اتجاهات مستقبلية
معضلة النمو والديون الأفريقية
زادت الدول الأفريقية خلال العقدين الماضيين من الاقتراض دون النجاح في تحقيق النمو المرتفع، حتى أضحت أقساط خدمة الديون تضغط على الميزانيات، مع تراجع قيم العملات المحلية والاحتياطيات من النقد الأجنبي، بفعل تكاليف خدمة الديون البالغة 100 مليار دولار سنويًّا، والضغوط التضخمية، وزيادة تكاليف المعيشة في قارة يعيش فيها 1.4 مليار نسمة، أكثر من ربعهم تحت خط الفقر.
وعلى الرغم من تمتع معظم بلدان القارة بموارد طبيعية ضخمة، تضغط الديون الخارجية على الاقتصادات الأفريقية، حيث لم تستطِع الدول الاستغلال الأمثل لتلك الموارد، مع الضغوط الدولية والتوترات الجيوسياسية وتشديد السياسات النقدية وارتفاع أسعار الفائدة والزيادة الكبيرة في تكلفة المخاطر، وهي أزمة لا تبتعد عن التنافس الدولي في الاستثمار والإقراض بين الدول الغربية والصين؛ ما يؤثر على عملية إعادة هيكلة ديون بلدان القارة السمراء، ولاسيّما أن القروض الصينية للدول الأفريقية تصل إلى 250 مليار دولار.
وتُقدَّر ديون الدول الأفريقية في عام 2022، بنحو 1.8 تريليون دولار؛ أي أنها تضاعفت خمس مرات منذ عام 2000، وتخشى 22 دولة من أصل 54 من خطر ضائقة الديون، منها من تعثر بالفعل وعجز عن سداد التزاماته، ونتيجة لذلك أضحت ظواهر عدم الاستقرار المالي مرتبطة بالاقتصادات الإفريقية، ولمعالجة هذه المعضلة تحتاج الدول الإفريقية إلى استراتيجية لإدارة الاقتراض غير المستدام.
ومن بين المشكلات في بلدان أفريقية عدة، صعوبة جذب الاستثمارات الخارجية، مع ارتفاع أسعار الفائدة في الولايات المتحدة واندفاع المستثمرين إلى سندات الخزانة الأمريكية، ومع عدم قدرة الدول في قارة أفريقيا على تحقيق معدلات نمو مرتفعة، يزيد معدل العجز في معظم الموازنات، وهو ما ينعكس على أسعار الصرف، لكن ديون القارة الأفريقية الخارجية من أهم أسباب عرقلة إمكانات نموها الهائلة، ومن الضروري معالجة القضايا الهيكلية وسط الضغوط المالية التي تواجهها الدول الأفريقية.
ومن الصعب أن تنمو معظم اقتصادات أفريقيا بالسرعة الكافية لمواكبة النمو السكاني السريع للغاية، والضغوط المرتبطة بالطلب على التعليم والرعاية الصحية والخدمات الأساسية، في وقت يتوقع أن ينمو عدد سكان أفريقيا من 1.4 مليار نسمة إلى 3.3 مليارات نسمة بحلول عام 2075؛ أي أن أزمات الديون قد تتسبّب في عدم الاستقرار السياسي، والجنوح نحو الهجرة.
وتعود المديونية الاقتصادية في أفريقيا إلى تاريخ طويل، غير أن الأمر تفاقم عقِب الأزمة المالية العالمية 2008، وخفض البلدان الكبرى أسعار الفائدة، وسهولة وصول الأفارقة إلى الأسواق المالية، ولاسيّما أن كثيرًا من الدول النامية كانت في حاجة ماسّة إلى ضخ الأموال في اقتصاداتها، لكن المؤشرات الحالية تجبر كثيرًا من الدول على طريق إعادة هيكلة الديون لإعادة الاقتصاد إلى مساره، وهي عملية ضرورية مع الضغوط من خدمة الدين الخارجي على البلدان ذات الاستدانة العالية، مثل جنوب أفريقيا وأنغولا والسودان ونيجيريا وغانا وزامبيا وزيمبابوي وكينيا وإثيوبيا ومصر.
إن مشكلة الديون قضية معقدة تتطلب من الدول الأفريقية التحكم في مصيرها الاقتصادي بتقليل الاعتماد على القروض، وعدم وضع الديون في إطار تنافس دولي تتحمل نتائجه القارة، والاستثمار في المجتمعات المحلية والبنية التحتية الرقمية وخلق فرص عمل تواكب تطورات الزيادة السكانية، وتحقيق النمو عبر سياسات تنفّذ إصلاحات لإعادة الهيكلة بالدخول في محادثات مع الدائنين والوسطاء، مع ترشيد الإنفاق الحكومي، وحوكمة الاقتصاد، والشراكة بين القطاع الخاص والعام.
وللخروج من معضلة النمو، وتحقيق التنمية المستدامة هناك حاجة إلى استثمارات ضخمة لاقتصادات إفريقيا، خاصة في مَرافق البنية التحتية ورأس المال البشري والتكيف مع تغير المناخ، لكن قدرة الحكومات في بلدان أفريقيا على تدبير الإيرادات من الأسواق المحلية محدودة، والجانب المتفائل أن دول أفريقيا لديها فرص واعدة في تعميق شركاتها الاقتصادية والتجارية والاستثمارية مع دول العالم، والحافز هو سرعة نمو الأعمال في بلدان أفريقيا، ووجود احتياطيات طاقية هائلة وموارد زراعية تمثل ركيزة مهمة لأمن غذاء العالم.
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.