بات يُنظر إلى الإمارات كدولة محورية في تقريب وجهات النظر بين المتنافسين والمتصارعين واكتسبت ثقة الجميع الدولي

الإمارات والطريق الثالث في العلاقات الدولية

الرئيسية مقالات
محمد خلفان الصوافي:كاتب إماراتي

الإمارات والطريق الثالث في العلاقات الدولية

 

 

أضاف أحد القراء على مقالي الأخير في موقع “العين الإخبارية” في منصة “إكس” تويتر سابقاً بتعليقه حول مدى أهمية وجود دولة الإمارات في “بريكس” بعد إعلان انضمامها إلى هذا التجمع في قمة قازان بموسكو بعض الأفكار المهمة في الموضوع نفسه.
وجاءت المداخلة في نقطتين اثنتين. النقطة الأولى: بأن مجرد وجود قائد بحجم صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة “حفظه الله” الذي يتمتع بـ”كاريزما” سياسية دولية كبيرة في التجمع إنما يعطي ثقة لمؤسسي التكتل بأن هذا الكيان قابل للنجاح والاستمرارية في تحقيق هدفه، لأن سموه يُشعر شركاءه بالثقة والاطمئنان لأي مشروع أو مبادرة وهذا الاعتقاد مبني على وقائع وأفعال أكدتها ممارسات واقعية في العديد من المواقف الاستراتيجية يدركها الكثيرين.
والنقطة الثانية التي جاءت في التعليق: أن طريق أعضاء “بريكس” مليء بالتحديات والصعوبات المجهولة، وفي هذه النقطة الكثير يمكن قوله من منطلق أن كل التجارب الجديدة معرضة للتحديات، ولكن الأمر يعتمد على مدى إيمان أصحابها بالفكرة وأظن دولة الإمارات خير مثال لمواجهة التحديات منذ نشأتها حتى بدت واحدة من القوى المؤثرة في النظام الدولي، فما بالك وتجمع “بريكس” يمثل فكرة جديدة تأتي لمواجهة نظام اقتصادي عالمي مسيطر وبالتالي من الطبيعي ألا يقبل الطرف المسيطر بظهور منافس وهذا أمر معروف في العلاقات الدولية.
هناك نظرية في العلاقات الدولية وضعها المفكر الإنجليزي أنتوني جيدينز تسمى المسار أو الطريق الثالث، فكرتها أنه عندما تحتد التعقيدات السياسية وتتأزم بالدرجة التي تنبي باحتمالية الصراع والحرب باعتباره المخرج الوحيد يكون هنا لا بد من وجود دبلوماسية تستطيع من خلالها اختراق تلك التعقيدات لتحقيق نتائج إيجابية لمصلحة الجميع وأعتقد أن دولة الإمارات واحدة من هذه الدول.
وعادة ما تسعى هذه الدبلوماسية إلى تحقيق هدفين بقدر الإمكان الأول ممارسة دبلوماسية عالية الذكاء في التقريب بين الأطراف المتنافسة من أجل تهدئة حالة الشحن أثناء ظهور القوى الجديدة وتراجع مكانة القوى القديمة وتتم هذه الممارسة الدبلوماسية من خلال المنظمات الدولية، والهدف الثاني هو أن مثل هذه اللحظات التي تسمى “الضبابية” في العلاقات الدولية تكون هناك مساحة تستطيع من خلالها دول معينة من تحقيق استفادة وطنية ولو مؤقتة لحين استقرار النظام الدولي أو الإقليمي وثباته.
لا شك أن العالم بدأ يُعاد تشكيله وفق صياغات جديدة ليس فقط من قبل الدول، ولكن حتى من خلال المؤسسات الدولية ومنها: تجمع “بريكس” الذي يظنه البعض جاء نتيجة لشكوى هيمنة الغرب الشمالي “الولايات المتحدة وأوروبا الغربية” على منظمتي صندوق النقد والبنك الدوليين، وما يمارسانه من ضغوط على دول الجنوب. ومع أن تجمع “بريكس” بدأ يرسخ أقدامه بثبات فإن ما يتمناه الجميع أن تتم هذه الصياغة الجديدة بعيداً عن الصراع المسلح بين الدول الصاعدة في النظام الدولي مثل الصين وروسيا والدول المسيطرة والمقصود هنا الولايات المتحدة، لأن توسعة عضوية تجمع “بريكس” الذي أصبح يضم 9 دول وهناك قائمة من 27 دولة ترغب في الانضمام إليه مؤشر على خلق كيان اقتصادي دولي قوي خاصة وأن حصته الآن 30% من الاقتصاد العالمي بلا شك مؤشر لا يريح الولايات المتحدة القطب الأوحد منذ سقوط الاتحاد السوفيتي في التسعينيات من القرن الماضي.
النقطة الواضحة فيما يحدث في عالمنا أن دولة الإمارات اختارت عدم البقاء في مقعد المنتظرين لما سيحدث بين المتنافسين على النفوذ سواء على المستوى الإقليمي أو العالمي فتحركت بالمبادرات الإيجابية كي تقلل من حدة الاحتكاكات السياسية عن طريق تعزيز التعاون وفتح شراكات استراتيجية باعتبارها الأسس التي دائماً تغير من الموقف المتصلبة وتفتح مسارات أو طرق جديدة للتفاهم والتقارب. وبالنظر إلى هذه التحركات الإماراتية فهي ليست فقط لتحقيق المصالح الوطنية مع أنها حق طبيعي لكل دولة وإنما تبين للعالم رؤيتها للنظام العالمي القادم.
بهذا النهج بات يُنظر إلى الإمارات كدولة محورية في تقريب وجهات النظر بين المتنافسين والمتصارعين واكتسبت ثقة الجميع الدولي، وليس أدل من هذا إلا نجاح المساعي الدبلوماسية التي بذلتها بين روسيا وأوكرانيا في مسألة تبادل الأسرى لتسع مرات خلال عام 2024 فقط.


تعليقات الموقع