توقّع تقرير أممي سابق وصول عدد سكان العالم إلى 8.6 مليارات نسمة عام 2030، وإلى 9.8 مليارات نسمة في عام 2050، و11.2 مليار نسمة في عام 2100، إذ يزيد عدد سكان العالم بنحو 83 مليون شخص كل عام، وبمقاربة المؤشرات الراهنة للنمو السكاني وتلوث البيئة وتدهور الموارد الطبيعية، وغيرها من الإحصاءات ذات الصلة يتجه المشهد العالمي نحو التأزم، فقد انخفض معدل التوسع في الأراضي الزراعية من 1% سنويًّا في أثناء الخمسينيات من القرن العشرين، إلى 0.3% بحلول السبعينيات، إلى التوقف تمامًا بحلول عام 1990، كما تراجع نصيب الفرد من الموارد المائية العذبة الداخلية المتجددة عالميًّا بوتيرة سريعة، فانخفض من 13632 مترًا مكعبًا عام 1961، إلى 5499 مترًا مكعبًا عالميًّا في عام 2020 وفقًا لمنظمة الأغذية والزراعة بالأمم المتحدة “الفاو”، وهو ما يفرض ضغوطًا شديدة على القطاع الزراعي عالميًّا بصفة عامة، وتحديات الاستدامة الزراعية بصفة خاصة، ويدفع نحو البحث عن أساليب زراعية أكثر استدامة تحقق الأمن الغذائي، فالزراعة؛ أكثر من أي قطاع آخر، هي الخيط المشترك الذي يربط أهداف التنمية المستدامة السبعة عشر معًا.
وتتباين الاتجاهات العالمية والخبرات الدولية حول بناء الصلة بين الزراعة والأمن الغذائي من ناحية، والتنمية المستدامة من ناحية أخرى، وذلك على الرغم من الاتفاق الواسع على أهمية هذه الصلة؛ إذ تختلف مسارات الزراعة المستدامة من حالة إلى أخرى، وإن سعى الممارسون لدمج ثلاثة أهداف رئيسية لبناء تلك الصلة، وهي “بيئة صحية، وربحية اقتصادية، ومساواة اجتماعية واقتصادية”، كما تتسع فئات أصحاب المصلحة المنخرطين في تحقيق الزراعة المستدامة، والممارسين لأدوار في ضمان نظام زراعي مستدام لتشمل المزارعين، ومصنّعي الأغذية، والموزعين، وتجار التجزئة، والمستهلكين، ومديري النفايات.
وتتباين ممارسات العاملين في الزراعة المستدامة حول العالم وفقًا لخصوصية بيئاتهم وأولوية احتياجاتهم، فتتراوح أساليبهم للاستدامة الزراعية بين تعزيز صحة التربة ومنع التآكل، والإدارة الرشيدة للمياه، وخفض مستويات تلوث الهواء والماء بالمزارع، وتعزيز تخزين الكربون فيها، وزيادة القدرة على الصمود في مواجهة الطقس القاسي، وتعزيز التنوع البيولوجي، أو تعزيز زراعة الأطعمة القائمة على قيم الاستدامة وتسويقها، ورفع مستوى رفاهية عمال المزارع، ودعم المزارع الصديقة للبيئة، وتعزيز شراء الغذاء المستدام على المستوى المؤسسي، ومساندة ممارسات الإدارة المستدامة لما بعد الحصاد.
وعليه فإن الاستدامة الزراعية تتطلب جهودًا متقاطعة تجمع بين علوم الأحياء والاقتصاد والهندسة والكيمياء وتنمية المجتمع وغيرها من التخصصات، فهي تتجاوز الممارسات البسيطة إلى عملية تفاوض معقدة بين المصالح المتنافسة للمنخرطين فيها وصولًا إلى بناء تفاهم شامل حول الزراعة المستدامة.
إن النظام الزراعي المستدام اقتصاديًّا واجتماعيًّا هو نظام يُمكّن المزارع بجميع أحجامها من تحقيق الربح والإسهام في الاقتصاد المحلي، كما يدعم العدالة المستدامة بين الأجيال الحالية والقادمة، ويُعزز المساواة والعدالة العرقية، ويخلق إمكانية الوصول إلى الغذاء الصحي للجميع، ويُعطي الأولوية للناس والمجتمعات على مصالح الشركات، وهو ما حدا بدولة الإمارات إلى اتخاذ خطوات مؤسسية متسارعة في اتجاه الزراعة المستدامة، تجسدت في البرنامج الوطني “ازرع الإمارات” الذي أطلقه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، وهي المبادرة التي لاقت دعمًا كاملًا من منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة “الفاو”، وهدفت إلى تعزيز التنمية الزراعية وتحسين الأمن الغذائي في جميع أنحاء البلاد، ويعكس البرنامج إرث المغفور له، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، من خلال تعزيز ثقافة الزراعة في المنازل والمدارس، وصولًا إلى نهج مستقبلي يُشرك الأجيال الشابة في ممارسات مستدامة لضمان مستقبل غذائي آمن للجميع.
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.