العين مدينة الفسيفساء
اختتم منذ أيام قليلة مركز “أبوظبي للغة العربية” فعالياته الثقافية في مدينة العين التي استمرت أسبوعاً كامل تحت عنوان: “مهرجان العين للكتاب” ولكنه في واقع الأمر لم تقتصر فعاليات المهرجان على “الكتاب”، فقط برغم سمو هذا العنصر الثقافي في التكوين الحضاري للأمم والشعوب.
فالكتاب هو: أصل الثقافة وأساسها المتين. والكتاب ما يزال هو “خير جليس” لمن يبحث عن صديق، وتصدر “الكتاب” للمشهد الثقافي بكل أطيافه في مدينة “العين” الزاخرة بإرث ثقافي عريق يجمع العديد من الفنون الإنسانية هو تأكيد على: أن “الإبداع” هي مسألة فكرية كما هو حال الكتاب منتج فكري.
اللافت في “مهرجان العين للكتاب” هذا العام استضافته لأحد فنون الإنسانية العريقة تكاد تكون لأول مرة أو هكذا يتشبه لي وهو: فن الموزايك أو الفسيفساء والذي تتلخص فكرته تشكيلة متنوعة من الأحجار والزجاج والصدف والسراميك والفخار بألوان مختلفة تحتوي أشكالاً هندسية متنوعة تعطي جمالاً وفي الوقت نفسه تعبر عن قصة معينة.
ويتميز هذا الفن بأنه يستخدم تزيين دور العبادة بشكل عام بما فيها المساجد ويذكر أن هذا الفن تطور خلال الدولة الأموية وخاصة في عهد الوليد بن عبد الملك ومن أشهر المساجد التي عرفت بهذا الفن الجامع الأموي في دمشق، وربما هذا السبب يفسر اهتمام السوريين بهذا الفن من خلال الأواني التي نراها، ورغم أنه فن عريق عربياً وإسلامياً إلا أنه بات نادراً، ربما لأنه فن يحتاج إلى صبر وجلد.
تشترك مدينة العين مع “فن الموزاييك أو الفسيفساء” في مجموعة من السمات يمكن اختصارها في:
1- الطبيعة: فإذا كانت العين تبهر الناس بتنوع طبيعتها فإن مكونات “الموزاييك” من الطبيعة نفسها وهي بقايا الأحجار والزجاج والأخشاب فهو فن صديق للبيئة ومستقبلها قادم في ظل التوجهات الجديدة للحفاظ على البيئة.
2-التنوع: فإذا كانت “العين” طبيعتها مكونة من الجبال والوديان والجمع بين التاريخ والحاضر وما بين الرياضة والثقافة والصحة نجد أن فن “الموزاييك أو الفسيفساء” هو عبارة عن تداخل جميل من الألوان أحياناً غير مرتبة ولكنها تبهرك.
3- تداخل الألوان: “العين” مدينة في الجبال ذات اللون البني، والحدائق والأشجار التي تمزج الأخضر بمختلف الألوان الأخرى في المقابل “الموزاييك والفسيفساء” يزداد جمالها كلما تكاثرت الألوان من أجمل الرسومات كانت في “المهرجان” لوحة الطاؤوس.
تشتهر “مدينة العين” الإماراتية بكثافة الأشجار والمزروعات بكل أنواعها، وتشتهر بالأفلاج “مجاري للمياه الطبيعية”، كما تشتهر بشجرة النخيل الصديق الوفي لابن الصحراء، وتزداد جمالية هذه المدينة الإماراتية في هذا الوقت من العام حيث تزدان بألوان مختلفة من الورود والزهور الجميلة كل ذلك يحدث في تشكيلة رائعة تجمع بين الصحراء والخضرة والمياه والأشجار، وبالتي فهي قريبة من “خليط فسيفسائي” جميل نتيجة لحالة التنوع الطبيعي والرائع.
وفي مدينة العين مزيج من الطبيعة والحضارة فبجانب الحدائق هناك جبال مثل: جبل حفيت الذي يعتبر متنفس طبيعي خلاب. وهناك الوديان “9 أودية” أشهرها وادي السليمي، ووادي أم غافة، كما تنتشر في العين القلاع والحصون والمتاحف “متحف العين” والمباني التاريخية مثل: مثل “مدافن الهيلي”، ولكنها في المقابل تستضيف العديد من المباني الحديثة بعضها تمثل أيقونات حضارية من حيث جمال البناء والرسالة الإنسانية التي تحملها مثل: جامع الشيخ خليفة بن زايد فهو منارة للتسامح، واستاذ هزاع بن زايد الذي يحتضن أحد كبار الأندية الآسيوية “نادي العين”، وهناك مدينة الشيخ طحنون الطبية.
وهي مدينة بجانب تعدد وسائل الترفيه فيها من مغامرات ومراكز تسوق فإنها تستضيف بكل شرف أعرق جامعة في دولة الإمارات أسسها المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان “طيب الله ثراه”، “جامعة الإمارات” وهي أحد الرموز للشاهدة لأنجح قصة تنموية في العالم، كما في هذه المدينة أول مكتبة أكاديمية لخدمة طلبة الجامعة وهي “مكتبة زايد المركزية”.
السرد السابق عن مدينة العين بهدف التأكيد بأن قد يكون فن من صنع الإنسان مثل الموزاييك والفسيفساء الذي له نظرياته فهناك الموزاييك الواقعي وهو عند أصحابه المقصود به الموزييك الذي ينقل عن الواقع كما هو في المسجد الأموي في سوريا ولكنه قد تكون هناك لوحة طبيعية من إبداع الخالق كما يمكن أن نراه في مدينة العين فتشكيلتها أقرب للوحة الموزاييك الجميل.
“الفن” أحد روافد الثقافة بلا شك في هذا، وإذا كانت مدينة العين الإماراتية تستضيف العديد من رموز الثقافة بمختلف أنواعها وأشكالها فإن أبسط وصف يمكن اختصاره للتعبير عن جمال هذه المدينة أنها عبارة عن: لوحة “موزاييك” أو فسيفساء.
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.