اتجاهات مستقبلية   

مجالس المستقبل العالمية: تعزيز الجاهزية للمستقبل

الرئيسية مقالات
مركز تريندز للبحوث والاستشارات

 

 

 

تتسارع تغيرات البيئة العالمية بصورة قد تفوق قدرات البعض على مواكبتها، وهو ما يتطلب تعزيز الجاهزية للمستقبل عبر سبل وآليات استشرافية مدروسة ومتوافق عليها دوليًّا بين الشركاء.

واتساقًا مع ذلك يُعقد اليوم في دبي الاجتماع السنوي لمجالس المستقبل العالمية 2024، وهو الاجتماع الذي تُنظمه حكومة دولة الإمارات بالشراكة مع المنتدى الاقتصادي العالمي، ويستمر الاجتماع حتى 17 أكتوبر الجاري، وذلك بمشاركة أكثر من 500 من المسؤولين الحكوميين والخبراء والمتخصصين والمفكرين ومستشرفي المستقبل، من 80 دولة حول العالم، ويتكون جدول أعمال المجلس من ثلاثين مجلسًا فرعيًّا يستشرف الفرص المستقبلية في خمسة مجالات رئيسية؛ تشمل التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، والبيئة والمناخ، والحوكمة، والاقتصاد والمالية، والمجتمع.

ولكن ما هي الأهمية العالمية لهذا الاجتماع؟ وهل نحن في حاجة ماسة إلى مثل هذه النوعية من الاجتماعات العالمية حول المستقبل؟

في تقرير أممي صادر عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة في مارس 2024 بعنوان “تقرير توقعات الموارد العالمية لعام 2024” تحدث التقرير عما سمّاه “الأزمة الكوكبية الثلاثية” وهي أزمة تتجاوز حدود العالم المأهول أو غير المأهول إلى أزمة تهدد كوكب الأرض ذاته، وتتكون الأزمة الكوكبية الثلاثية من ثلاثة ملامح رئيسية هي: “تغير المناخ”، و”فقدان التنوع البيولوجي”، و”التلوث والنفايات”، إذ يستهلك الاقتصاد العالمي المزيد من الموارد الطبيعية، في حين أن العالم لا يسير على المسار الصحيح لتحقيق أهداف التنمية المستدامة وفقًا للتقرير، ويُشير التقرير المذكور إلى أنه يُتوقع أن يتزايد الطلب على الموارد في العقود القادمة، وهذا يعني أنه من دون اتخاذ إجراءات عاجلة ومتضافرة، قد يرتفع استخدام الموارد بحلول عام 2060 بنسبة 60% عن مستويات عام 2020- ما يؤدي إلى زيادة الأضرار والمخاطر، وقد سبق ذلك التقرير العالمي للأمم المتحدة عن تنمية الموارد المائية الصادر في 22 مارس 2020، والذي يُشير إلى أن 2.2 مليار نسمة في الوقت الحاضر لا يحظون بخدمات مياه الشرب المدارة بطريقة مأمونة، كما لا يحظى 4.2 مليار نسمة، أي ما يُعادل 55% من سكان العالم، بخدمات الصرف الصحي المدارة بطريقة مأمونة، وهي التحديات المستقبلية التي تتطلب اتخاذ إجراءات سياسية جريئة وعاجلة للتخلص التدريجي من الأنشطة غير المستدامة، وتسريع الطرق المسؤولة والمبتكرة لتلبية الاحتياجات.

ولكن هل المستقبل يدور حول الأزمة الكوكبية الثلاثية المُشار إليها فقط؟ الإجابة بقلق؛ لا، إذ تُغلف الأزمة الكوكبية الثلاثية أخرى تكنولوجية مركبة وعميقة التأثير ولا يُعلم على وجه الدقة حدود تحولاتها المستقبلية بعد، تتمثل بعض ملامحها في فقدان الوظائف وخلق أخرى جديدة، إذ تُشير التقارير الدولية أنه بحلول عام 2025 قد يؤدي الذكاء الاصطناعي إلى فقدان 85 مليون وظيفة، لكنه سيخلق في المقابل 97 مليون وظيفة جديدة، ما يعني زيادة صافية قدرها 12 مليون وظيفة، وهو ما يعكس التأثير المزدوج في خلق فرص عمل جديدة واستبدال الأدوار التقليدية، وما يخلقه ذلك من تحديات التدريب المهني التحويلي، وتأثيراته الاجتماعية، أما عن التأثير الاقتصادي للذكاء الاصطناعي في المستقبل المنظور، فيُتوقع أن يُسهم بنحو 15.7 تريليون دولار في الاقتصاد العالمي بحلول عام 2030، وهو ما يُشير إلى دوره الحاسم في تحول الصناعات، ولكنه من ناحية أخرى قد يؤدي إلى تعميق الفجوة الاقتصادية بين الدول أو القطاعات التي تتأخر في تبنّيه، ويتمخض عن هذه التحديات المذكورة أن أكثر من 55% من الناس يشعرون بالقلق تجاه تأثير الذكاء الاصطناعي على حياتهم، مع تزايد القلق حول أمن الوظائف وخصوصية البيانات، وذلك وفقًا لتقرير جامعة ستانفورد العاشر عن مؤشر الذكاء الاصطناعي، الذي استند إلى معلومات من استطلاع رأي أجرته شركة إيبسوس خلال العام الماضي.

وعليه فإن عقد مجالس المستقبل العالمية يقع على عاتقها عبء ترسيخ فهم دولي مشترك للتغيرات المستقبلية في مختلف القطاعات الحيوية للمجتمعات، وصولًا إلى تعزيز التعاون وبناء التوجهات المشتركة لمواكبتها، وبحث آليات يمكن للحكومات تبنيها لإدارة المستقبل.


تعليقات الموقع