اتجاهات مستقبلية
المؤثّرون ونشر المعرفة
انطلقت في دبي قمة المليار متابع، في نسختها الثالثة على مدى يومين، في الفترة من 11 إلى 13 يناير 2025، وهي أول قمة متخصصة بتشكيل اقتصاد صناعة المحتوى، والأكبر من نوعها عالميًا، وتقام برعاية صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، وينظمها المكتب الإعلامي لحكومة دولة الإمارات على مدى ثلاثة أيام في أبراج الإمارات، ومركز دبي المالي العالمي، ومتحف المستقبل بدبي، تحت شعار “المحتوى الهادف”. وتستضيف القمة في نسختها الجارية 15 ألف منشئ محتوى من مختلف أنحاء العالم، يبلغ عدد متابعيهم 2.3 مليار شخص؛ ما يثير تساؤلًا في غاية الأهمية حول قضية رئيسية، هي تحولات التأثير ونشر المعرفة في العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين.
يُعرّف الوعي في اللغة عادةً بأنه إدراك الإنسان وفهمه لِما يحدث حوله، سواء كان ذلك في محيطه المباشر، أو على مستوى أوسع من الحياة والوجود. ويُستخدم المصطلح في سياقات متعددة للإشارة إلى قدرة الإنسان على التفكير والتفاعل مع الواقع المحيط بشكل واعٍ ومدرك.
تُعد عملية تشكيل الوعي عملية معقدة تتداخل فيها طرق وأدوات عدة تهدف إلى تطوير فهم الأفراد لمحيطهم، وتعزيز قدرتهم على التفكير النقدي، واتخاذ القرارات المستنيرة، تاريخيًا، يُعد التعليم ووسائل الإعلام إحدى الطرائق الرئيسية في تشكيل الوعي.
بيد أن ذلك شهد تحولًا كبيرًا في السنوات الأخيرة، حيث انتقل من وسائل الإعلام التقليدية، مثل التلفزيون والصحف، إلى المؤثرين على مواقع التواصل الاجتماعي. في السابق، كانت وسائل الإعلام التقليدية هي المصدر الرئيسي للمعلومات والآراء العامة، وقد لعبت دورًا محوريًا في تشكيل الوعي الجمعي من خلال الأخبار والبرامج والمقالات، التي كانت تخضع لإشراف صارم من الهيئات التنظيمية. لكن مع ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، أصبح لدى الأفراد القدرة على الوصول إلى المعلومات بسرعة وبتنوع أكبر من خلال المؤثرين، الذين يمتلكون جماهير ضخمة على منصات مثل “يوتيوب”، و”إنستغرام”، و”تويتر”. هؤلاء المؤثرون أصبحوا مصدرًا رئيسيًا للمحتوى الذي يوجّه الوعي حول مواضيع متنوعة، بدءًا من القضايا الاجتماعية والسياسية، وصولًا إلى الصحة والترفيه.
لكن هذا التحول يثير العديد من المخاوف والتحديات. أولاً، قد تكون المعلومات التي يقدمها المؤثرون غير دقيقة أو مشوهة؛ نظرًا لأنهم غالبًا ما يعبرون عن آراء شخصية، أو يتبنَّون أجندات معينة قد لا تكون موضوعية، فضلًا عن أن غياب الرقابة والتنظيم على المحتوى المنشور يسهم في انتشار الأخبار الكاذبة والشائعات. ثانيًا، قد يؤدي التركيز على المؤثرين إلى تعزيز الاستهلاك السطحي للمعلومات؛ ما يقلل من قدرة الأفراد على التفكير النقدي وفحص الحقائق. ثالثًا، يطرح هذا التحول تساؤلات حول تأثير المؤثرين في السلوكيات الجماعية، خاصة لدى الشباب، الذين قد يتأثرون بشكل كبير بما يروج له هؤلاء الأشخاص؛ ما يؤدي إلى تشكيل وعي قد يكون بعيدًا عن الواقع أو قد يشوهه.
من هنا، تأتي أهمية التوافق العالمي على استمرار النقاش العام العالمي حول “المحتوى الهادف”، وهو ما تتبناه قمة المليار متابع في نسختها الثالثة.
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.