يستخدم المهاجمون تقنيات متقدمة في تنفيذ أهدافهم الخبيثة لاختراق الأنظمة الرقمية استغلالًا لنقاط الضعف في البرامج والأجهزة والسلوك البشري

الحماية السيبرانية للأصول الاقتصادية

الرئيسية مقالات
مركز تريندز للبحوث والاستشارات

اتجاهات مستقبلية

 

الحماية السيبرانية للأصول الاقتصادية

 

 

 

 

 

تجتذبنا التكنولوجيا كل يوم أكثر مما مضى حتى باتت شريكة في إدارة أعمالنا وحياتنا، وسط عالم رقمي يتطور بسرعة، وتطبيقات تكنولوجية تمنحنا المزيد من القدرة على تسيير أمور الحياة بشكل أفضل، في ظل ثورة رقمية وضعت الإنسان أمام تطورات كبيرة في الوعي والسلوك بفعل تحولات العالم الرقمي.

ونتيجة للتقدم في إدارة وتخزين البيانات، وإدراكًا لقيمة المعلومات مع توليد كميات هائلة من البيانات يوميًّا من مصادر متنوعة والسباق على البيانات، أضحت الأصول الاقتصادية أكثر عرضة للهجمات السيبرانية، ولاسيّما مع اعتماد الحكومات والشركات والأفراد على التكنولوجيا؛ ما جعلها هدفًا للقراصنة، وبالتالي الحاجة إلى الأمن السيبراني للحماية.

وبتسارع وتيرة التهديدات والهجمات الإلكترونية، لم تعُد الجرائم الإلكترونية تتعلق بقراصنة أفراد فقط، بل بات يقف وراء الهجمات مجموعات منظمة ومدربة تطور أساليب تستطيع بها اختراق المنظومات والوصول إلى أموال ضخمة من بين أهداف متعددة، ومن هنا ترتفع تكاليف أضرار تلك الجرائم في العالم، إذ تُقدر بنحو 10.5 تريليونات دولار سنويًّا بحلول 2025، أي أكثر من 3 أمثال التكلفة في 2015، المقدرة بـ3 تريليونات دولار.

ويستخدم المهاجمون تقنيات متقدمة في تنفيذ أهدافهم الخبيثة، مثل برامج الفدية والهندسة الاجتماعية والبرامج الضارة والتصيد الاحتيالي لاختراق الأنظمة الرقمية، استغلالًا لنقاط الضعف في البرامج والأجهزة والسلوك البشري، للاستيلاء على البيانات أو تعطيل الخدمات أو الابتزاز المالي، وما يزيد التحديات أن التهديدات السيبرانية لا تقتصر على صناعات محددة، وإن برزت الهجمات ضد المؤسسات المصرفية والمالية وشبكات الطاقة وأنظمة الرعاية الصحية وشبكات النقل والموانئ والأهداف العسكرية، وفي حال ترابط الهجوم بين قطاعات مختلفة في المنطقة الجغرافية نفسها، فإن تأثير الهجمات يتضاعف؛ ما يزيد من احتمالات الاضطرابات واسعة النطاق.

ولا تقف عواقب الهجمات السيبرانية على الأصول الاقتصادية عند الخسائر المالية المباشرة، وهي في حدّ ذاتها عظيمة، إذ قُدّر حجم الخسائر السنوية الناتجة عن الهجمات الإلكترونية عالميًّا بنحو 8.4 تريليونات دولار، في 2022، وهي نسبة أعلى 38% من عام 2021، المقدر بـ5.99 تريليونات دولار،  كما أن الهجمات تؤدي إلى اضطرابات في البنية التحتية الحيوية، وبالتالي تعطيل العمليات وتراجع الإنتاجية والإيرادات، إضافة إلى فقدان البيانات الحساسة والملكية الفكرية، واهتزاز ثقة العملاء؛ ما يعني أن التداعيات قد تطول، والانكماش في المؤسسة وارد، علاوة على المخاطر المتعلقة بالحصول على بيانات ومعلومات تمسّ الأمن القومي.

ولا يمكن لعالم اليوم الرجوع عن ثورة التكنولوجيا لما بها من فوائد عظيمة في كل مناحي الحياة، لكن كلما زاد الاعتماد على التقنيات الرقمية بالاقتصادات زاد احتمالات التعرض للهجمات الإلكترونية، وفي حين أن الحوادث السيبرانية واقعة لا محالة، فإن الحكومات والشركات، وحتى الأفراد، عليهم امتلاك قدرات الاستجابة والتعافي، وذلك بوضع استراتيجيات وأطر لإدارة الأزمات قبل وأثناء وبعد الهجوم السيبراني المحتمل، مع ضمان المراقبة والمرونة في تعديل السياسات، بما يحقق فعاليتها، ويكشف عن نقاط الضعف.

إن تطوير قدرات الدفاع السيبرانية تتطلب تحديث البنية التحتية الأمنية، والتعاون مع شبكة تحالفات دولية لصد الهجمات وتبادل المعلومات، لتفادي الخسائر المؤثرة على الاقتصادات الوطنية وعلى العالم، مع وجود تشريعات تنظم استخدام التكنولوجيا وتعظم من قدرات الأمن السيبراني، والتوسع في استثمار الدول والشركات في أنظمة حمائية للأصول المالية والاقتصادية، بنهج بحثي ابتكاري يعتمد على دراسة الحالات السابقة وتوقع الحوادث عبر الذكاء الاصطناعي وأنظمة إنذار المبكر، لتطوير آليات الدفاع المتقدمة.

إن الأمن السيبراني يرتبط عضويًّا بالتنمية المستدامة والنمو الشامل، إذ إن الفشل في الحماية المعلوماتية يهدد التنمية بأبعادها المختلفة، خاصة أن هناك أكثر 5 مليارات شخص حول العالم يستخدمون الإنترنت، ولذا فإن الوعي بالأمن السيبراني مسؤولية مشتركة تمتد إلى الأفراد، فهم خط الدفاع الأول ضد الهجمات وأضعف حلقة في سلسلة الأمن الإلكتروني، وغالبًا ما يقعون صيدًا سهلًا للقراصنة؛ ما يتطلب التدريب ونشر ثقافة الحماية الإلكترونية في المجتمعات، لأن المخاوف تتزايد والخطورة تتعاظم باعتبارها عابرة للحدود وقليلة التكلفة على المهاجم؛ إن ارتبطت بكيانات أو دول، ولاسيّما أنها تستهدف القطاعات المهمة في الدول، وقادرة على إلحاق الضرر؛ لذا علينا الاستعداد والاستجابة للحوادث للتقليل من تأثير الهجمات السيبرانية.


تعليقات الموقع