن مثال آخر حدث في بدايات الشهر الماضي وهو نجاح وساطتها في تبادل الأسرى بين روسيا وأوكرانيا وهذا دليل على ثقة المجتمع الدولي بنهج الإمارات.

الوسيلة الثانية للتغير: العنف، وتعتبر الحرب هي أخطر أنواع العنف خاصة عندما يكون النزاع أو الخلاف على مستوى غير دولي (حروب أهلية) وهذا النوع من الحروب هو تقريباً الأكثر بروزاً وانتشاراً في وقتنا الحاضر إذا استثنينا الحرب الروسية-الأوكرانية وإذا اعتبرنا أنا ما تقوم به إسرائيل على غزة هي حرب بين دولتين ومع ذلك تبقى الحرب كنهج هي الوسيلة الأخطر والأكثر تدميراً للمجتمعات الإنسانية، لذا نجد كل المواثيق والعهود الدولية تدعو إلى الابتعاد عن وسائل العنف في حل النزاعات والخلافات السياسية.

النقطة المهمة هنا أنه لا بد من استخلاص العبر والدروس من التجارب الإنسانية الماضية خاصة الحربين العالميتين أو الحروب الأخرى مثل حرب للدول التي كانت تابعة ليوغسلافيا (1991-2001) والحرب الأهلية في رواندا (1990-1993) كي لا يتم تكرار الحماقات والأخطاء، أما عن مناسبة طرح هذه الفكرة أنه رغم كل المحاولات الدولية لتهدئة المنطقة نجد أن هناك لغة تصعيد بين إسرائيل و”حزب الله” اللبناني تشير إلى احتمالية نشوب حرب لن تقتصر على الطرفين نتيجة لتداخل الملفات السياسية في المنطقة، فما يحدث في عالمنا وكأننا في فترة ما قبل القرن العشرين الذي شهد العديد من المحاولات الإنسانية لتقليل سياسات الكراهية والعنف والفوضى التي لم يشهدها عالمنا من قبل.

بالعودة إلى منطلقات النظرية السياسية في العلاقات الدولية بأن المنطلق الأساسي لأي قرار للتغير هو الواقع الذي يعيش فيه الفيلسوف أو المنظر عالم خيالي أو ما يعرف بـ(العالم الميتافيزيقي) فإن قراراته نجدها غير معنية بما يحدث في الواقع. أفضل مثال لما نقوله إن المجزرة الإنسانية ضد “أهل غزة” يعتبرها البعض أنه هي ثمن يقدمها للتحرر من الاحتلال الإسرائيلي. أما إذا كان منطق هذا التغير هو الواقع فإن الأزمات في الشرق الأوسط (المعقدة) تحتاج إلى التفكير في التأثيرات السلبية والكوارث على الإنسان في هذه المنطقة.

التفسير الحقيقي لرافضي الوساطات التي تقوم بها بعض الدول مثل: مصر والإمارات، التباس الحقيقة لدى البعض من صناع القرار السياسي، ودليل على عدم الاعتراف بالواقع السياسي الذي يكمن في النتائج الكارثية.


تعليقات الموقع